نشر بتاريخ: 09/01/2019 ( آخر تحديث: 09/01/2019 الساعة: 13:44 )
الكاتب: د.مصطفى البرغوثي
تصل نسبة البطالة بين الشباب الفلسطيني المتعلم إلى 80% في قطاع غزة المحاص، وتتجاوز البطالة بين الشباب المتعلم في فلسطين بشكل عام 53%، وخاصة بين الشابات حيث تتجاوز 69%.
ومن الملفت للنظر أن نسبة البطالة بين خريجي كليات العلوم الطبيعية تصل إلى 70% بشكل عام وإلى حوالي 80% بين الشابات.
نقطة القوة في البنيان الديموغرافي الفلسطيني هي النسبة العالية للشباب القادرين على العمل، بالمقارنة مع البلدان الأوروبية التي يطغى على تركيبتها السكانية كبار السن، ولكن هذه المزية مشروطة بأن يعمل الشباب، لا أن يكونوا عاطلين عن العمل.
وتمثل نسبة البطالة العالية أهم مؤشرعلى فشل السياسات الإقتصادية في فلسطين منذ نشوء السلطة الفلسطينية.
وهي سياسات تفاقم تركيزها على القروض الموجهة للإستهلاك، بدل أن تكون موجهة لتشجيع الإنتاج الوطني والإعتماد على النفس .
مخاطر البطالة السياسية والإجتماعية، أكبر من أن نشملها بمقال ، ولكن لا بد من ذكر أهمها.
البطالة بين الشباب تمثل خطرا ماحقا على القضية الوطنية، لأنها تضعف القدرة على الصمود في وجه الإحتلال والتهويد والإستيطان، وتؤدي إلى إضطرار أعداد كبيرة من الشباب للهجرة، بحثا عن العمل والعيش الكريم، وهذا بالضبط ما تريده حكومات إسرائيل، تفريغ فلسطين من القوة العاملة الشابة وإضعاف تأثير العامل الديموغرافي الذي يعمل لصالح فلسطين.
بإختصار البطالة تؤدي إلى الهجرة، والهجرة تفرغ فلسطين من أهلها.
ومن الناحية الأخرى فإن أعدادا كبيرة من الشباب المتعلمين الذين لم يهاجروا يتجهون للعمل في المشاريع الإسرائيلية وفي المستوطنات، وذلك يعيطي قوة للإقتصاد الإسرائيلي، ويستنزف الإقتصاد الفلسطيني.
البطالة بين الشباب المتعلم تمثل أيضا هدرا للموارد والطاقات، فما ينفقه الأهل على تعليم أبنائهم، يتحول إلى هباء بدل أن يكون عنصرا دافعا للأقتصاد الوطني.
لكن أكبر المخاطر هو التأثير النفسي والمعنوي على شابات وشباب طموحين مليئين بالحيوية والقدرة على الإبداع، يتطلعون بعد تخرجهم لأن يصبحوا مواطنيين فاعلين وناجحين ومبتكرين، ليصابوا بسبب البطالة بالإحباط واليأس، والنفور من كل عمل وطني أو مجتمعي، وهذا آخر ما نحتاجه في فلسطين.
أخبرني مسؤلون في إحدى الجامعات أنهم نشروا إعلانا عن وظيفة لحامل شهادة بكالوريس، ففوجئوا بتلقي أكثر من مائة طلب عمل من حاملين لشهادتي الماجستير والدكتوارة.
والكل يعرف رواية صاحب الفرن الذي نشر إعلانا في غزة عن حاجته لفران فتلقى حوالي أربعة آلاف طلب عمل لحاملي شهادات جامعية .
لا توجد اليوم قضية إقتصادية أكثر أهمية من وضع سياسات تحارب ظاهرة البطالة بين الشباب المتعلم، وذلك يتطلب إعادة توجيه للإقتصاد بما يركز على الإنتاج، وعلى المبادرات والمشاريع الإنتاجية التي يديرها الشباب، بما في ذلك تغيير سياسة البنوك التي تركز على القروض الإستهلاكية وتتحفظ على منح قروض للمشاريع الإنتاجية.
هناك صناديق إستثمار، وصناديق تقاعد، ومستثمرون أثرياء كثيرون، وشركات فلسطينية تحقق أرباحا عالية،وتعفى من قسم كبير من الضرائب، ومن واجبها جميعا أن تساهم في بناء الإقتصاد الوطني عبرمشاريع إنتاجية تحررنا من بضائع الإحتلال، ومن الحاجة للعمل في مستعمراته ومشاريعه، ومصانعه .
وهناك حاجة لوقف التنافس بين الجامعات على تخصصات لا تؤمن لخريجيها فرص عمل، واستبدالها بتوسيع التعليم الجامعي المهني والمرتبط بالإقتصاد المنتج.
سياسة إقتصادية تحارب البطالة، وتخلق فرص عمل للشباب المتعلم، هي شكل من أشكال مقاومة من يريدون تصفية قضيتنا الوطنية، ووجودنا على أرض فلسطين.