نشر بتاريخ: 04/06/2019 ( آخر تحديث: 04/06/2019 الساعة: 13:50 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
نشر مؤخراً دراسة قيل أنها إستمرت لثمانين عاما، أجرتها جامعة "هارفارد" الامريكية في ولاية بوسطن وهي من أقوى جامعات العالم. وقد بدأت الدراسة عام 1938 وخضع لها الرئيس الأميركي الراحل جون كنيدي، ورئيس تحرير صحيفة "واشنطن بوست" بن برادلي حيث كانا بين المبحوثين، وشملت الدراسة أسئلة عن الحياة العامة، بما في ذلك الحالة الصحية والمسيرة المهنية والزواج.
ما لفت إنتباهي في نتائج هذه الدراسة هو الإعتقاد الخاطئ عند معظم الناس بأن السعادة مكلفة وتحتاج إلى مال وإلى مناصب وإلى وسائل ترفيه ثمينة وعالية الجودة، ولكن الأمر لم يكن بهذا التعقيد بل كان أبسط بكثير.
وقد توفر لي في السنوات الماضية زيارة دول "غنية" ولم ألحظ سعادة في وجوه الناس، بينما زرت دولاً محاصرة ولا تملك نفطاً أو خزائن مال وكان الناس يعيشون فيها سعداء، والسعادة واضحة في علاقاتهم الاجتماعية وسلوك حياتهم اليومي.
- وجود الاصدقاء هو السبب الاول للشعور بالسعادة: والمقصود هنا العلاقات الحقيقية وليس العلاقات النفعية المنافقة التي تغطّي وجهها بالأقنعة. لأن التخلص من وهم الصداقة ومن العلاقات الطفيلية التي تتراكم على الانسان في سنوات حياته أفضل بكثير من وهم الاعتقاد بوجود صداقات مزيفة. الصداقات تسبب السعادة لانها تتماثل وتتماهى مع حاجة البشر لمحاكاة أفكارهم وسلوكياتهم. وهذه الصداقة لا تحتاج إلى مال ولا الى مناصب أو وظائف.
- العطاء: حيث تثبت الدراسة أن الذي يعطي أكثر سعادة من الذي يأخذ. سواء مادياً أو معنوياً. وقد يظن السطحيون أن العطاء هو مال فقط أو هدايا مادية، ولكن الانسان قد يعطي طاقة ايجابية او مواقف او أفكار أو التزاما أو اخلاصا وهكذا.
- الامتنان: هناك أناس يعبّرون عن امتنانهم للاّخرين على ما حصلوا عليه وهناك أناس جاحدون لا يعرفون ولا يدرّبون انفسهم على قول كلمة شكرا . وهؤلاء لا يحصلون على السعادة لان الاقرار بالامتنان والشكر يحقق للانسان توازناهاما في خط انتاج العطاء والأخذ والتفاعل مع الذات ومع الاخرين.
- التسامح: حيث أن البشر الذين يأكلون قلوبهم غلّا ولا يريدون المسامحة يعملون على زرع السمّ في أجسادهم ويعانون من مشاكل صحية خطيرة قد تودي بهم الى الوفاة لانهم لا يملكون القدرة على المسامحة ويعتقدون دائما أن الاّخرين أخطاوا بحقهم ويقنعون أنفسهم انهم لا يخطئون.
ويلفت الانتباه في هذه الدراسة أن المال والجنس والمخدرات والشهرة والمناصب العالية والتملك والاقتناء الكثير لم ترد أبدا في سلم السعادة عند البشر . إمام المسجد لا يملك سعادة اكثر من المصلين وراءه، ومدير الشركة لا يملك سعادة اكثر من موظفيه ، ونشطاء الفيس بوك الذي ينتقدون كل شئ ويشتمون كل عابر سبيل لا يحققون سعادة اكثر من الذين يلوذون بالصمت. فالسعادة لا تشترى بالمال ولا يحققها الأكثر حبا للمناصب والشهرة .