الكاتب: السفير منجد صالح
"الجهبذ" كوشنير يتوجّه للفلسطينيين. يوم 25 حزيران. في خطابه في إفتتاح، في "فتح"، في "خرق"، في "خرم"، في "تبشيم خازوق"، في "فضّ بكارة" ورشة المنامة. "النايمة"، الغارقة، في مستنقع البحرين الآسن. من وراء ظهر الكل الفلسطيني، القيادة والفصائل ومُنظّمات المجتمع المدني. الرافضين لها، "ولسمنها وعسلها وبصلها". وحتى من وراء ظهر الشعب الفلسطيني نفسه، ذاته، بلحمه وشحمه ودمه!! الرافض لها، المقاوم لها، والقابض على الجمر في سبيل تفادي نارها وآثارها.
يُخاطب كُوشنير الشعب الفلسطيني، مباشرة. "بكل ودّ وحنان". "خوش بوش". "من صديق لصديق"!! ويعدهم. ويُبشّرهم. ويؤكد لهم. "ويُزيّن لهم". "ويزرع لهم البحر مكاثي". ويبني لهم قصورا من هباء في الهواء، في الفضاء الفسيح. جبالا من الزبد. منتجعات من السراب في الصحراء.
ويحلف لهم أغلظ الأيمان. الأيمان الغليظة والرفيعة، المعوجّة والمستقيمة، المتشابكة والمتقاطعة، الطويلة والقصيرة: "بأن الرئيس ترامب لن يتخلّى عن الشعب الفلسطيني"؟؟!! ما شاء الله!!! زغردي يا نساء الشام والعراق، لهذا النبأ السار، لهذه البشرى السعيدة، لهذا الوفاء الغامر!!!
هزُلت والله العظيم هزُلت!!! يعني، وبعزّة الله وجلال قدره. "الولد" كوشنير وحماه "الترنيب" ترامب، ما "بدهم" إلّا "شبّة وخرزة زرقاء"، يُعلّقونها في رقابهم، وعلى صدورهم، بحسب القول الفلسطيني المأثور، والحكمة الفلسطينيّة المأثورة والعريقة. "حتى لا يُصيبهما أحد بالعين". يعني بالحسد.
هزُلت والله هزُلت. وهل سيُصدّق أحد، أنّ الذئب سيقدم للحمل، قُفّة مليئة "بالتبن والبرسيم والشعير والكرّسنّة"؟؟ حتى يأكلها ويعيش حياة رغيدة طويلة مديدة. يسرح الحملُ ويمرح بين الذئاب والنمور والضباع!! أم أنّه سيقدم له "حبوبا مخدّرة"، حتى يلتهمه، بسهولة وسلاسة، دون أن يلقى مقاومة تُذكر من الحمل، المتخم بالوهم والسراب. حتى لا يُعكّر صفو إستمتاعه بقضم فريسته.
هزُلت والله هزّلت. ترامب وكوشنير يخترعان، إختلاقا، حلا،"إبداعيّا خلّاقا"، للقضية الفلسطينية. مضى عليها واحد وسبعين عاما. إخترعتها وإختلقتها وصنعتها أصلا القوى الإستعمارية الكبرى، بريطانيا وفرنسا، ولاحقا الولايات المتحدة، ذاتها.
منذ "وعد بلفور". منذ قرار تقسيم فلسطين الظالم الجائر، رقم 181 لعام 1947 في الأمم المتحدة في نيويورك. وإحتلال عصابات الهاغانا وشتيرن والأرغون، المدرّبة والمُسلّحة بريطانيّا، "للدولة" المخصصة لهم، وفوقها "على البيعة" نصف أراضي الدولة المخصصة للفلسطينين. إذ لم يتبقّى للفلسطينيين، والحالة هذه، عام 1948، سوى 22% من أرض فلسطين التاريخية، إحتلّتها إسرائيل في عدوان حرب عام 67. وما زالت تحتلّها بكل صفاقة وعدوانيّة وجبروت.
ويعمل الذئب ترامب وصهرة الثعلب جاريد كوشنير، جاهدين، كي يُقدّما، ما تبقّى من القضية، ما تبقّى من الأرض، على طبق من ذهب، لنتنياهو وغلاة مستوطنيه، "مقابل حفنة من الدولارات". تدفعها، "خاوة" ممالك العُربان. على مبدأ المثل القائل "من دهنه قلّليله". بالمداهنة والبلطجة وفوّهات البنادق والمسدّسات. تماما كما يحدث في أفلام الويستيرن والكاوبوي، التي يُجيد الأمريكان تمويلها وتمثيلها وإنتاجها وإخراجها، في إستوديوهات هوليود.
ألم يُبيد الروّاد الأوائل الأمريكان، أجداد ترامب وكوشنير، شعب الهنود الحمر "المسالم المسكين"؟؟!! مواطني أمريكا الأصليين. وإستولوا على أرضهم ومقدّراتهم. وحصروهم في معازل و"غيتوات" و"حظائر"، كما لو أنّهم ليسوا بشرا. وإقتطعوا وإستولوا، بالمداهنة والحديد والنار، على نصف أراضي مساحة المكسيك: "كاليفورنيا وتكساس وفلوريدا"، وحتى الحدود مع كندا. تحت إدّعاء "الذهاب غربا والبحث عن الذهب".
الآن غيروا الإتجاه. هم يستمرّون في "التموّضع" "والتمسّمر"، والتمتّرس شرقا، في شرقنا "الساذج"، للإستيلاء على كامل، وكل نقطة، من الذهب الأسود، من السكّان الأصليين، "العرب الحُمر".
إخترعوا الإستعمار والإنتداب والتقسيم والإحتلال. زرعوا وأنبتوا شجرة عوسج غريبة، مليئة بالأشواك. "فبركوا لها دولة على مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، المُضلّله المُزيّفة الزائفة. بالحديد والنار وبالمجازر والقتل والتشريد والترحيل. ودعموا الدولة الغازية المُحتلة بالمال والسلاح والحماية.
والآن يريدون "فصفصة عظام" القضية الفلسطينيّة، ما تبقّى من هذه القضيّة. من خلال مقايضتها، في سوق النخاسة، ب"قُفّة" من "وسخ اليدين"، من المال المنهوب، المسروق، المسموم.
هل حُلّت مسألة "الهند الصينية"، الإستعمار الفرنسي لفيتنام بحفنة من الفرنكات الفرنسية، أو حفنة من الدولارات؟؟!! المسألة حُلّت في معركة "ديان بيان فو"، عام 1954، حيث إنتصرت فيتنام بقيادة الجنرال "جياب" على المستعمر الفرنسي، وكنسته من أراضيها.
كما كنست فيتنام ذاتها، وجيش التحرير الشعبي الفيتنامي الشمالي، بقيادة نفس الجنرال جياب، وثوّار الفيتكونغ، ثوّار فيتنام الجنوبية، الرازحة تحت الإحتلال الأمريكي، كنسوا القوّات الأمريكية وإدارة الإحتلال الأمريكي من سايغون. وهرب السفير الأمريكي وجلا، على عجل، وفي آخر لحظة، بطائرة هليوكبتر، من على سطح سفارة أمريكا، في سايغون، عام 1975.
إكتسحها الجيش الفيتنامي المظفّر. وحوّلوا إسمها من سايغون الى "هوشي منه"، عاصمة للبلاد المُحرّرة، على إسم زعيم وقائد الثورة الفيتناميّة، هوشي منه. الملقّب تحبّبا، "بالعم هو".
وهل طرد الفرنسيون الإحتلال النازي البغيض، في الحرب العالمية الثانية، عبر ورشة عمل؟! أم عبر النضال وحرب العصابات، بقيادة الجنرال شارل ديغول. بالرغم من وجود حكومة فيشي الفرنسية. هادنت النازيين وتساوقت معهم، خوفا على باريس ومعالمها من التدمير.
وهل بحث صلاح الدين الايوبي عن "صفقة خضراء أو حمراء" مع الملك ريتشارد الأول، "قلب الأسد"، ملك إنجلترا. من أجل تحرير بيت المقدس. وكنس آثار أقدام الصليبيين الاوروبيين الغزاة. اللذين إعتدوا علينا تحت حُجّة "حماية الصليب".
ومن يحمي الصليب غيرنا؟؟ الصليب صنعوه لتعذيب وصلب إبننا "الفلسطيني الاول"، عيسى إبن مريم، يسوع الناصري. نحن الأغيار على إرث عيسى. نحن حماة كنيسة القيامة وحافظي مفاتيحها. حماة كنيسة المهد. نحافظ عليها كما نحافظ على المسجد الاقصى، وعلى مسجد عقبة إبن نافع، في القيروان.
في بلادنا يتعانق الصليب مع الهلال. يمتزج صوت الآذان من مآذن المساجد مع صوت أجراس الكنائس.
نحن الذين نساوي بين الأنبياء والرُسل جميعا. وبين الأديان والشعوب. لا نُفرّق بين عربي ولا أعجمي، ولا بين أبيض ولا أسود، إلّا بالتقوى. وأنّ أول مؤذّن في الإسلام، وأّوّل من إعتلى الكعبة المشرّفة. كان بلال إبن رباح، أسود البشرة، أبيض الخلق والسيرة والإيمان.
"حماة الصليب الجدد". المحافظون الجدد. إختراع عنصري سياسي، إختراع صهيوني، فوقي، أبيض، بغيض. إمتداد لعصابت "الكو كوس كلان" التي روّعت زنوج أمريكا وقتلتهم في ديارهم وفي مزارعهم ومزارع مستعبديهم البيض.
هل قايض أبراهام لينكولن سعيه وقضيّته وحربه "الحرب الاهلية الأمريكية"، بين الشمال والجنوب، في سبيل تحرير العبيد وإلغاء العبودية، "بحفنة من الدولارات"، "رشوة" من الإقطاعيين الجنوبيين، الذين تمسّكوا بالعبيد والعبودية، من أجل مآربهم الخاصة، ومن أجل آلاف هكتاراتهم من الأراضي، مستعبدين السود في حرثها وزرعها وجني محاصيلها.
وهل قايض قبله جورج واشنطن إستقلال أمريكا، عن أمّها، بريطانيا العظمى، عن طريق "ورشة عمل ومال"، ألقى لهم فيها المستعمر البريطاني "حفنة من الدولارات"، كي يتخلّوا عن جيناتهم وعن مسامات جلودهم، المتعطّشة لنيل التحرر والإسقلال.
هل قبل السلطان العثماني عبد الحميد إغراءات تيودور هيرتزل، وماله "و نيراته وعصملّاته ومجيداته الذهبية"، من أجل التنازل عن فلسطين لليهود؟؟
وهل سيقبل "أعراب اليوم"، من حفيد هيرتزل، كوشنير، ما لم يقبله السلطان عبد الحميد من جدّه، مؤسس الصهيونية. ويسلّموا فلسطين لنتنياهو، على راحة أكفّهم. ويدفعون من جيوبهم الخاصة "أجرة الشحن والنقل والتحميل والتنزيل".
لماذا يُريدون أن بُلبسونا نحن، نحن بالذات، نحن فقط، ثوبا من "الخيش"؟! لم يقبل شعب على مدى التاريخ من لبسه. ثوب من بوص القصب لا يستُر عوراتنا، ويجعلُنا "فُرجة" أمام خلق الله والناس.
وهل ظهورنا نحن لا تُشبه ظهور باقي خلق الله من البشر والناس؟! هل ظهورنا مسطّحة، سهليّة، سهلة، أما ظهورهم فهي بارزة، جبليّة، صعبة؟؟!!
أمريكا وإسرائيل لا تحملان أي خير للشعب الفلسطيني ولا للأمتين العربية والإسلاميّة. فأمريكا وإسرائيل لا تعرفان ولا تُتّقنان إلّا الأخذ والقضم والبلع. التوسّع والضم. لا تعرفان العطاء ولا المشاركة ولا الشراكة.
كل ما تقدّمه أمريكا وإسرائيل للفلسطينيين لا يعدو أن يكون سرابا وكذبا وخداعا. فالأمريكان ينهبون النفط والغاز من صحاري وبوادي وفيافي العرب. ويوزّعون السراب والوهم والزبد على الفلسطينيين. في الوقت الذي يُتخمون فيه عبّ نتنياهو بالمال والسلاح وطائرات ال إف 35 الحديثة المتطوّرة. يحرصون على أمن إسرائيل. يحرصون على تفوّق إسرائيل العسكري على الأمّة العربية والأمّة الإسلامية، جمعاء، وحتى حدود روسيا والصين.
يحرصون على أن تتدثّر إسرائيل بمئة رداء من القنابل النوويّة، في الوقت الذي يقيمون الدنيا ولا يُقعدونها، ويُحرّكون أساطيلهم، وجيوشهم المجوّقلة من أجل مراقبة دولة في المنطقة، إيران. يشكّون في أن لديها برنامجا نوويا سرّيا.
وهل إستخدمت دولة السلاح النووي، منذ إختراعه، غير الولايات المتحدة، بعينها. وبأيدي طيّاريها. أعطى الرئيس ترومان تعليماته بقصف هيروشيما وناغازاكي اليابانيّيتين بالقنابل النووية، في نهاية الحرب العالمية الثانية. وقتلت القنبلتين أكثر من 80 ألف ياباني مدني مسالم، دفعة واحدة. ودفعت اليابان للإستسلام وإنهاء الحرب.
وما زالت جزمات القوّات الأمريكية، منذ ذلك الوقت، حتى يومنا هذا، "تسرح وتمرح" في الأراضي اليابانية. وكذلك فوق الأراضي الألمانية.
هل الأتراك والإيرانيّون والماليزيون والإندنيسيون أكثر غيرة وحرصا على فلسطين، وشعب فلسطين المكافح المجاهد، وعلى الاقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، من بعض من العرب أبناء جلدتنا وناطقي لُغتنا، لُغة الضاد؟!
الى متى سيبقى بعض العرب يسبحون ويعومون ويغطسون، مُغمضي العيون، في بحور من النفط والغاز، في بحور من الدبس والعسل؟ يمخر فيها قارب أمريكي، يقوده رُبّان أمريكي، لئيم متغطّرس، لا يُقيم وزنا ولا إعتبارا لهم. لا يحترم بحورهم ولا آبار نفطهم ولا مضارب خيامهم ولا شيوخ وزعماء قبائلهم.
يُغرقونهم في آبار وبحيرات نفطهم. ويُريدون أن يُغرقوا الشعب الفلسطيني في آبار من الوهم والسراب "والدجل" السافر المكشوف.
الشعب الفلسطيني لا يكترث بمالهم. لا بمال ترامب، ولا بمال كوشنير، ولا بمال إيفانكا. ليس بحاجة الى دولاراتهم وملايّنهم وملياراتهم المسمومة النتنة. جينات الشعب الفلسطيني ومسامات جلده متعطّشة لنسمات مياه البحر الابيض المتوسّط، نسمات شواطيء يافا وعكّا وحيفا. تهب عليه، عليلة، منعشة، محمّلة ببشائر التحرر والحريّة والإستقلال.