نشر بتاريخ: 02/03/2019 ( آخر تحديث: 02/03/2019 الساعة: 11:28 )
الكاتب: فراس ياغي
حالنا وأحوالنا كانت ولا زالت وكما يبدو ستبقى على ما هي بل أسوأ، ليس بسبب نقص في الموارد البشرية، ولا الثروات الطبيعية، ولا حتى الامكانيات الممكنة والقدرات الكامنة، إنما السبب في العقلية الحاكمة بنخب لديها هم البقاء وهم جمع الثروة، ويساعدها مجموعةٌ كبيرة ممن يسمون رجال دين وأحزاب أسلمة سياسية هدفها تغييب العقل وعكسه نحو ماضٍ لم يعد قائما ولن يعود، ويحابيهم مجموعات المصالح من نُخب قبلية وعشائرية ترى في الحفاظ على التخلف والتقاليد أحد أهم الأسباب التي تُبقيهم في الصدارة والأهمية، ومعهم نُخب ثقافية في المجالات المختلفة أهميتهم تكمن في حرف البوصلة عن واقع الانحطاط بكيل الإتهامات للآخر كان فردا أو دولة أو حتى فكر وتحت تصرفهم كم هائل من وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، أما رجال الأعمال فهم الجزء الاساسي من نُخب الحاكمية التي تقود ليس بمفهوم الإنتاجية بل بمفهوم النهب المُمَنهج الشُّرِه عبر نهج الزبائنية والكومبرادورية، وهم ليسوا سوى موظفين لدى الشركات الغربية والإسرائيلية وبإسم رجال أعمال مهمتهم تسهيل النهب وتحويل المجتمعات لمجرد سوق إستهلاكي لبضائعهم.
فلسطينيا لا يمكن الحديث عن ثورة أو مقاومة، بل عن شكل مشوه من نظام سياسي يمتزج بين مفهوم الوطنية المعتدلة المتساوقة مع مفهوم الحاكمية العربية، وبين مفهوم الأسلمة الإخونجية التي تبحث عن قبول لها لدى تلك الحاكمية وبتبريرات وفتاوى دينية كمقدمة لا للشراكة معها وإنما كبديل وزبون محتمل ومقبول جماهيريا للغرب الرأسمالي، الفشل كان من نصيبها بعد فشل مشروع الاخوان المسلمين في مصر ورفض مجمل الحاكمية العربية لها بعد كشف مخططاتها التي إرتبطت في سياسة ونهج "التِقيّه" المتبع لدى كافة فروع الاخوان المتأسلمين، أما مفهوم المقاومه فأصبح طريق للكسب الجماهيري والشعبيه أكثر من كونه نهج متأصل لدى نخبها السياسية.
النظام السياسي الفلسطيني بِشقّيه الوطني والأسلمي وضع الحقوق الوطنية في مهب الريح وحصن نفسه بمفاهيم المصالح وإبتعد عن الواقع الشعبي الفلسطيني في الداخل والشتات وأصبحت قضيته الأساسية هي الحفاظ على الذات كمصالح وإمتيازات أساسها إستمرار الإنقسام وتعميقه ليصبح إنفصال دائم.
للأسف تاريخ ما يسمى بالثورة الفلسطينية المعاصرة وتاريخ الإخوان المسلمين يؤكد أن الشراكة لم تكن يوما جزءا أساسيا من جوهرهما وعقيدتهما، ولا من شكل المؤسسات التي أوجداها، فحتى في الإنتفاضة الأولى كانت حماس ترفض الانضمام للقيادة الموحدة للانتفاضة، واليوم وبعد الانقلاب الحمساوي بقوة السلاح وتجذر الانقسام، أصبح من الضروري البحث عن معادلات وأشكال جديدة لقيام مؤسسة تمثل الجميع ويكون أساسها صندوق الاقتراع ووفق برنامج يتجاوز الحالي ويؤسس لعملية تشبيك مع الجوار العربي بحيث يتم حل معضلة الصراع القائم على أساس الدولة الفدرالية للشرق الأدنى القديم (العراق وبلاد الشام) ليصبح دولة فدرالية علمانية تستوعب الاثنيات والديانات والمذاهب والطوائف ككل ووفق مفهوم المواطنة والحقوق المتساوية لكل المواطنين.
التقسيم والتفتيت سيزيد حدة الصراع وهو في غير مصلحة شعوب المشرق، بل هو وصفه إستعمارية سايكسبيكية لإستمرار نهب الثروات وتجهيل الإنسان ليبقى في مجتمع إستهلاكي يبحث عن الأمن والطعام، فالمسلمين واليهود والمسيحيين جزء من هذا الشعب المتعدد بدياناته وإثنياته ومذاهبه وطوائفه، ومصلحته الحقيقية في التشابك والتعاون والعيش وفقا لنظام وقانون مدني علماني وليس في إقتتال وصراع دموي دائم لم يجلب لهذا الشعب سوى تدمير الذات وتعميق الحقد والكراهيه بين افراده وامتداداته.
فقط وعبر فتح الحدود وتجاوز الذي لا يمكن تجاوزه، بمعنى دفن الماضي والنظر للمستقبل على أساس أن الإنسان هو المقدس الاول وكل ما تبقى ليس سوى فرضيات ونظريات هدفها تدمير الذات الانسانيه لتدمير مفهوم الحاكميه الالهيه المتمثله في العدل والمساواة والتمايز والاختلاف في ظل التوافق والتشبيك في وطن الجميع، فالكل أمام الخالق متساوي يوم الدينونه، والكل أمام القانون متساوي في دولة المواطنه الحقه الأرضيه.