الأربعاء: 20/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

السينما الصهيونية ذراع وذريعة لاحتكار الضحية ، وتبرير القتل

نشر بتاريخ: 26/05/2019 ( آخر تحديث: 26/05/2019 الساعة: 19:13 )

الكاتب: المتوكل طه


راحت السينما الصهيونية تسعى بشكلٍ حاسمٍ واستراتيجيٍّ إلى غسل دماغ الرأي العام وقلب الحقائق، وتغيير صورة اليهودي، من (جَشِعٍ وطمّاعٍ وماكرٍ وخبيث)، إلى ضحيّة ، بل راحت تحتكر صورة الضحيّة وتنسبها لليهودي فقط ، ثم أنتجت الكثير من الأفلام لابتزاز العالَم بالهولوكست، وكأنها تذكّر العالَم بتلك المحرقة، كي يتوفّر لدولة الاحتلال الذرائع لإبادة غيرهم من "الأغيار" الفلسطينيين والعرب، وحتى يصمت العالَم عن فظاعات الاحتلال واجتياحاته الدموية.. وأذكر من هذه الأفلام؛ "التلة 24 لا تُجيب" منذ العام 1955" وفيلم "الخروج"، مروراً بفيلم "فالس مع بشير" وفيلم "يوديت" و"راحيل" و"ظلّ العملاق"، وفيلم "تل حيفون لا يجيب" في العام 1976، الذي يسخر من الجنود المصريين، وصولاً إلى فيلم "المَهمّة" و"القارئ" و"كلية الطلبة" و"الأوغاد المجهولون" و"عازف البيانو" و"الحرب العالمية زد" و"سبتمبر من شيراز" و"الطلبة الأحرار" و"الوصايا العشر" و "هذه أرضي" و "السفير" و"طبيب".. إلخ من العشرات، بل المئات من الأفلام التي تقدّم سرديات زائفة وروايات ملفّقة وصوراً استشراقية مُعادية، تعزّز خطابهم العنصري وتخلق لهم مرافعات خائبة وشرعيّات مصنّعة، وتوفّر لهم الذرائع الواهية التي تحاول أن تكون وجيهة ومبررة ، وجعلوا كبار الممثلين العالميين والمحبوبين أبطالاً لهذه الأفلام من بن كنغسلي وكيت وينسلت ، مروراً ببراد بيت وتوم كروز وراسل كرو ، ووصولاً إلى كريستوف فالتز وميلاني لوران وأدريان برودي وهيلاري سوانك وشتيلان سكاسكارد وتوم باين . إضافة إلى بضعة أفلام قدّمت أنبياء بني إسرائيل بالرواية التوراتية المحضة ، والتي قامت بترجمة التوراة ترجمة سياسية تخدم التوجّه الصهيوني ، مثل أفلام "نوح" للمخرج دارين أرنوفسكي" و"يوسف" لروبرت يونغ و"يعقوب" لبيترهال و"سليمان" لكينغ فيدور و"موسى" لسيسيل بي ديميل ، إضافة إلى فيلم الخروج - آلهة وملوك ، الذي يروي قصة خروج بني إسرائيل من مصر، وهو من بطولة كريستيان بل . باختصار ؛ إنّ هذه السينما ، عامةً ، هي دعائية مؤسَّسة على الأيديولوجيا الصهيونية لضرورات جلب المهاجرين الجدد إلى فلسطين، كما شكّلت قصص العهد القديم وأساطير العودة إلى أرض الميعاد المادة الثريّة لحثّ اليهودي على الهجرة .
واستطاع اليهود أن يوفّروا لأنفسهم استطالةً إعلاميةً تُعمّم خطاباتهم ومرويّاتهم ومواقفهم، فيما لم يستطع العرب أن ينتجوا سينما قادرة على الردّ والموازاة ، على رغم امتلاكهم الإمكانيات ، مع احتفاظنا بتقديم كل التقدير والشكر للعديد من الأفلام التي تناولت صراعنا مع الاحتلال الغاصب ، مثل ؛ "48 ساعة في إسرائيل" و"أبابيل" و "أبناء الصمت" و"أرض الأبطال "و"أرض السلام "و"أسد سيناء" و"أصحاب ولا بزنس" و"أغنية على الممر " و"إعدام ميت" و"الرصاصة لا تزال في جيبي" و"السفارة في العمارة" و"الصعود إلى الهاوية" و "الطريق إلى إيلات" و"العصفور " و"العمر لحظة" و "الكافير" و"الوفاء العظيم " و "بئر الخيانة" و "بدور" و"بركان الغضب" و "بورسعيد" و "حائط البطولات " و "حتى آخر العمر" و "حكايات الغريب " و"فتاة من إسرائيل " و"فتاة من فلسطين " و"فخ الجواسيس" و "مهمة في تل أبيب" و"ناصر 56" و "أولاد العم" و "يوم الكرامة " و " بونبونة "، والتي ، للأسف ، لم يتمكّن – معظم هذه الأفلام - من أن يُشكّل توجّهاً يُرمّم صورتنا النمطية الملوّثة في العالَم ، أو يؤصّل مدارك الأجيال العربية بعمق وسعة وشمولية ، ويتصدّى للعدميّة القومية وشطب الذاكرة ، بعيداً عن الخطابية الفجّة والتسطّح الفكري والسذاجة الفنيّة والموضوعية.. مثلما عجزت تلك الأفلام لأن تصل إلى العالمية وتنتشر وتنافس بقوة .. وهذا يعود إلى نظرية أسباب تتعلّق بتدنّي سقف الحرّيات وضعف الموازنات وضحالة التناول وخفّة النصّ .. وأسباب أخرى لا مجال لتناولها الآن .
كما أنّ عدداً قليلاً ، لا يكاد يُذكر ، من السينمائيين اليهود والإسرائيليين طرحوا القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، بشكل أخلاقي وموضوعي، في غير فيلم، مثل "خربة خزعة" لرام ليفي المأخوذ عن رواية يزهار سيملانسكي التي صدرت العام 1949، وكذلك فيلما عاموس جيتاي "كيبور" والفيلم الوثائقي "بيت"، وفيلم " المظلّيون " لجاد نثمان ، وأعمال سيمون بيتون وداني ألوني وإيال سيفان وغيرهم، وهي أفلام تنتقد كذب المؤسسة الصهيونية، وأسّست لخطّ ناقد للمؤسسة الصهيونية ولمقولاتها. وأعتقد أن هذا يتوازى مع ظاهرة المؤرّخين الجُدد من الإسرائيليين، الذين راحوا يعيدون النظر في كلّ ما جرى من مذابح ومجازر وتطهير عرقي.. لَحقت بالفلسطينيين، ليصحّح بعضهم الرّواية، ويعترف بالحقّ.بل ليجعلوا الرواية الإسرائيلية أكثر قدرةً وإمكانيةً لتمريرها وتصديقها، أي خلّصوها من المبالَغات، بمعنى أنهم اعترفوا بجزء يسير مما اقترفته عصاباتهم المُجرمة، ليمرّروا باقي روايتهم، تماماً كما فعل المؤرّخون الجُدد في ألأمريكيتين وأستراليا، لكنهم لم يعترفوا بإبادة أكثر من تسعين مليون هندي أحمر، إنما ببعض المجازر، ليس إلاّ! وهنا يمكن أن نشير إلى ما كتبه تزفيتان تودوروف عن ما سُمّي ب "فتح أمريكا"،أو ما اجترحه منير العكش في سياق استعراضه لما أسموه ب"حقّ التضحية بالآخر"، ليطلع القاريء على ذلك التطهير العرقي المفزع ، والذي يتم إعادة إنتاجه من قِبل الصهيونية على كل ما هو فلسطيني .
وثمة أفلام قدّمها فلسطينيون ومَن يعتبر نفسه مناصراً لهم ، حاولت أن تقدم الصراع العربي الإسرائيلي بشيء من الانحياز للقضية الفلسطينية ،على الرغم من عديد الملاحظات الوجيهة على بعض هذه الأفلام ، من مثل ؛ "عمر" و "يد إلهية" و "الجنّة الآن " و "إن شاء الله" و "هانا ك " وغيرها . فيما ظهرت أفلام ، وبصرف النظر عن لغتها أو مخرجها أو جهة إنتاجها ، إلا أنها أساءت بدرجات متفاوتة لصورة الفلسطيني مثل ؛ " التقارير حول سارة وسليم " و "الملاك " و"ميونخ" و "سيف جدعون" " و"عجمي " و "حرّاس البوابة" و "الأمير الأخضر" و "قصة عن الحب والظلام" و "أيام في عينتيبي" و "بيروت" .