الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

السلامة والصحة المهنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة

نشر بتاريخ: 25/04/2019 ( آخر تحديث: 25/04/2019 الساعة: 21:20 )

الكاتب: منير قليبو


إن صحة وسلامة وحماية العمال من الأمراض والإصابات المتصلة بالعمل تعد جزءا من الولاية التاريخية لمنظمة العمل الدولية حيث أن المنظمة مسئولة عن المساهمة في اعداد معايير العمل الدولية (الاتفاقيات والتوصيات الدولية) المتعلقة بالسلامة والصحة المهنية والاشراف عليها. وهذا الوضع الفريد يعطي منظمة العمل الدولية ميزة في إدماج المعرفة "بالعالم الحقيقي" بشأن العمالة والعمل وما يتعلق بسلامتهم وصحتهم في عالم الاعمال.

إن منظمة العمل الدولية التابعة لمنظومة الامم المتحدة بتشكيلتها "الثلاثية" تجمع بين ممثلي الحكومات وأصحاب العمل والعمال لتشكيل السياسات والبرامج الرامية الى تحقيق العدالة الاجتماعية و تحسين ظروف العمل ومستوى من العيش الكريم للجميع، نساءا ورجالا دونما تمييز . ومن أجل ذلك، مُنحت منظمة العمل الدولية جائزة نوبل للسلام في عام 1969م.

توفر معايير منظمة العمل الدولية أدوات أساسية للحكومات وأرباب العمل والعمال لوضع ممارسات آمنة لتوفير أقصى قدر من السلامة في العمل، وفي عام 2003م، اعتمدت منظمة العمل الدولية استراتيجية عالمية لتحسين السلامة والصحة المهنية مبنية على تطوير ثقافة وقائية للسلامة والصحة المهنية بالدرجة الاولى .

ويقدر مجموع الوفيات المرتبطة بالعمل بـ 2.78 مليون ضحية سنويا، منها 2.4 مليون حالة (86.3% من مجموع حالات الوفاة) بسبب الأمراض المهنية و البقية (13.7%) بسبب حوادث العمل الامر مما يؤدي إلى خسائر بشرية واقتصادية كبيرة للعمال وأسرهم ، ولارباب العمل وكذلك للمجتمع. كما أن ظروف العمل السيئة تعيق الإنتاجية وتؤثر على نوعية الخدمات او السلع ومنظمة العمل الدولية ترفض وباصرار أن تكون الحوادث والأمراض المهنية متماشية مع العمل.

إن حماية العمال ضد اي مرض من الأمراض المهنية وإإصابات العمل هي مهمة اساسية للمؤسسة التي تستخدم العمال ، والملاحظ ان جيل الشباب بالاخص هم اكثر عرضة لحوادث ومخاطر العمل والامراض المهنية من غيرهم من الاعمار الأخرى لأنهم يسعون لتطوير مهاراتهم ولا يتمتعون بشكل عام بالنضج لفهم المخاطر والأخطار المتصلة بالعمل مقارنة مع العمال البالغين. وهم ايضا أقل خبرة وأكثر عرضة للاستغلال وأكثر عرضة للأذى. وفقا لأحدث الاحصائات العالمية ، التي وردت في المؤتمر العالمي للسلامة والصحة المهنية الذي عُقد في سنغافورة في العام 2017، يقدر أن هناك أكثر من 7500 حالة وفاة في القوى العاملة في اليوم الواحد (1000 حالة منها بسبب حوادث العمل و 6500 بسبب الأمراض المهنية ) وأن عدد الحوادث المميتة سنويا يتجاوز 380,500 مع أكثر من 374 مليون حادث غير قاتل من حوادث العمل ويحتل السرطان المهني 26% من الوفيات المرتبطة بالعمل سنوياً – بينما تشكل أمراض القلب والأوعية الدموية نسبة 31% من الوفيات المرتبطة بالعمل ، وأمراض الجهاز التنفسي تمثل 17% والأمراض المعدية 9% ، وإصابات العمل 13.7% من الوفيات المرتبطة بالعمل بتكلفة اجمالية تصل الى حوالي 3.94% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي سنويا.

وضع السلامة والصحة المهنية في فلسطين

تحدد سياسة السلامة والصحة المهنية في فلسطين من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية والتي تحدد التوجهات العامة للدولة وتساعد في تشكيل بيئة عمل امنة اساسها تقدير وحماية صحة وسلامة الإنسان فضلا عن الحفاظ على موارد و ثروات الأمة. وتتماشى سياسة السلامة والصحة المهنية في فلسطين مع أحكام قانون العمل الفلسطيني (رقم 7 لعام 2000) كما وتتفق مع استراتيجية الحكومة المتعلقة بسوق العمل . وزارة العمل هي الجهة المخولة بإعداد ومتابعة ومراقبة تنفيذ قانون العمل وتشريعاته بما فيه ملف السلامة والصحة المهنية وبيئة العمل.

لقد وفرت منظمة العمل الدولية الدعم التقني لوزارة العمل وشركائها الاجتماعيين ( العمال وأصحاب العمل) منذ عام 1995 في مجال السلامة والصحة المهنية تحديدا ، حيث ساهمت المنظمة وبالتعاون مع الشركاء الثلاثة بإنشاء اللجنة الوطنية للسلامة والصحة المهنية في فلسطين والتي يتراسها وزير العمل الفلسطيني لتكون هي الاداة المعنية بخلق حوار اجتماعي ثلاثي واكثر من ثلاثي (Tripartite plus) كمرجع لملف السلامة والصحة المهنية على المستوى الوطني ، بما يشمل المساهمة في التشريع واعداد السياسات العامة وخطة العمل فضلا عن مناقشة الممارسات ذات الصلة والإجراءات وتحليل الحالة الراهنة للصحة والسلامة المهنية والانجازات وتبيين الثغرات ومواطن الضعف القائمة واجراء المقارنة بالمعايير الدولية والممارسات الجيدة ذات الصلة.

وفي عام 2015م، تم تبنت فلسطين برنامج وطني للسلامة والصحة المهنية وفقا لاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 187 بشأن الإطار الترويجي للسلامة والصحة المهنية . ويهدف هذا البرنامج إلى تقديم الدعم الكلي لملف السلامة والصحة المهنية تماشيا مع معايير العمل الدولية و الوقاية من حوادث العمل والإصابات والأمراض المتعلقة بالمهنة . حاليا, نعمل بشكل وثيق مع وزارة العمل على تعزيز قدرة الإدارة العامة للتفتيش وحماية العمل، بما فيها إدارة السلامة والصحة المهنية وتحسين ممارسات المفتشين وإجراءات التفتيش الحديثة وفقا للمعايير الدولية بما يشمل مراجعة التشريعات ذات الصلة وتوفير مجموعة من الدورات التدريبية حول السلامة والصحة المهنية للجان ومشرفي لبسلامة والصحة المهنية على مستوى المؤسسات وقامت وزارة العمل بتحديث استماراتها ونماذجها المتعلقة بتفتيش العمل والسلامة والصحة المهنية والتي تعد الأداة الرئيسية لتفتيش العمل. كما وتدعم المنظمة حاليا موضوع حوسبة تفتيش العمل والسلامة والصحة المهنية وتم إصدار دليل يحدد الأولويات في مجال السلامة والصحة المهنية في غزة من قبل الإدارة العامة للتفتيش وحماية العمل فيها بالإضافة لاصدار دليل وطني للتدريب في مجال السلامة والصحة المهنية العمل جار على تقديم المزيد من الدعم في هذا المجال لوزارة العمل و اللجنة الوطنية للسلامة والصحة المهنية والمركز الوطني للسلامة وللشركاء الاجتماعيين ،وبهذا الخصوص نوصي بما يلي:


1- تطوير واعتماد استراتيجية وطنية لتفتيش العمل والسلامة والصحة المهنية في فلسطين للسنوات الخمس القادمة وتنفيذها بالتنسيق والتشاور مع الشركاء الاجتماعيين.

2- التركيز على القطاعات غير المنظمة والمهمشة فيما يتعلق بظروف العمل.

3- وضع سياسات وطنية لمكافحة عمل الأطفال تعتمد نظاما فعالا لإحالة

4- تشجيع العمل المشترك من أجل بناء وتعزيز تشريعات السلامة والصحة المهنيتين وبناء ثقافة الامتثال.

5- مواصلة العمل على تنفيذ العمل اللائق والأنشطة المنصوص عليها في وثيقة برنامج العمل اللائق في فلسطين للاعوام 2018م - 2022م ، وخاصة إنشاء قواعد بيانات عن إصابات العمل وتطوير التشريعات ووضع دليل للتفتيش على العمل في فلسطين وإعداد مناهج تدريبية وفقا للقانون بموجب مرسوم ولوائحه المتعلقة بمشرفي السلامة المهنية في المرافق.

وهناك الكثير من التحديات الرئيسية بهذا الخصوص، منها:

1- نقص الوعي العام بأهمية السلامة والصحة المهنية وعدم وعي أرباب العمل والعمال بأهمية السلامة والصحة المهنية وحجم مشاكلهم والخسائر البشرية والمادية الفادحة الناجمة عن عدم الامتثال لتعليمات السلامة والصحة المهنية.

2- عدم استقرار الوضع الاقتصادي الذي يزيد من الدوران في العمل وانتقال العمال من مهنة إلى أخرى ، مما يؤدي إلى زيادة الإصابات والحوادث لعدم ممارسة مهنة مستقرة

3- تعدد الجهات التي تشرف على السلامة والصحة المهنيتين وتتحمل مسؤولية نشر الوعي وتطبيق التشريعات ذات العلاقة و

4- الافتقار إلى التنسيق والتعاون بين الوزارات ومختلف المؤسسات في مسائل السلامة والصحة المهنية.

5- الافتقار إلى كوادر متخصصة في السلامة والصحة المهنية وإلى إحصاءات دقيقة تبين الأرقام الحقيقية لإصابات العمل والأمراض المهنية.

6- عدم وجود آليات لضبط ومتابعة أوضاع العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر وفي المستوطنات الإسرائيلية.

ونحن في منظمة العمل الدولية سوف نعمل بشكل متواصل مع وزارة العمل ونقدم الدعم الفني اللازم لشركانا الاجتماعيين لمواجهة هذه التحديات والتغلب عليها وصولاً إلى تحقيق أهدافنا المشتركة في توفير بيئة عمل صحية وآمنة وتحقيق العمل اللائق للعاملين في كافة قطاعات وأماكن العمل في فلسطين الغالية، بما فيها قطاع غزة.

(*) منير قليبو: مدير مكتب منظمة العمل الدولية في الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة.

(*) المقال: هو جزء من ورقة "منير قليبو" المقدمة المؤتمر الوطني الرابع للصحة والسلامة المهنية في فلسطين، الذي عقد بتاريخ 24 نيسان 2019م بمناسبة احتفاء الإنسانية باليوم العالمي للصحة والسلامة المهنية، الواقع في الثامن والعشرين من شهر نيسان من كل عام.