الكاتب: سميح فرج
في يوم ما، ارتطمَت طالبة جامعية بزجاج أحد الأبواب الداخلية في الجامعة، سمعتُ صوت الزجاج ولم أسمع صوت الفتاة، وفي يوم آخر ارتطمَت فتاة أخرى، ومرة أخرى، سمعتُ صوت الزجاج ولم أسمع صوت الفتاة، وتذكرْت أني ذات يوم ارتطمتُ بزجاج الباب أثناء خروجي من عيادة طبيب الأسنان في بيت لحم، وفوراً حضرني صوت الزجاج في ارتطامات الفتاة الأولى والثانية والعاشرة وما انفك الصوت يتدحرج في المرايا الزجاجية وغير الزجاجية. تظاهرتُ بأن الأمر بسيط مثل قَرصة أو لَسعَة صغيرة وحميمة، ولعلها تلتمع عندما تستيقظ الذكريات، وخرجت مسرعاً وكانت يدي تتلمس وتكاد تقول، واعتمدتُ شارعاً معتدلاً أو لعله يخفت أحياناً فيه حضور العابرين، وكان الدم يسيل خفيفاً وربما متسامحاً، وكنت أتبدى بأنني لست جزءاً من الحدث في ذلك الزمن، عاتبت نفسي وقلت هذا ثمن الإغراقات الوسيمة والباهظة، فهناك إغراقات جديرة بالذهاب إلى عوالمها، ولا أقول هنا بالإنحياز لها أو بالتساوق مع أمدائها ولكن بضرورة الوقوف عندها وتلمّس غرائبياتها الثرّة المدهشة، ومنحها فرصة المكاشفات الجريئة والعميقة والتي لا يمسك بمكنوناتها المتفردة إلا الصفوة واصحاب الأحزان المضيئة وربما الإنتشاءات الكبرى، ولعلي أؤمن بأن هناك مساحة حاضرة بين الرؤية وجغرافيّة الجسد دائماً، ولكنها قد تضيق أو تتسع، وعلينا أن نعترف بحقيقة أن تكون حالمِاً ومرهَفاً يعني أن تكون دقيقاً إلى حد الصرامة الخالصة في معظم الأحايين.