نشر بتاريخ: 01/05/2019 ( آخر تحديث: 01/05/2019 الساعة: 14:58 )
الكاتب: د. سلامه أبو زعيتر
يعود عيد العمال العالمي من كل عام ليذكر بنضالات العمال وتضحياتهم من أجل العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، ولتنجلي الذاكرة من جديد، ونستذكر عمال شيكاغو الذين سطروا بدمائهم أروع ملاحم التحدي ضد الاستبداد والاستغلال الرأسمالي، وعمدوا الطريق أمام الحركات العمالية والنقابية لتسير نحو العمل اللائق، وما يتضمن من سبل ووسائل ومعايير وإجراءات لتوفير ظروف وشروط عمل ترقى للإنسانية وتحفظ كرامة الانسان العامل، وتحقق العدالة الاجتماعية وفق معايير الدولية والحريات النقابية...
لقد سجلت الحركات النقابية والعمالية على مستوى العالم بعض الإنجازات والمكاسب في التشريعات والقوانين واتفاقيات العمل، وحافظت على توازن القوى في علاقات العمل وطبيعة الصراع الطبقي، وذلك بنضالاتها وقوتها المستمدة من قواعدها وعدالة قضيتها وحقوقها المشروعة، وقدرتها على إدارة العمل والأزمات بمهارات في ظل كل المتغيرات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسي...
عند الحديث عن الواقع الفلسطيني وطبيعة الظروف التي تمر بها الحركة العمالية والنقابية في ظل استمرار الاحتلال والحصار الإسرائيلي لشعبنا، واستمرار الانقسام الفلسطيني، وارتفاع معدلات البطالة بنسب تزيد عن 32.5%على مستوى فلسطين، في ظل التفاوت الكبير في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وفق تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، في الربع الرابع من عام 2018، حيث بلغ في قطاع غزة 53.7%، مقابل 19% في الضفة الغربية، وقد بلغ عدد المتعطلين عن العمل في فلسطين أكثر من 442.500 الف شخص، منهم 159.500 الف في الضفة الغربية و283.000 الف في قطاع غزة تقريبا، ومعظمهم من الخريجين والشباب، حيث تقدر نسبة البطالة في صفوفهم تقريبا 65%.
تشكل الأرقام الانفة الذكر مؤشرات خطيرة حول نتائج مسح القوى العاملة في الواقع الفلسطيني، والتي تحتاج لقراءة وفهم حقيقي للأسباب والتداعيات والاثار المترتبة عليها؛ بهدف الوقوف بشكل علمي وعملي لإحداث تدخل فعال ومؤثر، فانعكاسات البطالة ومحدودية فرص العمل في سوق العمل الفلسطيني تشكل ناقوس للخطر يهدد مستقبل الشباب والخريجين والعمال من كلا الجنسين، مما ساهم في الكثير من المشاكل النفسية والاجتماعية والشعور بحالة من الاغتراب والانومي (اللامعيارية) وانعدام الثقة، والتي ولدت مشاعر من الإحباط والقلق والتوتر والانطواء ...الخ، مما دفع العديد من الشباب للانحراف القيمي بالخروج عن المألوف أو الهجرة بحثا عن فرص جديدة في الحياة، فغرقوا بالبحار والمحيطات، وتعرضوا لاستغلال المافيات التهجيرية، وتشردوا في معسكرات اللجوء من جديد، وتجدد الاحساس بآلام والحسرة نتيجة فقدان البوصلة وضبابية المستقبل، شعور ممزوج ما بين الألم والأمل الذي يحمله الشباب الفلسطيني المتجدد بطبعة والمتحدي للظروف بإرادة المقاتل والفدائي على مدار التاريخ، وهنا لا أريد الإطالة، فتوصيف الحالة الفلسطينية وتشخيصها أخذت الكثير من الوقت والكتابات والدراسات والتحليلات النظرية، ونحن بأمس الحاجة حاليا لخطوات عملية بالتدخل والعلاج؛ ومواجهة المشاكل والمعوقات وتحويل التحديات لفرص حقيقية لخدمة الشباب والخريجين، وعمل وقاية لهم ولمستقبلهم وفق اليات تنسجم مع معايير التنمية المستدامة في إطار خطة وطنية شاملة تتناسب مع الحالة الفلسطينية، بما تحمل من خصوصية تقوم على معادلة التحرر والبناء الوطني، وحماية الانسان الفلسطيني وتحصين الجبهة الداخلية، وهذا يدعو لإعادة النظر في كل ما سبق من خطط وبرامج سواء الرسمية أو غير الرسمية التي تستهدف التشغيل وخلق فرص العمل ودعم وتمكين الشباب والعمال. وما يترتب على ذلك من توجه لتطوير الاستراتيجية الوطنية للتشغيل وخلق فرص العمل والتمكين الاقتصادي لكل الفئات الاجتماعية وخاصة فئات الشباب والنساء والعمال والفقراء......الخ، علاوة على ضرورة دعم القطاع الخاص باعتباره أكبر مشغل في سوق العمل المحلي، وتنمية رأس المال الاجتماعي والتنمية البشرية، لإنتاج وتجديد الامل في ظل هذا الواقع المؤلم، ويمكن أن نتخذ عدة خطوات عملية أهمها التالي:
- بحث السبل للانعتاق من التبعية الاقتصادية ومواجهة سياسات الاحتلال الهادفة لتقويض الاقتصاد الوطني الفلسطيني، وجعله اقتصادا هشا يعتمد في كل مكوناته على الاقتصاد الإسرائيلي، وهذا يدعو لمراجعة اتفاقية باريس الاقتصادية والانفكاك من قيودها، وتعزيز العمل المشترك بين كل الشركاء الاجتماعيين وذوي العلاقة.
- إعادة النظر في السياسات الوطنية للتعليم العالي وضرورة المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل الفلسطيني والميادين والمجالات التي يمكن أن يتوفر فيها فرص عمل مناسبة وجديدة وفق التطور التكنولوجي والتقني.
- ضرورة العمل على تطوير نظم وبرامج التعليم والتدريب المهني والتقني في فلسطين، والعمل على موائمتها والتطورات التكنولوجية والعصرنة والحداثة لتناسب احتياجات سوق العمل الفلسطيني، وتمهير العمال والخريجين وإعادة تأهيلهم مهنيا، فالأمان المهاري يحسن الفرص والاستقرار الوظيفي.
- تعزيز فكر التعاوني بالممارسة العملية والتشجيع عليه، لما يحمل من فلسفة وأهداف وتجارب حققت نجاحات باعتباره فكرا اقتصادا تعاونيا مكمل وداعم للسياسات الاقتصاد المقاوم وينسجم مع الحالة الفلسطيني، وهناك نماذج في العمل التعاوني المنتج والتنموي والمتكامل اقتصاديا.
- العمل على تشجيع الأفكار الإبداعية والمبادرات الشبابية التي تساهم في خلق فرص عمل، ودعمها ومساندتها وتطويرها، وتوفير كل السبل لتعزيزها ورعايتها حتى تحقق أهدافها بالنجاح، ودعم النماذج المتميزة، وقصص النجاح، والخروج من التفكير التقليد، لتفكير الكبير وخارج الصندوق.
- العمل على دعم المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، وتوفير الحماية لاستمرارها ورعايتها لتنمو وتتطور وتتسع لتحقق أهدافها، وتطوير التشريعات والسياسات الوطنية لتعزيزها وتطويرها وحمايتها لتستطيع المنافسة في السوق.
- تمكين الشباب والخريجين من كلا الجنسين، وتقديم العون لهم ضمن خطة وطنية متطورة للتمكين والريادة ترعاها الحكومة، بمشاركة كل الأطراف والشركاء الاجتماعيين وخاصة الشباب ليكون لهم دور في التخطيط لمستقبلهم لما أثر إيجابي وخاصة في التطبيق والتنفيذ.
- ضرورة إعادة النظر في كل برامج التشغيل المؤقتة لتكون تنموية وفيها استدامة ويمكن البناء عليها، لتطوير وتنمية القطاع الخاص والقطاعات الإنتاجية، بما يساهم بخلق فرص عمل جديدة ومستمرة ومستقرة.
- ضرورة العمل على توحيد الجهود ضمن استراتيجية وطنية للتشغيل والتمكين الاقتصادي تنسجم مع التوجهات الدولية لمكافحة الفقر والبطالة وتساهم في تنظيم وتوجيه الدعم التمويل من خلال مظلة وطنية متخصصة.
- توفير بيئة عمل تحفظ الكرامة وتوفر الحماية لعمالنا وعاملاتنا البواسل تتسم بالحرية النقابية، وتهتم أولا بكرامة الانسان العامل وسلامته وصحته المهنية، والتي من شأنها أن تكون أساسا لزيادة الإنتاج والبناء الوطني.
- تطوير التشريعات والقوانين الاجتماعية العمالية، بما يتناسب مع المتغيرات والتطورات الاقتصادية الاجتماعية، وضرورة مراعاتها للمعايير الدولية والحريات النقابية، وخاصة قانون العمل الفلسطيني الذي ينظم علاقات العمل، وقانون الضمان الاجتماعي الذي يوفر الحماية الاجتماعية والشعور بالأمان للعمال وأسرهم، فعدالة التشريعات ينمي الانتماء ويقوي علاقات سوق العمل.
أخيرا إن الأفكار التي تساهم في تجديد الامل وتعزيز الثقة لدي الشباب والعمال، تحتاج لآذان صاغية، وإيمان بالطاقات والقدرات الوطنية، والاقتناع بأن أي عمل مهما كان بسيط ضمن خطة علمية ومنهجية، سيؤتي أكله وسيكون بناء وسيساهم بشكل عملي في مواجهة البطالة وتشغيل الشباب، ورسالتنا من خلال منبر "عيد العمال العالمي" الأول من أيار بعد التهاني لعمالنا وأسرهم، بدعوة لتوحيد الجهود النقابية والعمالية وتنظيم العمل النقابي ومأسسته، وتحميل المسئوليات لأصحابها، وتشكيل حملات الضغط والمناصرة حول القضايا العمالية والتشريعات الاجتماعية، فحملات الضاغطة المنظمة والسلمية تستطيع التأثير بقوة وفعالية حول قضايا العمال والخريجين، وهي شريك عبر النقابات والاتحادات العمالية في التخطيط وإيجاد الحلول الموضوعية والعملية للمشاكل العمالية، بحيث تكون قضاياهم قضية رئيسية على طاولة وأجندات المسئولين والقيادات السياسية والحكومة، ووقف التجاهل بقلة الاهتمام، وتدريجها على سلم الأولويات للتدخل والعلاج....