الخميس: 06/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

الإصرار الامريكي على صفقة القرن!

نشر بتاريخ: 30/01/2019 ( آخر تحديث: 30/01/2019 الساعة: 12:25 )

الكاتب: د.ناجي صادق شراب

لم تتخلَ الولايات المتحدة عن صفقة القرن، رغم تأجيلها أكثر من مرة، ورغم الإعلان الرسمي للسلطة الفلسطينية برفض الصفقة على لسان الرئيس محمود عباس أكثر من مرة. ولم تعلن الاطراف الأخرى المعنية وخصوصا إسرائيل موقفها المسبق على الصفقة. وهذا إشارة أن الصفقة أقرب للموقف الإسرائيل، وهذا الإنحياز او الإستجابة للموقف الإسرائيلي أمر متوقع....
وبالنسبة للموقف العربي الرسمي، ان الدول العربية لم تتخلَ عن القضية الفلسطينية، وتقف الدول العربية على الخطوط العامة للصفقة، لكنها للحظة لم تعلم موقفها رسميا، فكيف يمكن الإعلان الرسمي عن صفقة لم تعلن رسميا.
وبالعودة للموقف الفلسطيني الإعلان المسبق قد تكون له مبرراته السياسية، فمن ناحية قد يكون ورقة ضغط على الإدارة الأمريكية لإدخال مزيد من التعديلات والإستجابة أكبر للمطالب الفلسطينية. ومن ناحية أخرى قد يكون تسجيل موقف مسبق للضغط على الدول العربية لممارسة مزيد من الضغط إتجاه الإدارة ألأمريكيه لتأتي بصفقة أكثر واقعية.
ومن ناحية ثالثة قد يكون مجرد موقف سياسي يسجل للرئيس تحسبا لأي تداعيات ونتائج مستقبلية. رغم كل هذه المعطيات والمتغيرات، الا ان الإدارة الأمريكية مصرة على المضي قدما في إنهاء رؤيتها وتصورها لحل القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي... هذا الإصرار في يقيني تقف وراءه أسباب كثيرة:
العامل الأول أن إدارة الرئيس ترامب كما بقية الإدارات تريد أن يقترن إسمها بصفقة ومبادرة لتسوية الصراع العربي الفلسطيني الإسرائيلي. وهذا يأتي في سياق ان الرئيس الأمريكي وعد، وهو بهذه الصفقة يكون قد اوفى بوعده.
ثانيا الإدارة الامريكية هدفها الإعلان عن الصفقة وتحميل مسؤولية الفشل لمن يرفض وهنا هو الجانب الفلسطيني، وهي تريد ذلك، فالرفض قد يعمل على تحقيق الاهداف الأخرى للصفقة... الولايات المتحدة تريد ان يرفض الفلسطينيون، وهذا ليس معناه أن يقبل الفلسطينيون بصفقة لا تلبي مطالبهم الوطنية.
ثالثا الهدف الإستراتيجي للصفقة التخلص من القضية الفلسطينية، وإنهاء الصراع ويعتقد الفريق الذي اعد الصفقة أن هذا هذا هو العصر او الوقت المناسب لتحقيق هذا الهدف. فالوضع الفلسطيني في أسوأ حالاته من الإنقسام والضعف بمعنى عدم القدرة على تحمل الضغوطات والرفض إلى ما لا نهاية، والوضع الاقليمي اكثر تهيوءا وإستجابة، ودول الجوار الإقليمي لها أولوياتها وفلسطين مجرد اداة يمكن ان تقدمها كثمن لتحقيق أهدافها. ودوليا التحولات في موازين القوى، تبدل وتغير الاولويات والقضايا الدولية لم تعد قضية فلسطين القضية الأولوية، بل مجرد إهتمام إنساني، ولكل الدول الراغبة ذاتها في إنهاء هذا الصراع. الإدارة الأمريكية تدرك كل هذه المعطيات وتضعها في إعتبارها وفريقها الأقرب لإسرائيل ويؤمن بنفس أهدافها يدرك هذه المعطيات وأن البيئة السياسية بكل مستوياتها مهيئة للإعلان عن الصفقة. وتدرك أنها ستحقق نجاحات في تطبيقها. لكن السؤال الذي قد يفرض نفسه ما هي الخيارات المتاحة أمامها؟
ليس كما يعتقد أن الفريق الأمريكي لا دراية له بالصراع، فهذه مسألة يمكن التغلب عليها في الولايات المتحدة من خلال مراكز التفكر والخبراء، والخبرات السابقة والإطلاع عليها. وأعتقد انه قد بات لدى الفريق فكرة شاملة عن المنطقة، ومما يزيد من الفرص المتاحة ان هذا الفريق وخصوصا جاريد كوتشنر تربطه علاقات حميمة بصانعي القرار العربي، وبالذات في الدول العربيه الأكثر تأثيرا في القرار الفلسطيني.
ويدرك هذا الفريق انه لحل قضية مركبة مثل القضية الفلسطينية تتشابك مكوناتها وقضاياها وكل قضية منها تحتاج لصفقة فكان لا بد منذ البداية التمهيد وتفكيك هذه القضايا كالقدس واللاجئين وهما اكثر القضايا تعقيدا وبالتخلص منهما تبدو الطريق سهلة لفرض الحل النهائي وإختزاله في كينونة سياسية تتلاءم وماذا يريد الفلسطينيون...
وهنا نحن امام كينونة غزة المستقلة وأعتقد ان الهدف والمتمثل بوجود دويلة او دولة أيا كانت التسمية في غزة يتناسب وما تريده حركة حماس وحركة الاخوان المسلمين والدول ذات الصلة مثل إيران وقطر. فالهدف واضح.
واما بالنسبة للضفة الغربية والكل يدرك بما فيهم الفلسطينيون ان قيام دولة فلسطينية مستقلة يبدو صعبا أو مستحيلا، لرفض إسرائيل القاطع بقيام دولة فلسطينية في قلب إسرائيل حتى لو توفرت فيها كل الشروط التي تريدها، هنا يبرز شكل الحكم الذاتي أو الدولة ألأعلى درجة من الحكم الذاتي، والربط الإقليمى بالأردن أحد أهم الخيارات.
ويبقى إحتمال قيام الدولة الفلسطينية أولا قائما ولاحقا في صورة من الحل الكونفدرالي مع الأردن الأقرب جغرافيا وسكانيا. هذه التصورات يبدو لي قائمة، ولكن السؤال ماذا عن الآليات؟ هنا قد يبرز اكثر من إحتمال، الأول التخلص من مرحلة الرئيس أبو مازن والدخول في مرحلة الفوضى الشاملة، والسعى لتكريس وجود حركة فتح، خصوصا انه قد تبرز إحتمالات كبيرة بالمنافسة، وأي قيادي بعد أبو مازن لن تكون مؤهلة تاريخيا وسياسيا وتفتقد الكارزمية، وكلها عوامل قد تساعد على تمرير الصفقة، ومن ناحية أخرى التخلص من مرحلة نتانياهو، وإلإنتهاء من مرحلة ألإنتخابات التي قد تأتي بحكومة يمينية متشددة لكنها في جميع الأحوال ستكون ضعيفة، وإئتلافية، وهذا قد يساعد على تمرير الصفقة.
ومن ناحية ثالثة التطورات السياسية في غزة ستسمح بتمرير الصفقة، وليس صعبا تخريج فتاوى سياسية بذلك.
وأخيرا الصفقة هي بوابة إسرائيل للعالم العربي، وبوابة العالم العربي للتحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، والثمن النهائي التخلص من القضية الفلسطينية، بداية مرحلة جديدة لما يسمى بالخارطة الجديدة للشرق الأوسط. هذه مجرد تصورات وتوقعات.