نشر بتاريخ: 20/06/2019 ( آخر تحديث: 20/06/2019 الساعة: 11:09 )
الكاتب: عيسى قراقع
لقد نجحنا اخيراً، ووصلنا إلى مؤتمر البحرين الاقتصادي الذي سيعقد في العاصمة البحرينية المنامة بين 25-26/6/2019 تحت عنوان (السلام من اجل الازدهار)، فبعد 25 عاماً على توقيع اتفاقية أوسلو و52 عاماً على احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وبخطوات متواصلة على الأرض استطعنا تحويل فلسطين إلى مختبر بشري، حصرنا المكان والسكان في أضيق حيز جغرافي ممكن لضبط عمليات الاختبار والصهر، شرذمنا السكان في وحدات ومعازل مفصولة ونهبنا الأراضي وتوسعنا في الاستيطان والضم، وكل ذلك لتسهيل عملية السيطرة وضبط نتائج وتحاليل مختبر فلسطين العالمي لصناعة الرفاهية والسعادة وإخفاء أي مظهر للاحتلال.
نحن القوى العظمى ،علماء النفس وعلماء الاقتصاد، وعلماء الأعصاب، ورجال الاقتصاد، ورجال الأعمال والبنوك والشركات والمستثمرين، الدول المانحة، رجال الاستخبارات التجاريين، خبراء العلوم السيكولوجية، والمقاولين والسماسرة، وانطلاقاً من صفقة القرن والمشروع الأمريكي وللتجربة الطويلة وجدنا استمرار السيطرة على الشعوب والمقدرات لم يعد بنفس النمطية التقليدية بالاستعمار والقوة، فهذا يولد ويفجر الثورات والانتفاضات والانتقادات العالمية، وإنما بالسيطرة المتأنية على إدارة المجتمع من خلال البرمجة والمراقبة والملاحظة العملية للعقل والجسد والغرائز، وإقناع البشر ان الهدف هو الوصول إلى السعادة والرفاهية، وان المال أهم من حق تقرير المصير والحقوق القومية، وانه بالإمكان الوصول إلى الدافعية و الإشباع وتغيير الافضليات وتجديد المياه في الرؤوس وحشر الثورة في المختبر وتذويبها إلى عناصر جديدة، المال قادر على تبييض الاحتلال كما تقول مفرزات مختبرنا العالمي.
ان مختبرنا لصناعة السعادة والرفاهية يسعى إلى وضع مشروع فكري سياسي تقتحم من خلاله صناعة السعادة قلعة إدارة الاقتصاد العالمي، تخرج عالم الانفعالات والذكريات والرغبات غير المرئية إلى حيز الرؤية مرتبطاً بالسوق الحرة، وإخضاع الكيانات النفسية لقوانين رياضيه بحيث يعامل العقل باعتباره آلة حاسبة وعداد للمتعة والألم، واستندنا إلى نتائج المنتدى الاقتصادي العالمي الذي وضع آليات لعرقلة أو شطب ومحو الذكريات والأفكار وتحويرها بما يرتبط بالمصالح والمنافع التي تحدد أنماط الحياة المطلوبة.
نحن عمداء مختبر فلسطين العالمي لصناعة السعادة والرفاهية، أهلا بكم في ورشة البحرين الاقتصادية من اجل الرخاء الذي يحقق السلام والأمن، فالتنمية الاقتصادية تستطيع ان تحدث التحول السياسي، لا قيمة للمشاعر القومية ولا للشرعيات الدولية والمطالب السياسية، فالثورة يمكن إخمادها وتحويل الشعب الفلسطيني إلى مجرد مستهلكين مبتسمين مكتفين بما نزرع في أفواههم من طعام وفي حساباتهم من أموال، وهذه النتائج لم تأت من فراغ، فقد اشتغلنا كثيراً على الشعب الفلسطيني وأغرقناه في الهموم الشخصية والمادية، فرضنا عليه الأمر الواقع وسياسة التكيف والتدجين، شطبنا من عقله شعاراته الكبرى، صار الخلاص الفردي هو السبيل الوحيد، فالسعادة لم تعد هي العدالة والحق والكرامة والاستقلال وفق تحليلات مختبرنا العالمي، وإنما تحويل فلسطين إلى سوق ومصانع واستثمارات للشركات والمقاولين وأصحاب المصالح الذين عملنا على إنتاجهم وخلقهم كقوة مؤثرة لتمرير السعادة واستبدال مرجعية عملية السلام من الشرعية الدولية إلى الوعود المالية.
المختبر العالمي لفلسطين لصناعة الرفاهية والسعادة يعمل كجهاز استشعار رحب، وقد التقط الملايين من رغبات الأفراد وآرائهم وقيمهم واخضعها إلى التحقيق الرياضي وحولها إلى أسعار، واختزل كل المفاهيم السابقة الأخلاقية والسياسية إلى حسابات عددية، وقد اعتمدنا على التحكم في شدة الألم ومسارات اللذة وراقبنا التحديث في حركة الذات المكممة للشعب الفلسطيني على مدار سنوات، ومع تراكم الأدلة الإحصائية والتحولات نما حقل اقتصاديات السعادة بعد ان حفرنا عميقاً فيزيائياً داخل الدماغ الفلسطيني بعد رصد كل التقلبات التي طرأت على عقول ومشاعر وأدمغة هذا الشعب وتوقعها ومعالجتها وتصورها والتنبؤ بها تحت شعار تحسين المجتمع وجعل الشعب الفلسطيني أكثر سعادة، وذلك بتلاعبنا بسلوك الناس وإخضاعهم لمجموعة من التصورات النفعية والبيولوجية والسلوكية وزجها في حسابات الكفاءة الاقتصادية.
أهلا بكم في مختبر فلسطين العالمي لصناعة الرفاهية والسعادة، خبراؤنا سيطرحون مشروع السلام الاقتصادي، ويستطيعون تحديد سعر نقدي لمشكلة البؤس والاضطهاد والحرية، انه علم جديد، خصخصة الحرية وتقليم المشاعر القومية والوطنية إلى أقصى حد، فالسجان غير مرئي، والهم الجماعي تحول إلى هم فردي، ما كان غير طبيعي صار طبيعياً، الوطنية سوق ومراكز قوى ومصالح، وقد استطاع خبراؤنا قراءة رموز الشيفرة الفلسطينية، كثفنا الضغط والقوانين والقرصنة وزدنا حجم الألم لنبرز بعد ذلك جزرة اللذة أمام الشعب الفلسطيني، انها تقنيات وجدت من دعمها واستمرأها وأصبح من الصعب بعد المأسسة الجغرافية والوجدانية العودة إلى الوراء، انها الطريق إلى التخلص من الضغوط والمعاناة وفتح أبواب السعادة والرفاهية والسلام.
اعتقدنا نحن عمداء المختبر البشري اننا نملك القدرة على تحويل الكائن الحي الى جثمان او رقم ومن ثم الى سلعة او مجرد شيء، وانه عندما تفتح ابواب المال والمشاريع تضيع الكرامة ويستسلم الناس ويصلون الى قناعة استحالة مقاومة الوضع، واكتشفنا اننا كنا واهمين بتطبيق نظريات الاغراء والتهذيب والطاعة على هذا الشعب بعد ان قيدناه بسلاسل اقوى من سلاسل الحديد وهي المصلحة والمال والتجويع واضمحلال المطامح واغلاق الافاق، فهذا الشعب رفض ان يتحول الى عبيد، ولم نجد فيه ذلك الحب والشعور بالرفاهية كما وجده بطل رواية 1984 لاورويل حبه للطاغية الذي كان مصدر عذاباته كلها باعتقاده ان هذا الطاغية يسيطر على الحقيقة والمستقبل من خلال سيطرته على عقول الناس.
أهلا بكم في مختبر فلسطين العالمي لصناعة الرفاهية والسعادة في البحرين ، سنحاول ان نتجاوز الإرباكات التي جرت على حساباتنا ومعادلاتنا السابقة، هناك دم، هناك أسرى، هناك شهداء، هناك جرحى، هناك بيوت مهدومة، هناك أراضي مصادرة، هناك موقف فلسطيني يرفض الاستسلام والخضوع أدى إلى تعطيل الماكينات والتقنيات لمختبرنا البشري، هناك صوت خارج التوقعات والبيانات، صوت الكرامة والإرادة التي لا تباع ولا تشترى ولم تدخل في الاعتبارات والإعدادات التي قمنا بها، شعب يجوع ويموت ويعرى ولا يساوم، هناك صوت مختلف صوت تحول إلى غضب وحركة وقلب كل أدوات القياس.
في داخل المختبر وفي البحرين سمعنا صوت فلسطيني يقول:
لا تسقني كأس الحياة بذلة
بل اسقني بالعز كأس الحنظل.