الخميس: 06/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

الثقافي ومهمة إزالة القيود من يدي وقدمي السياسي

نشر بتاريخ: 28/03/2019 ( آخر تحديث: 28/03/2019 الساعة: 22:20 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

بات معلوماً للقاصي والداني، أن القضية الفلسطينية تمر الآن بأصعب وأدق المراحل، نظراً لتفاقم التحديات، حتى إن مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة تحيط به المخاطر من كل حدب وصوب، لدرجة تراجع مقوماتها إلى أبعد الحدود، فقطاع غزة يأخذ مساراً مختلفاً وتتشكل له ظروف وعلاقات خارجية وتحالفات ومصالح عربية ودولية، بموازاة أنشطة وتوجهات السلطة في الضفة، فيما أن سلخ القطاع عن الضفة أصبح استراتيجية اسرائيلية- أمريكية تغذيها وتدعمها سياسات بعض الأطراف العربية والدولية، وأن ما يجري على أرض الضفة من استيطان وفرض وقائع وتجسيدات، يهدف إلى منع التواصل الجغرافي، على طريق جعل الحديث عن دولة مستقلة صعباً وشديد التعقيد، وإذا ما أضفنا إلى ذلك سياسة الخنق الاقتصادي والتقويض التدريجي الإسرائيلي الأمريكي لمؤسسات السلطة، على اعتبار أنها تشكلت لتكون نواة للدولة، حيث يدعم هذا المخطط تهافت بعض الدول العربية والإسلامية على إقامة علاقات مع إسرائيل، بمعزل عن إيجاد حل للقضية الفلسطينية، في تغليب للمصالح والحسابات الخاصة من جهة، و مسايرة ومداراة، إدارة ترامب من جهة أخرى، لكي تضمن أنظمة معينة استمرارها، بخاصة وأن ترامب لا خطوط حمر تضبط توجهاته، فهو ينطلق من سياسة استعلائية واستلابية تعتمد الضغط والإكراه والتلويح بعصا العقوبات والإقصاء وإشعال نيران الأزمات الداخلية.
تحاول السلطة الفلسطينية، أن تواجه هذه التحديات، بعدم التسليم للضغوط الأمريكية- الإسرائيلية، وبالاستناد إلى التباين بين المواقف الأمريكية والأوروبية بشأن القضية الفلسطينية، والاستناد أيضاً إلى عدد من الحلفاء، لكن ذلك بحاجة إلى جهد أكبر وتحرك أوسع وسياسات أعمق.
واعتماداً على هذا التشخيص السريع والمقتضب للسياسي، نستنتج أن الوضع يلفه سوداوية ومستقبل غامض بالمنظورين القريب والمتوسط، بيد أن السياسي المأزوم، بحاجة إلى إغاثة ثقافية وفكرية أولاً تقدم قراءة أدق للمرحلة وما بعدها. وثانياً أن يعمل الثقافي على لملمة شظايا السياسي وضخ مزيد من الطاقة فيه، ومده بدفقات معنوية، تشد من أزره وترفع من سقفه، كما فعلت المجموعات الثقافية والإبداعية الفلسطينية بعد النكبة ومروراً بانطلاق الثورة وما بعد ذلك خصوصاً في الأزمات والمنعطفات الخطرة.
وفي اعتقادي أن السياسي اليوم يحتاج أكثر من أي وقت مضى للثقافي، لأنه وحده يملك إمكانيات الشحذ والحفاظ على الحلم وتوحيد الرؤى والتغلب على التشرذم الجغرافي، وحده الثقافي وعمود فقره الإبداعي، قادر على تضميد الجراح وامتصاص الارتدادات وترميم عظم الانكسارات السياسية كما فعل مثقفو مصر بعد هزيمة العام 1967، وكما فعل مثقفو ومبدعو الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية، عندما دمر النازيون مدناً واستباحوا مساحات واسعة من البلاد السوفيتية وقوضوا اقتصاداً تبدد في الانفاق على المعدات العسكرية.
السياسي يعيش الآن أسوأ الظروف والأحوال، والثقافي في إطار العلاقة الجدلية مع السياسي يتأثر سلباً كلما تعمقت أزمة السياسي، لكنه في المقابل متحرر نسبياً من قيود الأزمات الخانقة، لسبب رئيس، أن السياسي محكوم بحسابات وتكتيكات آنية مرتبطة بأحداث وتطورات وموازين قوى، بينما الثقافي- والإبداعي لا تحكمه أية موازين قوى لأن فضاءه الحلم الذي هو خارج نطاق السقوف، حيث لا يستطيع ترامب أن يدمر قصيدة أو يشطب لوحة تشكيلية أو أن يفرض على فرقه مسرحية نصاً من صنع إملاءاته.
يستطيع الثقافي – والإبداعي في مرحلة مأزومة سياسياً حد الاختناق، أن يكون رئة السياسي التي تمده بالأكسجين لكي يستمر واقفاً على أرضه حتى يتسنى له عبور الأزمات، كون الثقافي الملتحم مع استراتيجيته، يؤمن أن الأزمات المرحلية وإن اشتدت أو تفاقمت لا يمكن لها أن تكسر دواليب الدفع الأمامي لحركة التاريخ.
وعليه حان وقت أن يتحرر الثقافي والإبداعي من التبعية السلبية للسياسي أو التذيل له، وأن يضطلع بمهمات طرح المبادرات واستقراء الآتي، ومغادرة المواقف الانتظارية، ليكون للثقافي والإبداعي الثقل في هذه المرحلة. صحيح أننا كنا وما زلنا نطالب بتفعيل العلاقة الجدلية بين الجانبين، إلا أن المطلوب حاليا وبشكل محدد قوة فعل للثقافي ضمن جدلية العلاقة، لعل السياسي يتعافى وينهض من جديد متغلباً على المؤامرات وعمليات استهداف مكانته ودوره.