الكاتب: حيدر عيد
تم الإعلان فجر اليوم عن الوصول لوقف إطلاق النار بين قوات الاحتلال الإسرائيلي و ممثلي فصائل المقاومة الفلسطينية، أو بالأحرى فصيلين، بوساطة مصرية و أممية. و حسب الأنباء فإن وقف إطلاق النار يشمل "تسهيلات معينة" للفلسطينيين في القطاع تتضمن "إعادة مساحة الصيد من 6 إلى 15 ميلاً، واستكمال تحسين الكهرباء والوقود واستيراد (بعض) البضائع وتحسين التصدير," مع العلم أن ذلك لم يتم تطبيقه سابقا على الرغم من الفقاعات الاحتفالية التي تم اطلاقها من قبل المتحدثين بإسم الفصائل الذين أصبحوا يركزون في كل أحاديثهم على حدوث "اختراقات" و ذلك "بإجبار" الاحتلال على منحنا "تسهيلات!"
و هنا يجب طرح الأسئلة الصعبة بعيداً عن تلك التي يتم طرحها من قبل بعض الأصوات النشاز التي لها إما مشكلة مع مفهوم المقاومة بكل أشكالها, أو تلك التي لا ترى الأمور إلا من خلال نظارات حزبية ضيقة. هي نفس الأسئلة التي طرحتها بعض الأصوات النقدية على استحياء سابقا, و أصبح من الضروري إبرازها الآن بشكل يجب أن يصل لآذان المفاوضين.
ماذا تعني تهدئة و 2 مليون مواطن يعيشون في سجن، لا يستطيعون السفر، و لا أداء الشعائر الدينية في القدس، ولا الوصول للشطر الثاني من البانتوستان، و لا السفر وقتما شاءوا عبر معبر رفح. العديد من السلع لا تصل، و الكهرباء لا تصل الا8 ساعات، و الصيد ممنوع، و المرضى لا يتلقون العلاج، و البطالة في أعلى نسبها... التهدئة تكون بين طرفين متساويين في القوة، و ليس بين مستعمر (بكسر الميم) و مستعمر(فتح الميم) و في سياق عنصري؟!
أيناؤنا و بناتنا و أطفالنا لا يستشهدون من أجل تخفيف العقوبات المدانة دولياً و تدخل في إطار العقاب الجماعي! ما نقدمه من دماء يتخطى بمراحل ما يطالب به "عبد المنزل" الذليل الذي يرضى بفتات الطعام الذي يتكرم السيد الأبيض بإلقائه له! و الأنكى أنه حتى ذلك يتم إنجازه بوساطة أشقاء و أمميين. إن تضحياتنا هي من أجل الحد الأدنى مما كفلته الشرعية الدولية من حق في الحرية و تقرير المصير. و الأداء السياسي لم يستثمر كل هذه التضحيات بطريقة خلاقة, بل على العكس بددها في الهواء و صورها على أنها انجازات هائلة تم إجبار العدو عليها. أي تهدئة تلك التي يتم الحديث عنها بين مستعمِر عنصري يرى في مجرد تحركنا على الأرض تهديد وجودي؟ أي تهدئة تلك التي تكفل له حق السيطرة على حركتنا, مع تكرمه بمنحنا حرية الحركة داخل أسوار السجن؟ أي تهدئة و أطفالنا يموتون جوعا على قارعة الطريق؟ و الدواء نتسوله تسولا؟ و المعبر الوحيد إما مغلق أو يعمل بالقطارة؟ و مياهنا تفوح منها رائحة المجاري؟ و القدس على مسافة ساعة و لا نحلم حتى بنظرة واحدة علىها؟ و شبابنا يتم اصطيادهم فقط لمجرد اقترابهم من سلك السجن الشائك؟
ثم كيف ستمكننا هذه التهدئة التي نرضى من خلالها عيشة الذل و الهوان من الربط بين أهدافنا التحررية, التي تشكل صميم القضية الفلسطينية, و التضحيات الجمة التي نقدمها، بل يقدمها أطفالنا الرضّع؟! بل كيف تهيئ لنا القدرة على مواجهة أكبر خطر يحدق بالقضية الفلسطينية منذ نشأتها, "صفقة القرن" التصفوية؟ ومن يضمن أن هذا "الهدوء المصحوب بحذر" لن يتبدد بمجرد انتهاء مسابقة الأغنية الأوروبية في تل أبيب, كما كانت "التهدئة" السابقة التي ساعدت على فوز نتانياهو بالانتخابات؟
إن الأداء التفاوضي منذ حرب 2009, مرورا بحربي 2012 و 2014 على غزة, لم يرتق إلى مستوى التضحيات الهائلة التي قدمها أبناء شعبنا البطل, تلك التضحيات التي شهد لها العالم بأسره. و لكننا كمن يطلق النار على قدميه.
نريد مفاوضاً يبدأ الحديث مع الطرف المتسعمِر بمنطق من له حق واعتبار أن الحوار هو حول كيفية تطبيق قرار الأمم المتحدة 194, ذلك الهدف الذي انطلقت من أجل تحقيقه مسيرة العودة الكبرى قبل إضافة "كسر الحصار" للإسم. هذا ما أرادته رزان النجار و ياسر مرتجى, و ما كانت بالضرورة ستطالب به صبا أبو عرار!