الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الطبقة العاملة الفلسطينية.. وأولويات المشروع الوطني الديمقراطي..

نشر بتاريخ: 03/05/2019 ( آخر تحديث: 03/05/2019 الساعة: 13:28 )

الكاتب: د.باسم عثمان

إن نشوء حركات سياسية ووطنية تناضل من أجل الاستقلال والتحرر الوطني عن الاستعمار الغربي في البلدان العربية من جهة، ونمو الأفكار اليسارية والديمقراطية بين الجماهير من جهة اخرى، تمكنت الحركة العمالية العربية منذ نشأتها في بدايات القرن الماضي من التوسع في صفوف العمال في قطاعات عدة، ودخلت ساحات النضال مبكراً على مستوى القضايا العمالية من أجل إقرار الحقوق النقابية وتحسين شروط وظروف العمل، وعلى المستوى الوطني من اجل الاستقلال الوطني والتحرر. لكن معركة التحرر الوطني سرعان ما فرضت نفسها كأولوية أمام الحركة العمالية ومنظماتها النقابية المختلفة، وشكلت إطاراً سياسياً وتعبوياً لدعم الحركة الوطنية في بلدانها، ومع تحقيق الاستقلال، نجحت الحركة العمالية بالحصول على الاعتراف الرسمي بوجودها، حيث أقرت الدساتير العربية لدول ما بعد الاستقلال بحق التجمع للمواطنين، بما في ذلك حق تشكيل النقابات والأحزاب والجمعيات ، كما أصدرت الحكومات قوانينها الخاصة لتنظيم أسواق العمل.
لكن هشاشة الاقتصادات العربية، وفشل السياسات التنموية المعتمدة، دفعت الحكومات العربية للذهاب باتجاه إصلاحات اقتصادية معاكسة لخياراتها السابقة، وعملاً بإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، أقدمت على خصخصة مؤسسات الدولة الإنتاجية، وتقليص حجم القطاع العام، وفتح الأسواق، وتحرير التجارة.
ومع ازدياد تأثر العمال في المنطقة العربية بالتطورات المصاحبة للعولمة وانفتاح الاسواق، أدركت الاتحادات والنقابات أنه يجب عليها تغيير أساليبها، بل ان التطورات فرضت عليه تغيير وسائلها، للتمكن من الاستمرار، وبدأت الاتحادات تدرك أهمية التعامل مع المصطلح الجديد للحوار الاجتماعي. فالحوار هو الاسلوب الامثل للتفاوض والوصول لأفضل الممكن. والحوار أيضا يجعل النقابات أكثر اطلاعا على ما يجري في الساحة الاقتصادية الاجتماعية، والحوار يتيح للعمال المشاركة في تعديل التشريعات العمالية، والاقتصادية التي لها آثار مباشرة وغير مباشرة على العمال.
النقابات العربية هي أكثر الاطراف اهتماما بالحوار الاجتماعي، كونه يوفر الحد الادنى من الحماية للعمال، أو على الاقل يوفر حدا أفضل من الموجود من ناحية حقوق العمال.
واعتمدت الحكومات العربية ما بعد الاستقلال مبدأ مرونة العمل كشرط أساسي لتثبيت النماذج الاقتصادية الجديدة، ما أدى إلى انتهاء الأمان الوظيفي، وتجميد الأجور، وتوسّع الاقتصاد غير النظامي الذي بات يحوي العدد الأكبر من العاملين بأجر المحرومين من أبسط حقوقهم وكانت معالجة العجز المالي الحكومي في صلب ما سُمي بـ الإصلاحات الهيكلية ، فتقلصت الخدمات والتقديمات العامّة وتردّت نوعية التعليم والطبابة والخدمات الأساسية الأخرى... ما أنهى في الواقع، ومن طرف واحد، العقد الاجتماعي الضمني.
وحصرت الحركة النقابية الرسمية مطالبها بتحسين شروط خروج العاملين في القطاع العام إلى المعاش المبكر، ضاربةً بعرض الحائط مصالح ملايين العمال والعاملات خارج أي حماية نقابية.
دفع هذا الواقع العمال، خاصة في القطاع العام والقطاعات التي تمت خصخصتها في بعض الدول العربية، إلى تشكيل نقاباتهم المستقلة خارج الإطار النقابي الرسمي. وبدأوا بالتواصل مع العمال في القطاعات غير النظامية، خاصة الفئات التي خاضت وتخوض تحركات نقابية مطلبية، لمساعدتهم على بناء تنظيماتهم النقابية، الأمر الذي ظهر كبداية جديدة للحركة النقابية العربية.
في السياق ذاته أضاف تعقد مسيرة التغيير الاقتصادي والاجتماعي من حدة الارتباك العمالي، ولاسيما في ظل غياب رؤية إستراتيجية للحركة العمالية حول خياراتها الاقتصادية وآليات عملها وأدواتها، وتوجهاتها المستقبلية، وهذا ما أسهم بشبه الفرز الحاصل في صفوف الحركة العمالية العربية، بين المنظمات المستقلة التي تطالب بضرورة إقرار حق التنظيم النقابي لجميع العمال دون قيود، وحق الاضراب والتظاهر، وبتحسين الأجور وظروف العمل وبدولة الرعاية الاجتماعية من جهة، والنقابات الحكومية التي تبدي استعدادها، انطلاقا من شرعيتها القانونية كممثل وحيد للعمال.
ونحن نسجل أن الحركة العمالية ليست هي الحركة النقابية، لأن الحركة النقابية تتعاطى جدلا مع ما هو سياسي واجتماعي أو مجالا للإعداد والاستعداد لتأسيس حزب معين، ولكن لا يلغي العلاقة الجدلية بينهما، وانطلاقا من هذا نسجل التالي:
أن الحركة النقابية هي مجمل منتوج التنظيمات النقابية القائمة في الواقع، بهدف العمل المستمر من اجل تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للعمال، وباقي الأجراء، ومن أجل حماية المكتسبات، وبواسطة عمل التنظيم، أو التنظيمات النقابية، الذي لا يتوقف أبدا، تبعا لحركة الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، وانطلاقا من دورة الحياة التي لا تتوقف، وبسبب الاستغلال المادي، والمعنوي الممارس على الجماهير الشعبية على مدار الساعة.
أن التنظيمات النقابية، القائمة في الواقع، هي تنظيمات معنية بالقيام بإنتاج حركة نقابية، تستهدف إيصال الوعي النقابي إلى مجموع العمال، وباقي الأجراء، في مجموع القطاعات الاقتصادية، والاجتماعية، ومن أجل انخراطها في النضال النقابي الهادف الى تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية، من خلال جعلهم:
أولا: يدركون بشاعة الاستغلال الممارس عليهم، وعلى جميع المستويات: المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.
ثانيا: يتأكدون من أهمية التنظيم النقابي، والانخراط فيه، والعمل على تفعيله، حتى يقوم بدوره كاملا في توعية العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من همجية الاستغلال الرأسمالي التبعي في بلدانهم، والعالمي في نفس الوقت. لصالح الرأسمال المحلي.
نشأة الحركة النقابية العالمية:
بدأت محاولات تشكيل النقابات العمالية منذ تبلور تقسيم عناصر الإنتاج بين رأس المال والعمل، وقد لعبت الثورة الصناعية دوراً كبيراً في هذا المجال حيث حلت الآلة مكان الإنسان في زيادة الإنتاج وأثر ذلك بشكل كبير على ظروف وشروط العمل وبدا العمال يشعرون بالحاجة إلى التوحد لمواجهة عملية الاستغلال الكبيرة التي تعرضوا لها ونتيجة لذلك ظهرت بوادر تشكيل النقابات العمالية بداية في بريطانيا. وفي سنة 1720 حاول عمال الخياطة في المدن البريطانية وعددهم حوالي 700 عامل تأليف جمعية لزيادة الأجور وتخفيض ساعات العمل بمقدار ساعة واحدة يومياً ورغم أن هذه المحاولة باءت بالفشل إلا أن المحاولات استمرت بتشكيل جمعيات مستقلة عندما انتشرت الاضطرابات بين عمال النسيج مما دفع البرلمان لإقرار نص قانوني ينص على معاقبة أي تكتل عمالي وقد استمر هذا الوضع حتى عام 1826 عندما رفع الحظر القانوني عن العمالية فأصبحت مرخصة وتمارس حق التفاوض الجماعي.
في ألمانيا بدأت محاولات تأسيس نقابات عمالية متأخرة عن بريطانيا وذلك من عام 1830 وحتى عام 1865 عندما تأسست نقابة عمال التبغ في هامبورغ، أما في فرنسا فقد ظهر العمل النقابي على شكل تعاونيات منذ عام 1791 وكان هدفها زيادة أجرة يوم العمل وقد تطورات هذه التعاونيات لتأخذ شكل غرف نقابية واستمر عمل هذه الغرف حتى أقر البرلمان الألماني عام 1882 أول قانون يسمح للعمال بحق تنظيم النقابات.
في الولايات المتحدة الأمريكية بدأت محاولات تشكيل النقابات العمالية في أواخر القرن الثامن عشر عندما ازدادت اضطرابات عمالية بين عمال المطابع في فيلادليفيا ونشأ من ذلك تأسيس نقابة عمال المطابع في نيويورك ونقابة عمال الخياطين في بالتيمور، وفي عام 1879 تم تنظيم إضراب عمالي في قطاع سكك الحديد ارتفع بعده عدد المنتسبين إلى النقابات من 120 ألف إلى 700 ألف منتسب سنة 1886 وذلك في نفس العام الذي تم به تأسيس الاتحاد الأمريكي للعمل بدلاً من النقابة المسماة فرسان العمل.
نشأة الحركة النقابية العربية:
ارتبط تشكيل النقابات العمالية العربية في المشرق والمغرب العربي وبلاد الشام بالنضال ضد الاستعمار وقد تراوح تأسيس هذه النقابات من حيث البداية بين نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وقد تميز تشكيل هذه النقابات ودورها بالترابط مع النضال الجماهيري العام وأصبحت النقابات العمالية العربية جزء من حركة التحرر الوطني وقدمت هذه النقابات في العديد من الدول العربية العديد من الشهداء خلال فترة النضال ضد المستعمرين جنباً إلى جنب مع دورها المطلبي. خلال هذه الفترة كانت بعض هذه النقابات مرتبطة مع النقابات العمالية في بعض الدول المستعمرة نفسها والتي كان بعضها يتضامن مع شعوب الدول المستعمرة ويقف ضد حكوماته، وقد تجلى ذلك بشكل واضح في بعض دول المغرب العربي، وبعد الاستقلال السياسي تحولت هذه النقابات أو الاتحادات العمالية إلى مؤسسات جماهيرية ضخمة وقوية لا يزال بعضها يلعب دوراً هاماً في حياة شعوبها سواء من حيث دورها السياسي أو دورها المطلبي بين صفوف العمال.
دور النقابات العمالية في خدمة قضايا العمال:
شكل تأسيس منظمة العمل الدولية سنة 1919 دعماً قوياً للنقابات العمالية وذلك من خلال تكريس مجموعة من المبادئ والأسس التي تحكم عمل هذه النقابات، وفي سياق النشاط الذي تقوم به المنظمة والذي يستند على التمثيل الثلاثي عمالاً وأصحاب عمل وحكومات بدأت المنظمة بإصدار اتفاقياتها السنوية التي اتفق على تسميتها بمعايير العمل الدولية وهي عبارة عن اتفاقيات تنظم حقوق العمال وآلية تطبيقها واستناداً لهذه المعايير والاتفاقيات وإلى الأسس الموضوعة التي تشكلت النقابات على أساسها فإن للنقابات العمالية دور هام جداً في الدفاع عن العمال وفي تنظيم العلاقة بينهم وبين أصحاب العمل ويأخذ هذا الدور أشكالاً متعددة ومتفاوتة بين بلد واخر.
الحركة العمالية الفلسطينية:
في ظل الظروف والمتغيرات التي عاشها المجتمع الفلسطيني خلال العشرة سنوات الماضية، وتطوراتها اللاحقة، يتحتم عليه إدراك عملية التحول في المواقع النقابية، وكافة المواقع والبنى المجتمعية الأخرى في جميع القطاعات، عبر علاقة جدلية بين عنصري المرحلة الراهنة، المتداخلين معاً في وحدةٍ تعبر عن طبيعة المرحلة، كمرحلة تحرر وطني وديمقراطي، ستمتد لفترة طويلة قادمة، بفعل التواطىء الأمريكي/الصهيوني في الأهداف والغايات، من جهة، والهزات العنيفة التي اصابت مجموع الحركة الوطنية الفلسطينية من جهة اخرى ، لذلك فإن هذه العملية الجدلية عبر صعودها وحركتها ستشكل مدخلاً محورياً واسعاً للعمل الجماهيري باعتباره أحد أهم العوامل الأساسية في النضال الوطني الديمقراطي الراهن والمستقبلي، وبالتالي فإن تفعيل دور العمل النقابي، سيكون مقياساً أساسياً في الحكم على ممارساته الجماهيرية في هذا الإطار، ففي ضوء أوضاعه الداخلية الحالية غير الموحدة بسبب ضعف نضوج وتبلور السياسات تبرز الحاجة الماسة، بالمعنى الموضوعي أولاً، والذاتي ثانياً، لإنضاج وتوسيع تجربة النضال في النقابات التي يمكن أن تلعب دوراً مؤثراً ونوعياً في مجمل المسارات الوطنية والاجتماعية والاقتصادية.
ومع الإقرار بوجود تفاوتات واختلافات موضوعية بين أشكال وهيئات أو اتحادات العمل النقابي في المجال النقابي والمهني والجماهيري، فإنه لا بد من وعي الفرق بين طبيعة ودور وأهداف هذه الهيئات أو الاتحادات التي تتوزع كما هو معروف إلى ثلاثة أنواع أو أشكال نقابية: النقابات العمالية، والاتحادات أو النقابات المهنية، والاتحادات الجماهيريـة، وتكمن أهمية هذه الأطر بأنواعها في اتساعها وطابعها الجماهيري العام، حيث يمكن تعبئة وتنظيم أعداد كبيرة جداً من الفئات والشرائح الاجتماعية بمختلف مستوياتها وانتماءاتها للانخراط في النضال الوطني العام من جهة، ومن أجل الدفاع عن حقوق ومصالح كل طبقة أو فئة اجتماعية بذاتها من جهة أخرى
فالنضال في الاتحادات الشعبية، وبالذات في النقابات أحد أهم أوجه النضال الأساسية والضرورية في جميع مراحل النضال الوطني والاجتماعي والاقتصادي، لكن هذا النضال في العمل الجماهيري والنقابي تزداد أهميته السياسية إلى درجة كبيرة في هذه المرحلة التي تتداخل فيها المهام الوطنية بالديمقراطية وبالمطلبية، مما يعني تفعيل العلاقة السياسية بين الأحزاب والأطر النقابية بدرجات عالية من التنظيم والقوة بما يتناسب مع طبيعة هذه المرحلة.
وتتطلب هذه المرحلة تعبئة وتأطير أوسع قطاعات الشعب بمختلف فئاته وشرائحه الاجتماعية والمهنية صاحبة المصلحة في التحرر الوطني الديمقراطي، وعلى الخصوص الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وكافة المهمشين في المجتمع الفلسطيني، وإذا كان هذا الشرط لا يمكن تحقيقه راهناً -بدرجات متقدمة- في إطار القوى والأحزاب الوطنية ، فإن من الممكن تحقيق هذا الشرط عبر أطر هذه الاتحادات والنقابات التي تبرز هنا بوصفها الهيئات المناسبة بتعبئة وتأطير أوسع القطاعات في أوساط الجماهير الشعبية.
لكن يبدو حتى اللحظة أن المشكلة تكمن في العامل الذاتي للأحزاب والقوى الوطنية الفلسطينية التي لم تتحرك كما يجب استجابة للعوامل والظروف الموضوعية المهيأة للتفاعل مع ما تطرحه وتمثله من قضايا سياسية واجتماعية ومطلبية، حيث تتمكن بعض الأحزاب من إخراج مسيرة بعشرات الآلاف في مهرجان انطلاقتها ولا تتمكن من إخراج تظاهرة لأجل النضال المطلبي وقضايا الأسعار والبطالة، هذا الشاهد وغيره يؤكد ضعف قدرة النقابات وأحزاب المعارضة على المشاركة في نضال مدني وهذا مؤشر علي ضعف قدرتها في التأثير إيجاباً لصالح قضايا الناس المطلبية أو حتى التأثير لصالح إيجاد حكم صالح يستجيب لما تطرحه من شعارات وبرامج علي الأوراق.
ويعتبر هذا الضعف ظاهرة يجب أن تخضع للمراجعة والنقد للخروج من هذا الوضع الذاتي المأزوم ، نحو تفعيل دورها وإثبات وجودها في هذه الاتحادات والنقابات وفق منطلقاتها الأيديولوجية والنضالية السياسية والمطلبية معاً، مما يتطلب أولاً ضرورة التمييز –بصورة عملية ملموسة- بين المنظمة الجماهيرية والمنظمات الحزبية وعدم اعتبار الثانية بديلاً عن الاولى، مستلهمين الوعي النظري الواضح من هذه العلاقة وخصوصية كل منهما، بحيث ينبغي للمنظمات الجماهيرية أو النقابية أن تكون أولاً مهنية ، وواسعة ما أمكن، وعلنية.
وينبغي على المنظمات الحزبية أن تضم بالدرجة الأولى وبصورة رئيسة أناس مهمتهم النشاط الثوري والوطني التحريضي ، ووفق هذه الرؤية تتجلى في هذه المرحلة بالذات واحدة من المهام الأساسية بالنسبة للأحزاب الفلسطينية، لتفعيل دورها وتواصلها داخل هذه الأطر النقابية والاتحادات الشعبية.
وفي هذا السياق فإن تقدم الأحزاب والفصائل في هذه الأطر –العلنيـة والديمقراطيـة- مرهون بتلازم الجانب المطلبي الاجتماعي والجانب السياسي الوطني في نشاطها داخل الاتحادات والنقابات، إذ أنه من الصعب إلى درجة تقترب من الاستحالة الفصل التعسفي بين النضال الاجتماعي الاقتصادي والنضال الوطني السياسي، وبشكل خاص في أوساط النقابات العمالية التي تقوم على الشرائح الفقيرة، وفي مثل هذه الحالة يكون القهر الاجتماعي والاقتصادي مُولِّداً للوعي السياسي، والنضال المطلبي لرفعه ويكون مدخلاً للانخراط في النضال الوطني العام عبر العمل المنظم، فالنقابات مدرسة إعداد للعمال، والشرائح الأخرى لتحقيق أهدافهم.
وفي ظل هذا كله كان العمال الفلسطينيون في الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ حزيران 1967 يستقبلون الأول من أيار في كل عام بالمرارة والإحباط والغضب في ضوء الظروف المعيشية القاسية، التي يواجهونها. فمن جهة يواجه هؤلاء العمال عمليات قمع وإهانات يومية من قوات الاحتلال على حواجز الطرق وبوابات العبور سواء الى الداخل الفلسطيني او حتى الى مراكز العمل في المستوطنات ويواجهون أعمال استغلال بشعة للعاملين منهم في المشاريع الاسرائيلية، بما فيها تلك التي أقامها المستوطنون على الاراضي الفلسطينية في المستوطنات، ومن جهة اخرى يقفون في مواجهة البطالة والفقر والتهميش ويتطلعون نحو الحكومات الفلسطينية عسى ان تضعهم على جدول أعمالها للبحث عن حلول وطنية تخفف من معاناتهم وترفع عنهم ولو بقدر معقول- وضمن ما تتيحه الموارد المالية المتاحة وما تتيحه الظروف التي يمر بها الاقتصاد الوطني والقطاع الخاص الفلسطيني- كابوس الظلم الذي لم يعد يحتمل وشروط عمل هي أحيانا اقرب الى السخرة منها الى علاقات عمل تعاقدية بشروط مقبولة نسبيا.
على مستوى العلاقة مع "الاحتلال الاسرائيلي" يعيش عمالنا في ظل اضطهاد مركب الابعاد، فالاحتلال بحد ذاته يعني الخضوع لإرادة المحتل ولآلياته، التي تمكنه من ادامة سيطرته بالقوة على المجموع الوطني بما فيه الطبقة العاملة، التي تتحمل اكثر من غيرها الاثار المترتبة على سياسة الاحتلال، ذلك لا يعني ان الفئات الاجتماعية الوطنية الأخرى لا تتحمل هي الاخرى اعباء هذه السياسة وانعكاساتها، بقدر ما يعني ان القسط الاوفر من المعاناة يقع على كاهل العمال، وخير الشواهد على ذلك اعداد الشهداء والجرحى والمعاقين والأسرى في معسكرات الاعتقال الجماعية الاسرائيلية.
ان سياسة الحصار والإغلاق والخنق الاقتصادي ونشر الحواجز العسكرية في طول الضفة الغربية وعرضها تنعكس بأثار قاسية على المجموع الوطني، ولكنها بالنسبة للعمال الفلسطينيين تعني ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتدهور مستوى المعيشة.
ان معاناة العمال الفلسطينيين من سياسة وممارسات الاحتلال لا تقف عند هذه الحدود، فالاحتلال ليس احتلالا عسكرياً وحسب بل هو الى جانب ذلك احتلال استيطاني، حيث في المستوطنات التي اقامها الاحتلال الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ حزيران 1967، بنى المستوطنون والمستثمرون الاسرائيليون مناطق صناعية وزراعية رأسمالية حديثة نسبيا، تعتمد على العمالة الفلسطينية حيث يمارس أرباب العمل الاضطهاد والاستغلال بأبشع صورة ضد العمالة الفلسطينية، شروط وعقود العمل قاسية وظالمة وأصحاب العمل يرفضون مساواة العامل الفلسطيني بالعامل الاسرائيلي، من حيث الحقوق العمالية والاجور وحقوق التامين الاجتماعي، ورغم ذلك يقبلون بالقليل حفاظاَ على مكان العمل ومصدر الدخل في مواجهة منافسة شديدة بفعل ارتفاع نسبة البطالة في سوق العمل.
ولهذا كله ينبغي توحيد الحركة العمالية والنقابية الفلسطينية وتحريرها من سطوة الهيكل البيروقراطي على اوضاعها وتمكينها من الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة وتنظيم دورها في النضال ضد الاحتلال وتعزيز صمودها وتطوير نضالها في مواجهة اتساع نطاق البطالة والفقر والعوز وتدهور مستويات المعيشة وفي مواجهة السياسة الحكومية وما يشوبها من خلل في توزيع اعباء الصمود في مواجهة هذه السياسة الاسرائيلية على مختلف طبقات الشعب وفئاته الاجتماعية المختلفة، والى صون وحماية الحريات النقابية، وتطوير قوانين التنظيم النقابي والتشريعات العمالية، بما يتناسب مع التشريعات والقوانين الدولية وجميع الاتفاقيات الصادرة عن منظمتي العمل العربية والدولية، والتي أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الفلسطينية التزامهما بها، هذا الى جانب تفعيل الصندوق الوطني للتشغيل والحماية الاجتماعية، بما يسهم في الحد من معدلات الفقر والبطالة في صفوف العمال ومن مواصلة دورهم في معركة النضال الوطني والاجتماعي، وتعديل قانون العمل الفلسطيني من اجل توفير الحماية لحقوق العمال والعاملات في سوق العمل الفلسطيني.