نشر بتاريخ: 10/01/2019 ( آخر تحديث: 10/01/2019 الساعة: 11:53 )
الكاتب: د.غسان عبد الله
تجيء هذه الرؤيا من منطلق الحرص على مستقبل وديمومة دور التجمع اليمقراطي الفلسطيني الذي تم الاعلان عن ولادته في قاعة كنيسة الكاثوليك/ رام الله، يوم الاحد الموافق 23/12/2018 بعد عمل دؤوب امتد لما يزيد عن سنتين كان لي الشرف ان اكون جزءا منه ولو ببعض الشيء.
هناك دوافع عديدة دعتني الى طرح هذه الرؤية، منها ليس فقط قناعتي بالنوايا الصادقة وراء هذه الجهود وحرصي الشديد على ضرورة بذل كل ما أوتينا من رؤى وطاقات لانجاح المبادرة، لا سيما أن سبق ذلك مبادرات عديدة وبأسماء مختلفة كان مصيرها الوضع على الرف، وليس أيضا الحضور النوعي الذي شارك في الاجتماع المذكور، بل وأيضا ما ورد في البيان الصادر عن اللجنة التحضيرية للتجمع بتاريخ 26/12/ 2018 وما اتسم به من نقد ذاتي وتوجيه ملاحظات نوعية بخصوص الاجتماع المذكور وما كان الجميع يصبو اليه، ألامر الذي يشير الى تبني وجود هامش كبير للنقد وتوجيه الملاحظات، مستفيدين من تجارب عمل سياسي سابق قاد بالغالبية الى التنحي جانبا، اضافة الى ما ورد في بعض كلمات الافتتاح من رؤى عملية قابلة للتطبيق ( كلمة أ. عمر عساف وكلمة أ. علي عامر وكلمة أ. عمر شحادة)، رغم استمرار بقية كلمات الافتتاح في المراوغة بالتشخيص ومحاولات الاسداء بالمواعظ والنصح والارشاد.
من منطلق الحرص على ديمومة المبادرة، ليس فقط بسبب الحاجة الماسة لها، بل ولأن هناك مبادرات أخرى سبقتها ولم يكتب لها النجاح، ولان قدر شعبنا ليس متمثلا في المزيد من خيبات الامل، أسمح لذاتي بتسجيل ونشر هذه الرؤية التي تنطلق من:
• ان بطولات ألامس لا تبرر لأي كان دوام التربع على العرش ومصادرة أدوار الاخرين، تماما متلما هو انه لا يجوز أن يسمح لك تاريخك باعادة تكرار تجاربك الفاشلة وبنفس الادوات بالارتكاز على قناعتهم بأن الحظ ماتي لهم لجعل من ألاعمى ساعاتي.
• يقول اينشتاين ان تكرار التجربة الفاشلة بنفس الادوات، حتما ستؤدي الى نتيجة جديدة فاشلة ايضا. نستشهد بهذا الحتمية بعد أن رأينا بعض الجالسين على منصة الافتتاح، ممن هم معروفين بتجاربهم القيادية السابقة وتنقلاتهم المواقعية السياسية، وقد يكون لذلك دور في حالة التردي الذي نعيشه
يستدعي وجودهم على المنصة دراسة الحالة والدوافع لهذا الوجود. أما بخصوص الحالة فالمقصود بها حالة الفصائل التي ما زالوا يتبوؤون فيها مناصب قيادية قد تكون ألاولى وكأنهم يودون توصيل رسالة بانهم وبسبب الديمقراطية المقيّدة لهم أو جراء التبعية الاقتصادية وحتى لا تمم اغلاق مصدر الدعم المالي عنهم ، كما حصل مع البعض ، جاءوا ليبحثوا عن مخرج . لا أريد ان أكون سيء الظن بالنوايا وأقول غير ذلك.• يؤكد العلم بأن أي قطبين متشابهين مصيرهما التنافر ، ولعل الساحة الفلسطينية تشهد وجود ، ومنذ فترة ، مثل هذين القطبين ( مع التفاوت الملحوظ في المنطلقات والاجندات لكل قطب ) ألامر الذي يستدعي ضرورة وجود طرف ثالث ، كنا نتمنى أن تكون الفصائل اليسارية قاطبة هكذا ، لكن مع ضمور دورها العملي على ساحة العمل الفلسطيني لاسباب لا نود بحثها هنا ، ومن عمق الازمة التي نعيشها جميعا جاءت الحاجة الى ضرورة ولادة الطرف الثالث ليس بديلا لاحد بل رافدا قويا يعمل في اطار وتحت سقف منظمة التحرير الفلسطينية للنهوض بالواقع الفلسطيني ، بعد استنفاذ عمليات التشخيص وضرورة الانتقال الى العمل الميداني مع الجماهير، ومن أجل الشعب وقضاياه العادلة ، اخذين بعين الاعتبار دوما القددرات الجمّة لهذه الجماهير اذا ما وجدت القيادة القادرة على توظيف هذه القدرات ، بعيدا عن دوام ترديد أقوال وشعارات مثبطة للعزائم مثل ليس بالامكان افضل مما كان ، اذ بدلا عن هذا يتوجب وبالشراكة مع الشعب عبر قنواته وأطره الفاعلة ، ان يتسلح هذا الطرف الثالث برؤية مستقبلية تتخذ من بلورة ادوات مواجهة على ارض الواقع وترميم الثقة المتزعزعة اليوم بالاوساط القيادية .
• واضح للعيان ان تصدر القطبين المهيمنين على الساحة الفلسطينية وتنافسهما قد شلّ دور الفصائل الاخرى وبقيت تدور في فلك الانقسام دون طواعية وباتالي لم تنجح في ان تكون "بيضة القبان" لتغيير الوضع عن طريق انهاء النقسام المشؤوم، والتوصل الى توافق وطني واضح على مجمل ركائز العمل الوطني، الامر الذي عزّز من حالة الثنائية، مما ترك اثارا سلبية عديدة على مجمل اوجه القضية الفلسطينية، وأوجد مناخا مريحا للاحتلال واعوانه.
ختام القول في هذا البند، ولأنه ليس قدر شعبنا التسليم بأن يبقى رهينة الانقسام البغيض، جاءت الجهود الحثيثة للعمل على ولادة طبيعية للتجمع الديمقراطي الفلسطيني، كنت قد اقترحت في احدى جلسات المتابعة ان نطلق عليه اسم "العمل الديمقراطي الفلسطيني " ( دفع ، أي دفع العمل الى الامام وليس الدفع بالدولار )، ليضم في صفوفه أكبر حشد ممكن من الفئات وشرائح المجتمع وفي مقدمتها الطبقة العاملة والشباب والمرأة ،طلائع أي عمل وطني ناجح .
عودة الى متطلبات التمّيز عن باقي المبادرات التي لم يكتب لها النجاح، ومن أجل ديمومة التأثي نحو احداث التغيير المنشود بدءا بالستنهاض وعلى كافة المستويات، نرى بضرورة التركيز على:
- جماهيريا : تناول قضايا يعاني منها الكل الفلسطيني وبخطوات عملية يشهدها وينخرط بها الشعب ،فعلا لا قولا، ومن هذه القضايا مسألة الفلتان الامني ومحاولات الخروج عن القانون ومواجهة محاولات تقويض النظام القضائي.
- الاستفادة من تجارب وطنية سابقة أتت ثمارها في ظروف حالكة كالتي نعيشها اليوم ، ولعل تجربة الجبهة الوطنية ولجنة التوجيه الوطني والقيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الاولى خير دليل
- الابتعاد عن شخصنة العمل والتوقف الفوري عن استخدام نهج الاقصاء والفئوية الضيقة وتوسيع دائرة الفاعلين بدلا من حصرها في مجموعة ضيقة من الشخصيات ، الامر الذي يكفل باستعادة دور الكوادر الوطنية وتفعيل الاطر الشعبية ، الامر الذي سيعمل على الحد من دور المنتفعين واشكال النضال المكتبي المقيد بالساعات ونوع الوظيفة ومقدار الراتب، والخروج الى الشارع عوضا عن الدعوات بشكل فوقي للانخراط بالعمل من المؤسسات.
- من الضروري جدا العمل على المساهمة في الجهود الرامية الى بلورة برنامج سياسي توافقي وذلك من خلال اعتماد نهج الشراكة الديمقراطية المسؤةلة للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده ، والتسليم بالتعددية وقبول الاخر الفلسطيني ، مع ضمان التمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها انجاز المشروع الوطني الفلسطيني المتمثل باقامة الدولة الفلسطينية العتيدة بكامل السيادة الوطنية ، الامر الي يستدعي ضرورة ليس فقط الحفاظ على دور منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد لنضالات الشعب الفلسطيني ، بل وأيصا ضرورة تعزيز واستنهاض دور المنظمة من خلال انتخاب ديمقراطي فعلي للهيئات القيادية فيها بعيدا عن نهج التعينات والاستفراد وهذا لن يكون الا من خلال الاحتكام الى المؤسسات والاطر الشعبية والنقابية والمهنية التي هي ايضا بحاجة ماسّة لتفعيل دورها بعد تجديد الدم فيها من خلال اجراء انتخابات حرة لقياداتها.
جميع ما ذكرناه انفا هو فقط من أجل أن يبقى هذا الوليد نوعيا وقادرا على النمو والاضطلاع بدوره المنشود رغم ضراوة الاحداث وتلاطم الامواج العاتية التي وللاسف تمكنت من العصف بكل المحاولات التي اعتمدت النوايا الحسنة نهجا ورؤية لها ، متناسين اصحاب تلك المبادرات حقيقة ان الطريق الى الهاوية معبّد بالنوايا الحسنة .