نشر بتاريخ: 25/02/2019 ( آخر تحديث: 25/02/2019 الساعة: 17:38 )
الكاتب: لبيب فالح طه
تتعرض فنزويلا لأزمة سياسية تعبث بها أيد خارجية، الأيد الخارجية ليست بريئة تماما، في فنزويلا بترول وغاز وذهب وثروات وموقع استراتيجي قريب من الولايات المتحدة الامريكية تسيل له لعاب كثير من الدول التي لم تغادرها أطماعها الاستعمارية.
في فنزويلا التي وجدت فيها الولايات المتحدة شخصا تظن أنها تستطيع أن تعتمد عليه في تحقيق أجنداتها، ورئيس فاز بانتخابات يشكك بها البعض، يحتدم الصراع هناك حيث الصراع هو أحد مظاهر العلاقات بين البشر والدول حين تتعارض المصالح والرؤى والتقييم للأمور.
يدار الصراع هناك عبر مختلف الوسائل باستثناء العنف حتى اللفظي منه، مظاهرات لهذا الطرف أو ذاك، لقاء مع وسيلة إعلامية هنا أو هناك سواء من طرف الرئيس مادورو أو من طرف خوان جوايدو الذي عيّن نفسه رئيسا مؤقتا، بل هناك تسريبات عن مفاوضات أمريكية مع فريق الرئيس مادورو، هناك كل طرف يحاول تحقيق مصالحه بطريقة تخلو من العنف في شكله المادي على الأقل حتى الآن، لا اتهام لأحد –بحسب علمنا- بالخيانة أو شخصنة للصراع. في فنزويلا هناك استقطاب ولا شك لكن بعيدا عن المشاجرات أو حتى العنف اللفظي أو الحرق أو تدمير الممتلكات العامة.
تثور لدينا نحن العرب كثير من الشجون والألم ونحن نفتقد لإدارة الصراع بعيدا عن العنف الموجود في تراثنا وثقافتنا، في تراثنا ولغتنا وثقافتنا تسمى هذه الإدارة للصراع بمسميات عدة منها: الحوار والقول اللين والتراضي والسلم والمسالمة والمهادنة والمصافاة والاتفاق والحل الوسط والهدوء. هذا على المستوى النظرى، أما على المستوى العملي فإنه يغيب عن سلوكنا وممارساتنا. الصراع عبر القوة الناعمة والحوار الحضاري يحفظ الدماء والموارد والطاقات والماضي والحاضر والمستقبل، إنه ثقافة ذات قيم سامية وأخلاق رفيعة يتصف بها الشخص أو الطرف الذي يقوم بها.
في الجانب الاخر حين يكون الصراع عبر القوة الغاشمة تضيع أوطان وتسفك الدماء وتبدد الموارد ويصبح البحر قبر الفارين من جحيم أوطانهم عبر زوارق الموت الى جنة مفترضة أو موهومة أو موعودة في بلاد الغرب. في بلاد يسودها الصراع العسكري يتشظى المجتمع ويسيطر الفقر والأمراض الصحية والاجتماعية. حين يكون حل أي صراع أو مطلب سياسي أو نقابي أو معيشي هو التشكيك والتخوين واستعمال القوة ضد الخصم والضجيج الإعلامي المسموم حتى لو كانت مطالبه عادلة، ويضرب المجتمع في نسيجه الاجتماعي وأمنه وعلاقاته ومنظومته القيمية والأخلاقية.
التخوين للطرف الآخر يعتبر دعوة للقتل، فهل كل من خالف الحاكم بأمره -أو بغير أمره- يعتبر خائنا مستحقا للقتل؟! هل الاعتراض على رفع سعر الخبز أو المحروقات أو خنق الحريات ونهب الثورات خيانة للوطن؟!
في فنزويلا يقع الجيش تحت سيطرة الرئيس مادورو، وهو قادر على إعطاء أمر باعتقال جوايدو أو نسف مقر اقامته كما حصل في روسيا يلتسين عندما قصف البرلمان بالمدفعية عام 1993 حين حاول عزله، أو سحق المؤيدين لمادورو كما سحق المحتجين في ساحة بوابة السماء في الصين عام 1989 لكن يبدو أن الحكمة والسعي لحل سياسي هو المزاج السائد في فنزويلا حتى الان.
سلام على فنزويلا وسلام لها، سلام على وطن عربي تسيل الدماء والدموع في جنباته، ويسكن الألم والخوف والمجهول زوايا قلبه بسبب إدارة سيئة للبلاد وللصراع.