نشر بتاريخ: 25/02/2019 ( آخر تحديث: 25/02/2019 الساعة: 23:50 )
الكاتب: خالد صيام
إنه باب القضاء والبوابة الأبدية والبوابة الدهرية وباب توما توما وباب الحكم، أسماء عديدة لبوابة واحدة هي الرحمة والتي يبلغ إرتفاعها أكثر من 11 مترا، يوجد داخل مبنى مرتــــفع ينزل إليه بدرج طويل من داخل المسجد الأقصى، مكون من بوابتين الرحمة جنوبا والتـــوبة شمالا كونه جزء من السور الشـــرقي للأقصى، والباب مكون من بوابتين ضخمتين وبينهما عمود من الحجر تم بناؤه بمهارة فائقة وإبداع هندسي وبه زخــــارف ونقـــــوش تشهد على إزدهار الفن المعماري وقت بنائه زمن الخليفة مروان بن عبد الملك ثم جدد في عـهد صلاح الدين الأيوبي، كما إستخدم المبنى الواقع داخل الباب من جهة المسجد الأقصى قاعة للصلاة والذكر والدعــــاء ويذكر أن الإمام الغــــزالي رحمه الله إعتكف في زاويته عندما ســـكن بيت المقدس.
باب الرحمة هو جزء من مساحة المسجد الأقصى المبارك كغيره من الأبــــواب المطلة عــلى الحي الإسلامي كباب السلسلة والقطانين والأسباط والحديد والمجلس والغوانمة وحطة، غير إختلافه عن تلك الأبواب بميزة إطلالته من السور الشرقي للمسجد على المقبرة الإســـــلامية الشهيرة في القدس والمسماة بمقبرة باب الرحمة التي تمتد من باب الأسباط حتى نهاية سور الأقصى بالقـرب مـن القـصور الأمـوية مـن الجهة الجـنوبية بمـساحة 23 دونم تقـريبا وهي تحوي على عدد من قبور الصحابة أبرزهم عبادة بن الصامت وشداد بن أوس.
من المعروف بأن القدس كانت عبر القرون الماضية هدفــــا للـــغزاة والعابرين لما تمثله من مكانة وقيـــمة .. فكل حــجر أو صــخرة فيها تروي حكاية ... وكل باب من أبوابها له قـــصة ومغزى، فقصة (باب الرحمة) شاهد من شـــواهد الأقصى عـــبر التاريخ دمـر خلال الحروب والصــراعات وأعـــيد ترميمه قديما ، أما حديثا وبعد ســقوط فلســــطين في قبـضة الصهاينة أصبحت المــدينة المقدســة بما تحمله من جــراح دامـية تأن من وجـــع العابرين بمحــاولاته المتكررة لوضع موطئ قدم له فى القــدس والأقصى من خلال قراراته العنصرية والفاشـــــية وممارسـاته المتطرفة بدءا من إحــراق المسجد عام 1969 وتدمير منبره التاريخي المعروف بمنبر صــلاح الدين مــرورا بجرائم المتطرفين بإطـــلاق النار على جـموع المصلين ووضــع المتفجرات والتهديدات المستمرة بنسفه والسـماح للمتطرفين اليهود بأداء طقوسهم، إضـافة لعمليات الحفر ضمن شبكة أنفاق سرية أسفله ما يهدد بإنهيارات جزئية في محيطه.
كل هذه الممارســـات وغيرها بزعم المـتطرفين بأن باب الـرحمة كان يستخدم مـــدخلا رئيسا لهيـكلهم المزعوم في الوقت الذي ناقش حــزب الليكود الصـهيوني في أوساطه خـريطة تشير صـراحة بإقتطاع المســاحة المـوازية لباب الرحمة كصــالة دائـمة لليـهود ضـمن مخـــططات الإحتلال للتقسيم الزماني والمكاني للأقصى على غرار تقسيم الحرم الإبراهيمي الشــريف في خليل الرحمن لكن على نحو متدرج، لذا أقدمــت تلك الســلطات على إغلاق قــاعة الرحــمة المسقوفة قبالة الباب عام 2003 ووضـــع نقطة لشـرطة الإحتلال فـــوق بابه للحيلولة دون وصول أي مقدسي أو مسلم للمكان تمهيدا لتحويله لكـنيس يهودي، في الـوقت الذي يتم فيه إستهداف مقبرة الرحمة من عناصر التخريب المتطرفة وما يســمى بســــلطة الأثار بإقدامها مؤخرا عــلى هـــدم ونبش أربعـــة قبور تحت جنح الظلام بحماية وحــراسة جنود وشــرطة الإحتلال الذي ينوي تحويل جـزء من المقبرة الإســـلامية لحديقة تـــوراتية ضمن مشــروعه التهويدي ومخططاتها للمدينة المقدسة.
ثمة إرهاصات عديدة جـــعلت من الشــعب الفلسطيني المرابط في بيت المــقدس وبخـاصة في البلدة القديمة بالتصــدي اليومي لتلك المــحاولات والممارسات بإرادتـهم الصـلبة التي لا تلين وعقيدتهم بإفشال الكثير منها خلال المواجهات والتصدي لتلك المخططات، وكلنا يذكر إفشال مخطط الإحتلال بوضع بوابات الكترونية وكاميرات على بوابات الأقصى العام الماضي ضـمن الهبة الجماهيرية العارمة التي تداعى لها الكل الـوطـــني لمواجهتـــها، ما أجبر الإحتــــــلال للتراجع صاغرا أمام إرادة الجماهير وقوة تصميمها في جمعة الغضب الشهيرة.
يبدو أن المحتل لم يدرك بعد قوة وإرادة الجماهير الغاضبة ... كما أنه لــم يدرك أيضا أهمــية ومكانة وقدسية الأقصى بالنسبة للشعب الفلسطينى بشكل عــام والمقدســـــين بشــكل خــاص مسلمين ومسيحين .... بعد 16 عاما من إغلاق قاعة الرحمة والذكرى 25 لمجزرة الحـــــرم الإبراهيمي الشريف في الخليل، تنـادى الكل الفلسطيني وفي طليعتهم شبــــاب أمنوا بـــعدالة قضيتهم إنبروا للتصدي لإفشال مخططات الإحتلال رغم حملات الإعتقال والتنكيل والمداهمات الليلية التي شملت كافة القيادات الدينية والـــوطنية وعلى رأسها حــــــركة فتح في المـــدينة المقدســـة إضافة لقرارات الإبعاد لمــدد مختلفة، كل هذه الإجـراءات لن تثنيهم ولم تحــــبط من عزيمتهم المنشــودة، لقد شـــكل الشـــباب الطليعي رأس الحـربة مع المرجعيات الدينية في المدينة المقدسـة فكان لها الـدور الكبير فى الزخم الجماهيري والتحشيد لإستنهاض الهمم وشحـــذها في اليوم الموعود، رغم تضـــيق الخناق من قبـــل المحتلين وجنـــون مخــابراته وهوسهم الأمني ورعبهم من قامات الصمود في العاصمة المحتلة.
في يوم الجمعة 22 / 2 / 2019 إنقض نسور الفتح بصحبة المرجعيات الدينية ومـــن خلفهم جموع المصلين من شيوخ ونساء وأطفال تحت راية واحدة ( علم فلسطين ) حــطموا الأقفال المصطنعة ... وفتحوا الأبواب في مشهد بهيج ضمن هتافات وطنية .. بالروح بالدم نفديك يا أقصى ... وترديد النشيد الوطني (موطني) ... بهذه الروح الــوثابة ووحــــدة الكلمة والصف والرأي نجحت تلك الجموع في ( هبة باب الرحمة ) بإستعادته لحضن الأقصــــى، مشــــــهد الإنتصار وتجلياته رسم صورة زاهية لعرس وطني بإمتياز في أروقة الأقصى والبلدة القديمة إنعكست زهوا وشموخا على الكل الفلسطيني في أماكن تواجده، وفور الإنتهاء من صــــــلاة الجمعة إنبرى الشباب المقدسي يتسابقون بتنظيف المكان وترميمه وفرشــــــه ليكون صـالحا بإقامة الصلوات الخمس فيه، لقد أكدت الجموع إثر هبتها بأن باب الرحمة جزء أصــــيل من القدس والمســـــجد الأقصى ولا يمكن بأي حال من الأحــــوال التخلي عنه فهو مــــلك خالص للمسلمين والفلسطينيين بـــــقرار إلاهي أولا وأمــمي وشعبي أخرا وأن لا علاقة للإحتلال حق التدخل في شؤون الأقصى ومرافقه.
إن ذلك المشهد البهيج يؤكد مرة أخرى بأن المقاومة الشعبية تنتصر مرة تلو الأخرى، وهي من أدوات الكفاح التي رسمتها القيادة الفلسطينية في وقتنا الراهن لدحر الإحتلال وتقـــويض مشروعه الإستعماري الذي إنكسرت شوكته جماهيريا على عتبات باب الرحمة.