نشر بتاريخ: 07/04/2019 ( آخر تحديث: 07/04/2019 الساعة: 10:22 )
الكاتب: عوني المشني
هي أصوات اكثر من كونها همس، تساؤلات اكثر من كونها اجابات، مراجعة نقدية اكثر من كونها ادانة، ولكنها تستحق التوقف والنقاش، وهي في اغلبها صادقة ومخلصة من حيث الهدف وهو تصحيح المسار الكفاحي الفلسطيني وان كان بعضها لا يخلوا من اهداف اخرى، الموضوع له حساسية بالغة، وهو في صلب الحياة الفلسطينية، لا يمكن تجاوزه دونما وقفة جادة ومسؤولة، الموضوع هو جدوى المقاومة الفلسطينية المسلحة !!! مراجعات تاريخية وبالأرقام واحيانا بالتفاصيل لمعارك واحداث دفع فيها شعبنا أثمان باهظة من دمه ومعاناة مؤلمة ولم يقبض نتائج وطنية تعادل هذه الأثمان بل واحيانا كثيرة كانت النتيجة تراجعات وفشل ، هذا يدفع للتساؤل أين اخطأنا ؟؟!!! ربما ان مثل تلك الأثمان العزيزة هي الثمن الطبيعي لحرب شعب ضد محتليه وهكذا لم تكن الحالة الفلسطينية فيها استثناء الا ان الأثمان هذه لم تعكس نتائج سياسية وهذا استثناء كافي لتبرير النقاش حول الموضوع.
وتاتي تلك الأصوات والاراء في سياق التقييم لتجربتنا الفلسطينية وفِي مرحلة تتصف بالتراجع والفشل، تأتي من باب مراجعة الماضي من اجل بناء استراتيجية مستقبلية لشعبنا، وحتى نقرأ تلك الاستنتاجات والاراء قراءة صحيحة لا بد من التوقف عند اكثر من ملاحظة أساسية ومهمة.
بداية لا يقرأ التاريخ باقتطاعه من السياق الزماني والمكاني فقراءة المقاومة المسلحة كيف جاءت ولماذا جاءت هي قراءة في سياق تاريخي للمشروع الاستيطاني الصهيوني والحالة العربية المرافقة والتحالفات العربية والدولية وامكانيات الشعب الفلسطيني وقواه الفاعلة مثل هذه القراءة هي التي تستطيع الاجابة على التساؤل: هل كان خيار المقاومة المسلحة ضرورة ام انه تعبير عن خطأ في قراءة الوضع؟؟!!!، موضوع اخر ذو صلة، عدم تحقيق نتائج إيجابية عبر استخدام اسلوب محدد لا يعني بالضرورة ان هذا الاسلوب خاطئ من حيث المبدأ، هناك عوامل موضوعية مختلفة تحكم النتائج اضافة للأسلوب، موازين القوى، الادارة، الظروف المحيطة .... الخ وهنا يفترض المقارنة بين حجم الخسائر وثقلها من استخدام اُسلوب الكفاح المسلح وبين حجم الخسائر السياسية من عدم استخدامه والركون لأساليب اخرى !!!!! .
ومن قبيل أمانة البحث يفترض نقاش الموضوع بفصل منهجي بين احترام الضحايا وهم الشهداء والجرحى والشهداء والذين دفعوا من دمهم وحياتهم من اجل وطنهم وبين نقاش اُسلوب الكفاح الذي ادى لاستشهادهم او جرحهم او اسرهم، لا علاقة بين الامرين لدى البحث، هؤلاء هم أيقونات الوطن ومنارات على طريق حريته وتحرره وهم الاصدق والأنبل والأعظم، اما الاسلوب فهي سياق سياسي قابل للنقاش، قابل للتصحيح، قابل للتأكيد او الإضافة او الالغاء وفق قواعد العمل السياسي في البحث عن الافضل.
ولا تنتهي الملاحظات المقدمة للنقاش عند هذا الحد فتجريد المادة الدراسية من الهالة المقدسة التي صنعت حولها مسألة ضرورية لغايات الدراسة ، فكما نعلم جميعا تم إحاطة الكفاح المسلح بقداسة تضاهي او وبما تزيد عن قداسة الهدف الذي هو التحرير، وأصبح الكفاح المسلح عنوان للوطنية بل هو الرصيد النضالي لشخصيات وقوى سياسية تعتاش عليه، وأصبحت مصالح تلك الشخصيات والقوى قائمة على استمرار هذه الهالة المقدسة وديمومة تأثيرها لتستمر تلك القوى والشخصيات في تبرير تبوأها المراكز القيادية في الحالة الفلسطينية، لهذا وامام الدراسة والبحث فان الكفاح المسلح وبدون هذه القدسية يصبح امرا سياسيا قابل للنقاش والنقد والمراجعة وفق الملاحظات السابقة ولا يتمتع بحصانة تمنع إخضاعه للنقاش وهذا لا يعفي الدارسين والباحثين من الإبقاء على الاحترام لمادة الدراسة بما يقتضيه البحث العلمي المحايد والمسؤول.
اما وأننا أصبحنا امام الموضوع مباشرة فان المدخل الحقيقي للموضوع يقول بان القاعدة العامة تقول بان الشعب ، اي شعب ، يتعرض لاستعمار بالقوة العسكرية فان ردة الفعل الطبيعية والغريزية هي المقاومة المسلحة، اما المقاومة السلمية فهي الاستثناء كما حصل في الهند مثلا. بمعنى ان القانون الطبيعي ردا على الاستعمار هو المقاومة المسلحة، لذلك فان من يدعي ان مقاومة الشعب الفلسطيني كانت قرار خاطئا ان يعرف ان المقاومة المسلحة لم تكن قرار فحسب بل هي استجابة طبيعية لفعل وقع ضد شعبنا. من جانب اخر فان مقاومة الشعوب لمحتليها لا تؤخذ وفق موازين القوى، فميزان القوى التقليدي كان دوما وسيبقى لصالح القوة التي تقدم على الاحتلال، ومع ذلك تقاتل الشعوب التي تخضع للاستعمار وتنتصر، هناك حسابات اخرى غير ميزان القوى التقليدي تحكم الصراع بين الشعوب ومستعمريها، كلفة استمرار الاحتلال، الاستنزاف، المعادلة الدولية... الخ.
وفِي المقدمات ايضا فان المقاومة المسلحة وان لم تحرر شعب فانها فانها ساهمت في تصليب وتعزيز المناعة الوطنية بوجه محتليه، هذه المناعة التي منعت التماهي مع الاحتلال والتكيف معه ليصبح امرا طبيعيا، ربما هناك من يقول ان ذلك يمكن بتعزيز المفاهيم الوطنية وتعميق الوعي الوطني ولكن هناك فئة دائما لا يمكن تلتقي مصالحها الضيقة مع الاستعمار وكانت على الدوام موجودة وفِي كل الحالات الاستعمارية في العالم وفقط كانت تعزل وتنكفئ بارتفاع منسوب الكفاح الوطني ولا ينفع مع تلك الفئة القناعات ولا الوعي ما دام تضعف امام مصالحها الذاتية الضيقة . ونلاحظ هذه الايام في ظل تراجع منسوب الكفاح الوطني فان ازدياد منسوب التكيف مع الواقع ليتحول عند البعض معطى سياسي والا ما معنى سلطة الحكم الاداري الذاتي والتنسيق الأمني والتسيب في نقل ملكية الاراضي للاسرائيليين وبالتحديد في القدس ؟؟!!!!
نحن امام اشكالية من نوع خاص ، لم يستطيع الكفاح المسلح فلسطينيا ان يحرر ارض ولكن التخلي عنه يعزز وضع الاحتلال ويطلق يديه في الاستيطان والتهويد، ومن ينظر الى الواقع الذي اصبح فيه سكان القرى الفلسطينية مهددون من عصابات المستوطنين ويقارن ذلك بالوضع الذي كان اثناء ذروة الكفاح المسلح يدرك اهمية وجود قدرة فلسطينية على الردع وان كانت محدودة. كلفة الكفاح المسلح باهظة الثمن فلسطينيا وكلفة التخلي عنه باهظة الثمن سياسيا، كان يشكل رد الفعل الطبيعي الغريزي ولكن ادارته كانت تعتريها اشكاليات ادت الى اخذه مسارا مغايرا لما يفترض ان يكون، نحن امام حالة كهذه، وفِي العمق لدى البحث هناك ما هو اكثر تعقيدا ، وأخذ كل تلك التعقيدات امرا موجبا لدى التقييم.
في نهاية المقالة، بداية البحث الجدي في هذا الموضوع المهم، فان اطلاق الاحكام النمطية والجاهزة لا يخدم الموضوع ولا يحقق الهدف من البحث وهو صياغة استراتيجية كفاحية وطنية، وكل شيء مباح في البحث باستثناء عكس حالة التراجع الفلسطينية الحالية على منهجية البحث وبالتالي تصبح نتائج الدراسة تعبير عن لحظة مهزومة نعيشها وليس عن سياق موضوعي للأحداث والتطورات.