الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

توظيف المعلومات والخبرات لدى الطلبة

نشر بتاريخ: 27/04/2019 ( آخر تحديث: 27/04/2019 الساعة: 18:32 )

الكاتب: تحسين يقين

أحسب أنني أفيد من نظرية الإهمال والاستخدام في البيولوجيا حين أزعم أن مشروع حياة الإنسان هو استخدام تلك الحياة وتعبئة فراغاتها المحتملة.
ولما كنا بإزاء الفكر الإنساني، فإننا لا نأتي بجديد حين نقول إن المهمة الأساسية للإنسان هي استخدام مصادر الحياة، والإفادة من النعم التي وهبها الله عز وجل له، وفي مقدمة تلك المصادر: مصادر المعلومات.
من هذا المنطلق فإن من الأهمية بمكان الارتقاء بإعداد المعلومات وأسلوب تقويمها، عن طريق إشاعة استخدام المعرفة المقدمة بواسطة الكتاب المدرسي والمعلم وخبرات المجتمع ومعلومات الدارس نفسه.
ولا أبالغ إذا قلت إن مهمتنا الأخلاقية هي في تربية الطفل باتجاه خلق التفكير، فإذا فعلنا ذلك نكون قد حاولنا تمكين الطفل من استخدام معلوماته؛ فلا بد من الربط بين بناء النص التعلمي وبين أسلوب التقويم؛ فالطريقة التقليدية التي تربط النص بالأهداف، تعتمد الأسئلة المنسجمة معها، مراعية تحقيق تلك الأهداف. فإذا وضع النص لإكساب الطلبة صفة التنبؤ أو التصنيف فإن عملية التقويم تنسجم مع هدف هذا النص، وأوجه قصور الأسلوب التقليدي هي:
اعتماد النص الحرفي والاستظهار.
عدم قدرة الأسئلة التقويمية على إكساب الطلبة ملكة الربط بين جزيئيات النص وعناصره المعرفية مما يعني عدم القدرة على حل المشاكل الحياتية التي تواجه المتعلم.
التوجه نحو تعليم مهارات بدون ممارسة للتفكير.
إن ملاحظات التربويين المحدثين حول نصوص المناهج وتأكيدهم على أهمية اعتماد أسلوب الاستقصاء والتعلم النشط والتحليلي، تنسجم مع ملاحظاتهم حول التقويم، بمعنى أن هناك ضرورة لمراعاة الانسجام بين النص التعليمي الاستقصائي وعملية التقويم ذات التوجه الاستقصائي.
إن واجب معد النصوص التعليمية يتمثل في دفع الطلبة إلى التفكير العلمي، فإذا اطمأن على أنهم يحسنون عملية التفكير، ننتقل من مرحلة التلقي إلى عملية المشاركة الإيجابية الفاعلة، باتجاه التفكير النقدي.
إن أهم عمليات التعلم، وبالتالي عملية التقويم تكمن في:
قدرة المعلم – الطالب في بناء خارطة للمفاهيم بحيث تربط في نسق بنائي، فإذا استطعنا تكوين البنائية استطاع الطالب أن يربط بين الجزيئيات (المفاهيم) وبالتالي خلق العلاقة بين عناصر المعرفة.
فإذا كانت المفاهيم غير منظمة في بناء معين، أو نظام معرفي مرتب فإن عملية التعلم وبالتالي فإن عملية التقويم سيشوبها الخلل.
إن العملية البنائية تتفق مع عمليات تصنيف المعلومات والمقارنة بينها، لذلك ثمة حاجة لمراعاة ذلك في التقويم، حيث بالإمكان استخدام الحوار بين طالبين حول ظاهرتين أو أي شيئين، يستطيع الطلبة المقارنة بين الطرفين، وبالتالي التمييز بين نظامين من البناء.
في هذا الإطار التعلمي، تساعد خارطة البناء المعرفي التي تضم العناصر المعلوماتية والخبرات السابقة للمعلم في تفسير ما يجد من جديد، أو فهمه على الأقل اعتماداً على المعلومات السابقة حول الموضوع.
أسلوب المعالجة
استدعت تطورات العلم والحضارة والمعرفة وجود نظام أسلوبي واكب هذه التطورات، وهذا الأسلوب لا يقتصر على أسلوب العيش والحياة فقط، بل يمتد إلى أسلوب التعامل مع المعرفة تعليماً وإعلاماً وتوثيقاً؛ فكلما تطورت المعرفة وتحدثت وتعصرنت تطور بالمقابل أسلوب عرضها ومعالجتها. (ويمكن لباحث أن يقيم دراسة على مرحلة معينة أو أكثر يتابع فيها العلاقة بين تطور مضمون المعرفة وبين وسائطها والتعامل معها) أنظر ما يسمى Data Processing في حوسبة المعلومات منذ القدم.
لذلك ينبغي التركيز ليس على المعلومات المحدثة، بقدر التركيز على أسلوب معالجة المعلومات، ذلك أننا في الوقت الذي نود تعليم الطفل، فإننا في الوقت نفسه نقصد إكسابه ملكة فهم المنهاج الفكري لنخرجه متعلماً مفكراً.
حين نعمد إلى تقويم الدروس التعلمية، فإن مقصدنا هو الاطمئنان إلى هضم الطلبة لتلك الدروس؛ ففي الوقت الذي نعترف فيه باستمرار نجاح الأسلوب التقليدي في تذكر المعلومات والتمكن منها، إلا إننا نميل إلى استخدام أسلوب الورشة التعلمية الإبداعية عن طريق تطوير نظم التقويم لمواكبة تطور المعلومات.
في التقويم الذي أطمح إليه، يحسن بنا عرض المادة الدراسية بشكل بنائي عام بجزئيات، بمعنى ضرورة فهم الإطار العام للمبحث والفصل والدرس الواحد، حتى يربط المتعلم أجزاء الدرس والتأكد من عدم تشتتها في ذهنه. وحين نصل التقويم فإننا معنيون بأثر فهم المتعلم على شخصيته العلمية، وأهم ملامح الشخصية العلمية هي إدراك التراكم الواعي للمعرفة واستخدامها.
الاستخدام يعني:
1. حل مسائل لها علاقة بالدرس الواحد.
2. التعامل مع قضايا لها علاقة بالفصول السابقة.
3. التعامل مع قضايا لها علاقة بالمبحث الواحد.
4. إمكانية التعامل مع قضايا مرتبطة بمباحث أخرى.
5. استخدام الخبرات في التعامل مع سياقات اجتماعية حياتية.
6. إمكانية إضافة اللبنات المفهومية الجديدة للبناء الفكري العام للمتعلم.
وهذا يعني أن الاستخدام يأتي على:
مرحلة قصيرة المدى (معلومات جديدة) بند (1).
مرحلة متوسطة المدى (الاستخدام الأولى) بند (2) (3).
مرحلة بعيدة المدى (استراتيجية فكرية) بند (4)، (5)، (6).
إننا لا نستطيع أن نترك هذه العملية لذكاء الطلبة، لأن النتيجة بقاء الوضع القائم الذي يفرز نخبة صفية قليلة العدد، تبدأ بالتناقص كلما انتقل الطلبة للصفوف التالية.
نزعم أن هناك أهمية لذكر المعلومات سمعياً، وبصرياً، وكتابياً لإكسابها لتصبح مألوفة عند الطلبة، لكننا نود أن تترسخ عن طريق ربطها بالبناء الفكري حتى لا يحفظها وينساها، حيث تصبح مجالا للبناء العمودي عليها.
لذلك، فإنه من خلال التعلم الذاتي، يستطيع المتعلم أن يتمكن من الدرس إذا خلقنا ما يسمى بحراك المعلومات. ومن خلال خبرتي كمعلم وجدت أن أحسن طرق حفظ المعلومات تأتي عن طريق معالجة الطلبة للمعلومات. وسوف تصبح العملية "الحفظية" أسهل في حالة التعامل مع تلك المعلومات حيث تصبح مألوفة عنده، والألفة تأتي عن طريق المعاملة معلوماتياً واجتماعياً من خلال ربط المعلومة بسياق حياة المتعلم.
إن استخدام المعلومات يؤدي إلى حفظها، وترسيخها في الذهن، ومن ثم تحدث القابلية للبناء التراكمي للمعرفة.
دافعية الطلبة
إن استخدام المعلومات يزيد شخصية المتعلم قوة فكرية واجتماعية ونفسية، وهو سيدرك خلال الممارسة أهمية عنصر المعلومات في الاستخدام، لذلك نحن ندفعه دفعاً رقيقاً نحو فهم المعلومات والربط والبحث عن معلومات (مواد خام) قابلة للتصنع الفكري. لذلك سيصبح اتصال المتعلم بالمعلومات في الدروس اتصالاً فاعلاً، خصوصاً عندما يكون المتعلم يملك القدرة على هضم المعلومات الجديدة وقادراً على تفسيرها ووضعها ضمن بنائيته الفكرية من خلال معلوماته السابقة.
إن البنائية الفكرية، والإطار العالم للمعرفة لكل درس، مبحث، صف … يدفع الطالب إلى ملء الفراغات وتقدير التفاصيل "الجزئيات"، والإلحاح عليها. إن الإطار العام والتفاصيل الصغيرة تخلق ذهنية استراتيجية فاعلة تخلو من الفجوات. وهو تفكير يدفع المتعلم نحو القيادة والفاعلية، وعندها يعرف على أية أرض يقف، كما تجعله مدركاً للثغرات والحاجات المعلوماتية التي تساعده في تقوية دعامات خارطته الذهنية. فإذا نبع هذا الشعور من داخل نفس المتعلم نكون قد اختصرنا الكثير من الجهد، وتقدمنا بالطالب نحو الصعود الواعي المدرك لمكانه، ناظراً للأمام بعيون مفتوحة مستطلعة بشوق وملتفتة للوراء بثقة واطمئنان لهضم ما مر من خبرات ومعلومات.
عودا على بدء، فإن توظيف المعلومات والخبرات لدى الطلبة يشكل منطلقا حيويا لقياس النمو التربوي للمتعلم.