نشر بتاريخ: 07/03/2019 ( آخر تحديث: 07/03/2019 الساعة: 10:36 )
الكاتب: أ.صخر سالم المحاريق
لطالما كان الانسان الفلسطيني وليد التميز والابداع، بأصالته المتجذرة في أعماق التاريخ، ولطالما كانت الحرية لحناً ينشدها، ولغة مشتركة تدين بدين الجميع، يرددها من خلفه الأحرار التواقون لها المتسامحون مع غيرهم، فالتعاطف الانساني كما يقول سفير الحرية للعالم أجمع الراحل مانديلا: "هو ما يربطنا ببعضنا ليس بالشفقة أو بالتسامح فقط، ولكِنا كبشر نتعلم كيفية تحويل المعاناة المشتركة إلى أمل للمستقبل"، فالأمل الفلسطيني كان وما زال عنواناً للحرية ووجهة لحمامتها البيضاء، فهو أنفاس الصبر بين القيد والسجان، وهو عمق الوعي بالذات، والخطاب الثقافي مع غيرها من الذوات، كما أنه "الطارق بلا مطارق" في سكينة ووقار لأبواب الضمائر الانسانية في كل مكان، تاركاً البصمة والأثر الُمشار به إلى فلسطينيته بالبنان، بصمة التميّز والخبرة في المجالات كافة في (السياسة، والاقتصاد، والتعليم، والصحة، ...الخ)، فالهجرة والتشريد القسري لم يمنعاه يوماً من الأيام أن يضيف لذاته ولغيره أملاً آخر في الحياة، فالخليج شاهد، وحوض المتوسط شاهد، وما خلف المحيط شاهد آخر.
منذ تأسيسها ونشأتها وفقاً للمرسوم الرئاسي الحامل للرقم (9) لسنة 2016 ميلادية، والذي كان بُعيدَ حصول دولة فلسطين على صفة "دولة مراقب" غير عضو في الأمم المتحدة، والصادر بقرارٍ من الجمعية العامة فيها، والوكالة الفلسطينية للتعاون الدولي بشخصيتها الاعتبارية، المستمدة من تبعيتها الدبلوماسية لوزارة الخارجية الفلسطينية، وهي تحمل في جعبة أهدافها تلك الرسالةِ الوطنية والإنسانية للعالم أجمع، والتي تبرز فيها الهوية الفلسطينية، من خلال إسهاماتها كجهة رسمية تمثل الدولة الفلسطينية، في تعزيزها للدور الفلسطيني المرموق، والمشهود له حضارياً وإنسانياً على مر العصور، عبر تحقيقها جملة من "الأهداف التنموية العالمية" والتي تستند في ثنايا نشاطاتها ومهامها إلى المرامي الإنمائية للألفية الثالثة، والتي أقرتها الأمم المتحدة ذاتها والمصدرة للقرار، آخذة بعين الاعتبار كممثلة عن الحكومة الفلسطينية وشعبها، تلك المرامي كأهداف خاصة تعبر عن "صورة الانسان الفلسطيني البناء"، وتمثل جسراً للتعاون الإنساني الذي يعبر في اتصاله عن حاجاتٍ وآمالٍ وطموحاتٍ إنسانيةٍ يرنو إليها العالم أجمع، تساهم في صناعة جزءٍ منها "الخبرات الفلسطينية" المتميزة في مجالات عدة، جنباً الى جنب مع المجتمع الدولي، في محاربته لجملة من الظواهر والتي أصبحت ألماً عالمياً (كالتمييز، والفقر والتهميش، والبطالة، والأمراض المستشرية)، في صراع الإنسان من أجل البقاء والعيش بكرامة، صراعٌ مع ظواهر تفتك بالمجتمعات يمنة ويسرة إنسانياً واقتصادياً واجتماعياً.
الوكالة الفلسطينية والتي تعرف باختصار (PICA)، هي خطوة مباركة وفي الاتجاه الصحيح، وهي وليدة رحم وطني بامتياز هو "وزارة الخارجية الفلسطينية"، ذلك الحصن الحصين والدرع المتين، والذي أثبت مراراً بأنه خط دفاعنا الأول عالمياً في ظل ما تشهد "القضية الفلسطينية" من خذلان دولي غير مسبوق تُجْلدُ به الضحية ويترك فيه الجلاد، إن ما تقوم به الوكالة الفلسطينية للتنمية الدولية، من نشاطات ومهمات عالمية ذات طابع فني وتقني ، من خلال تنفذها سلسلة من البرامجِ والأنشطةِ التنمويةِ الهادفة، في مجالات متنوعة تخدم تلك الأهداف والمرامي العالمية سابقة الذكر، والتي تصب في دورها كذراع وأداة فلسطينية دبلوماسية تعزز سياسة "التضامن من خلال التنمية"، فيما تسعى لتقديمه ولو كان القليل مقارنة بالغير، من دعم يتخذُ شكل المساندات والمساعدة الانمائية والإنسانية، بأيدٍ فلسطينية تتحدُ فيها خبرات الوطن بالمهجر، وتحمل في ثناياها المعرفة والخبرة والدعم الفني للدول الشقيقة والصديقة والداعمة للشعب الفلسطيني، والتي لم يكن آخرها التعاون الطبي في جمهورية روندا، كذلك ما ساهمت به الوكالة الفلسطينية في دولة فينزويلا عبر أيدٍ فلسطينية خبيرة من نقابة المهندسين الفلسطينيين، في برنامجها للتنمية الزراعية بشقيها هنالك، كذلك ما قدمته من عمليات إنقاذ ومساعدات إغاثية مختلفة في دولة دومينيكا في الكارثة الانسانية التي حلت بالبلاد هناك عام 2017، عبر طواقم صحية وفنية، مثلنا فيها الهلال الأحمر والدفاع المدني الفلسطينيين.
وخلاصة القول ما قد جرى ولا زال باقياً بقاء الدهر على لسان رمز الحرية الشهيد ياسر عرفات وهو أول من أسس نواة على غرار هذا الصرح الوطني الأشم، والمتمثل في الوكالة الفلسطينية موضوع حديثنا هذا، كان ذلك في بدايات تأسيس منظمة التحرير ومؤسساتها حينما أردف قائلاً: "إن عظمة هذه الثورة ليست بندقية، فلو كانت بندقية لكانت قاطعة طريق ... ولكنها نبض شاعر، وريشة فنان، وقلم كاتب، ومقبضة جراح، وإبرة فتاة"، وختم يوماً قوله في ذات المرات "هذا الشعب شعب الجبارين .. يدافع عن الأحرار والشرفاء في هذا العالم"، إن ما قامت به وتقوم الوكالة الفلسطينية من قيادة للعقول الفلسطينية في نظرتها واستبصارها لما هو خارج إطار الصندوق الفلسطيني، في سعيها لإثبات الوجود الفلسطيني بصورته المشرقة والبناءة ودوره تجاه قضايا العالم الملحة والضرورية، من خلال تعزيزها لدور الشعب الفلسطيني في فلسطين وخارجها، عبر مهمات ونشاطات تشارك فيها الجاليات الفلسطينية، وتعزز فيها قيمة وجودها في نقلها لتلك الصورة المشرقة، المعبرة في ريشتها عن ذلك "الانسان والشعب"، والذي عانا الاضطهاد والعنصرية، تحت براثن أطول احتلال شهده التاريخ الألفي الحديث، فالهامات والمنجزات الفلسطينية كثيرة ومؤثرة وطنياً وإقليماً وعالمياً، وهي سمة للتميز والعطاء الفلسطيني اللامحدود والذي لا تقف أمامه الحدود، فالبصمات كثيره وشهودها أكثر فما زالت قصائد درويش وحياً ملهماً للشعراء على اختلاف ألسنتهم، وما زالت إسهامات الأخوة والثنائي الفيزيائي الفلسطينيين نايفة "قوانين" يبرهن العلماء يومياً مصداقيتها ... إن بصمات هذا الشعب بشخوصه ومؤسساته باقية ما بقي التين والزيتون.