نشر بتاريخ: 03/07/2019 ( آخر تحديث: 03/07/2019 الساعة: 10:03 )
الكاتب: السفير منجد صالح
في الجغرافيا السياسيّة (الجيوبوليتيكس)، يُقال أنّه يمكن أن تكون هناك دولة صغيرة، ثانوية، تكتسي أهمية كبيرة، ربما إستثنائية، في مرحلة ما. نتيجة لموقعها الجغرافي. نتيجة لتغييرات وتحوّلات على مستوى الإقليم ومستوى العالم.
مثال على ذلك مدينة عدن اليمنيّة ومينائها وخليجها، أيّام الإتحاد السوفييتي. أيّام تواجد قطع من الأسطول السوفييتي وبحريته فيها.
كانت عدن، حينذاك، تكتسي أهمية إستراتيجية بالغة، على مستوى العالم، كونها قاعدة ومركزا للأسطول السوفييتي، أيام الحرب الباردة، بين المعسكر الشرقي، بزعامة الإتحاد السوفييتي، وبين المعسكر الغربي، بزعامة الولايات المتحدة. بين حلف وارسو وحلف شمال الاطلسي.
بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي وإنكفاء قطع بحريّته الى داخل الموانيء الروسية والبحور الداخلية، رجعت عدن الى سابق عهدها. ميناء صغيرا ذو أهمية متواضعة، بالكاد يصطاد منه السبّاحون والغطّاسون المهرة أصداف اللؤلؤ.
وإنهارت جمهورية اليمن "الديمقراطية"، التي بناها "الرفاق"، الذين تتلمذوا في الإتحاد السوفييتي. وشربوا من حليب البقر وأكلوا "الكافيار" الروسي الشهير.
ما لبثت الخلافات أن دبّت بين الرفاق "الإشتراكيين"، في بداية الثمانينات من القرن الماضي. "ودبكت" بينهم. بين أجنحة الحزب الحاكم. جماعة علي ناصر وجماعة عبد الفتّاح إسماعيل وجماعة علي سالم البيض. و"فرطوا" الجيش الذي تدرّب ضباطه في موسكو. واعادوا "تركيبه" على أساس قبلي. وشربوا من "حليب النوق". ونحروا بعضهم البعض على الهوية وعلى الإنتماء القبلي.
مثال آخر على ذلك، غوانتانمو، القاعدة البرية البحرية الأمريكية، في المؤخّرة الجنوبية لجزيرة كوبا الهادئة الوادعة. أستأجرتها الولايات المتحدة، عام 1901، لمدة 99 عاما، من الحكومة الكوبية حينذاك. على أن تُسلّمها عام 2000، لكن الولايات المتحدة رفضت تسليمها. وتستمر في "إستئجارها" بالقوة، وبفوّهات البنادق، حتى يومنا هذا.
لو سلّمت الولايات المتحدة قاعدة غوانتانمو، سيئة السمعة والصيت، بسجنها القاسي المقيت. تحتجز فيه الولايات المتحدة سجناء ومخطوفين، من عدة دول، ولأسباب متعددة. لعادت القاعدة وأرضها لتكون كسابق عهدها، أرضا كوبية عادية متواضعة.
ربما ميناء لصيد الأسماك والمحاريات، الشهية المميّزة، التي تشتهر بها جزيرة كوبا وشواطئها. ولعادت غوانتانمو الى عهدها ومجدها كونها مسقط رأس الأغنية الإسبانية اللاتينية الأشهر: "غوانتانميرا، .. غواهيرا غوانتانميرا". يُغنّيها شباب أمريكا اللاتينية، على الغيتار، في شوارع باريس وروما ومدريد.
المثال الأحدث، المثال "الطازج"، هي مملكة البحرين. الصغيرة، في الخليج العربي. "إلّي ما في حدا مخيّط بمسلتها".هذه المملكة، تحوّلت، قبل عدة سنوات من إمارة الى مملكة. هي أصغر دولة عربية. إذ تبلغ مساحتها أقل من ثلاثة أضعاف مساحة قطاع غزة المحاصر، تقريبا. وعدد سكانها مليون نسمة ونيّف، أي نصف عدد سكان قطاع غزة المُحاصر، تقريبا. منهم أقل من نصفهم من السكان البحرينيين، المواطنين، أي كعدد سكان محافظة الخليل، تقريبا.. والبقية مزيج من العرب والآسويين والأفارقة والأوروبيين.
أمّا طبيعتها الجغرافية فهي عبارة عن أرخبيل من الجزر الطبيعية والصناعية، مع تواصل جغرافي باليابسة بشريط ضيّق. وهي أراضي منبسطة، "منبطحة". أعلى قمة فيها، أو ربما أعلى هضبة فيها، يبلغ إرتفاعها 134 مترا عن سطح البحر. وتدعى "جبل الدخان".
تاريخيّا تُعتبر البحرين وكأنها "الزائدة الدودية" (الأبنديكس) للسعودية. وهو ليس تعبيرا سلبيا وإنما وصف حال ليس إلا. ويقال، والعهدة على الراوي، أن السعوديّين يستخدمونها كمنتجع نهاية الأسبوع. يذهبون إليها "لتونيس حياتهم"، كما يقول التعبير العراقي المشهور.
المهم، أن مملكة البحرين، "صعد نجمها في كبد السماء"، في الأيام الماضية. وأصبحت علما مُرفرفا خفّاقا في الأخبار. بل أشهر من نار على علم. "تتمايل"، "طربا ونشوة"، على صدر شاشات القنوات التلفزية، العربية والأجنبية. وفي مقدمة الإفتتاحيّات للجرائد والمجلّات.
وفي لبّ هذا "النجم الساطع"، سطع "قمران": جاريد كوشنير، والشيخ خالد بن أحمد آل ثاني، وزير خارجية البحرين "المُبجّل". ولكن كل واحد منهما من زاوية محدّدة.
كوشنير كان فارس "خيّال" مهرة "ورشة المنامة الإقتصادية"، التي عقدها الأمريكان "بروفة" لتمرير "صفقة القرن". مع أن صفقة القرن مرّت "من زمان". وإنما كانت "رشوة" لمن يستمر في الركوب في قارب صفقة القرن.
أمريكا أعطت تعليماتها الواضحة والأكيدة والحازمة والقاطعة لكل الدول "إلّي بيمونوا عليها" للحضور. وحضرت "طوعا وعن طيب خاطر"؟؟!! فلسطين ولبنان والكويت ليست من بين تلك الدول "لمُطيعة". كوشنير ومن ورائه ترامب، تلميذان نجيبان على مقاعد الدراسة في مدرسة الأستاذ نتنياهو. "يأمر فيُطاع". لأن نتنياهو يتدثّر برداء الحركة الصهيونية العالمية، والوكالة اليهودية، واللوبي اليهودي الأمريكي "الأيباك"، وعائلتي روتشيلد وروكفلر، اللتان تعتبران العالم "مزرعة لهما".
كوشنير "صال وجال" و"وزّع المؤن" على المستفيدين. كلّ حسب أهميّته، والى أي حد يمكن أن يصل في "نزع بنطاله ولباسه الداخلي"؟؟!! والأموال جاهزة وحاضرة، وفي متناول اليد. فجيوب العرب الخليجيين متخمة بالمال، وأيادي كوشنير وترامب "خفيفة"، وخبيرة في "تشليح" هذه الجيوب، وتمزيقها بعد "نهبها".
والغريب، يا سادة يا كرام، أن حبر وثائق ورشة المنامة لم يجف بعد، وصدى رنين ملياراتها ما زال يُدوّي في الصحراء العربية، إلا ورفض نتنياهو وبعض من جوقة وزرائه أول بند في خطة كوشنير، الا وهو "الممر الواصل بين غزة والضفة، وسكة الحديد". والذي رُصد له خمسة مليارت دولار. تحت "يافطة" أنّه غير عملي وغير مُجدي؟؟!! وأنّهم "مُستغربين مُتعجّبين" كيف أن "كوشنيرهم" يقترح مثل هكذا إقتراح.
نتنياهو يرقص يوميا، على أنغام صوت "الطبلة والمزمار"، على وقع تشجيع الإنقسام الفلسطيني، بين غزة والضفة، وتغذيته وصب مزيد من "البنزين" على ناره.
إذن الموضوع لا يعدو أن يكون "مسرحية لاعبيني على دلالي". وأن "المخرج نتنياهو" "سيُمنتج" مخرجات الورشة و"يُغربلها"، حسب وحيث ما تهبّ وتميل "رياح إسرائيل". "إسرائيل وبس والباقي خس؟؟!!"
ومن أولى "ثمار" ورشة البحرين، "إفتتاح" النفق الإسرائيلي تحت أحياء ومرافق القدس العربية، الإسلامية المسيحيّة. حيث "فتح" سفير الولايات المتّحدة في إسرائيل، "مستر فريدمان"، بالمطرقة الثقيلة بيدة، آخر مرحلة من النفق، يرافقة "المبعوث النزيه" مستر غرينبلات، و"المهدّة" الثقيلة في يده أيضا. ترافقهما "غيفيرت، مسيز سارة"، زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي، والمطرقة في يدها أيضا. ثلاثتُهم والمطارق في أيديهم ينتهكون أرض القدس، على عمق ثلاثين مترا. هل هذا ما تُبشّرنا به ورشة المنامة وصانعيها ومموّليها؟؟!!
القمر الثاني، المُتلألأ، في سماء زُرقة بحر ورشة المنامة، وزير خارجية المملكة، الشيخ خالد بن أحمد آل ثاني. مكتشف موضوع، "أنّه ليس كل من هم حول إسرائيل من الأعداء". "وأن إسرائيل وجدت لتبقى". "وأنّ ورشة المنامة توازي في أهميتها مؤتمر كامب ديفيد"؟؟!!
"لله درُّك" يا معالي الوزير. هل نحن الشعب الفلسطيني، والشعب المصري، والشعب اللبناني، والشعب الأردني والشعب السوري، من الأعداء؟؟!! فنحن من نحيط بإسرائيل، حسب وصفك وتعبيرك. لكن الحقيقة والواقع هي ان إسرائيل هي من تُحيط بنا، وتُحوّطنا وتحاصرنا، وتقتُلنا، في دير ياسين وكفر قاسم وقانا الاولى وقانا الثانية، ومدرسة بحر البقر، وفي الاغوار، وفي دمشق ومحيطها.
هل نحن ذهبنا الى بولندا والى روسيا والى رومانيا والى أكرانيا لملاحقة "اليهود" وإحتلالهم، في "عقر دارهم"، أم هم من أتوا إلينا، متدثرين برداء الصهاينة، مسلّحين بالبارودة الإنجليزية، وشرعوا في قتلنا والإستيلاء على أرضنا ومياهنا، وعلى مسامات أجسادنا، على ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.
أنت لا تعرف الصهاينة، يا معالي الوزير. ولا تعرف ألاعيبهم، "وخندزاتهم" وسمسراتهم، وعدوانيّتهم. وعقليّتهم التوسّعية. يُظهرون ما لا يُبطنون. "يأخذونك على البحر ويُعودون بك عطشانا".
نحن نقدّر شعب البحرين الشقيق. الذي رفض الورشة والصفقة. ونتمنّى له التتقدّم والإزدهار. ونتمنّى له أن يبقى بعيدا عن أصابع الأمريكان والصهاينة. فإنهم لم يغرسوا أصابعهم في أرض إلا وخرّبوها، وجعلوها خاوية على عروشها.
حمى الله شعب البحرين، ومملكة البحرين الصغيرة، وأن لا يُركّبوا لها قرونا كبيرة لا تُطيقها.
الجنرال محمد ضياء الحق، رئيس باكستان الراحل. إنقلب على رئيس الوزراء "ذو الفقار علي بوتو"، والد بينازير بوتو، التي إغتيلت عندما كانت رئيسة للوزراء. كان الجنرال ضياء الحق رجل أمريكا في باكستان. وأصرّ على محاكمة ذو الفقار وإعدامه رغم تدخلات دولية متعددة.
الجنرال الذي حكم باكستان 12 عاما، خرج بالنتيجة والحكمة التالية، قيلت على لسانه: "إنّ من يتعامل مع واشنطن، كمن يتعامل في تجارة الفحم، لن يناله سوى سواد الوجه واليدين".
والحكمة تقول للوزير الشيخ آل ثاني: "إنّ من يتعامل ويتعاون مع واشنطن، ويتسابق "كالصاروخ" في التطبيع مع تل أبيب، لن ينال سوى سواد الوجه واليدين"!!