الثلاثاء: 04/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

اقتصاد المستعمرات وفلسطين: قراءة أخرى لسياقات ورشة البحرين

نشر بتاريخ: 06/07/2019 ( آخر تحديث: 06/07/2019 الساعة: 20:38 )

الكاتب: وليد سالم

تجري منذ بدء ترامب لرئاسته عمليتان متكاملتان : الأولى هي عملية حصار اقتصادي للسلطة الفلسطينية ووقف المعونات الأمريكية لها، وتحويل أموال المقاصة التي تجبيها اسرائيل لها. وفي المقابل تجري عملية ثانية لتنمية الاقتصاد السياسي للمستوطنات الاستعمارية كما سماه د. إمطانس شحادة في بحث له نشرته مؤسسة مدار في رام الله عام ٢٠١٣، وتطرح مشاريع للسيطرة على المناطق الأثرية الفلسطينية وتحويلها الى مواقع سياحية تحت إدارة المستعمرات الاستيطانية، ويطرح نير بركات مشروعه لإنشاء مناطق صناعية في المستعمرات لتشغل المزيد من العمال الفلسطينيين وتستغلهم فيها ، وكأنه يقول أن حل الضائقة الاقتصادية الفلسطينية هي بيد اسرائيل، فيما أن حقيقة ما طرحه لا يتجاوز استغلال الضائقة الفلسطينية لبناء اقتصاد المستعمرات من خلال زيادة العمالة الفلسطينية المحتاجة فيه، لجعله قادرا على احتواء الاقتصاد الفلسطيني وللتمدد نحو التصدير للمنطقة العربية كما فعل اقتصاد المستوطنات الاستعمارية في فلسطين في الثلاثينيات من القرن الماضي حيث كان يصدر للعالم العربي كما أشار لذلك فضل النقيب في كتاب له في التسعينيات من القرن الماضي.
في ضوء هاتين العمليتين لم يكن صدفة أن يشكل ديفيد فريدمان غرفة تجارية صناعية مشتركة بين بعض رجال الأعمال الفلسطينيين والمستوطنين المستعمرين ، ولم يكن صدفة أن يدعى اقطاب هذه الغرفة المشتركة الى ورشة البحرين، ولم يكن صدفة أن تناقش الورشة مشاريعا استثمارية فلسطينية اسرائيلية مشتركة ، فيما المقصود فعليا هو مشاريع يديرها المستوطنون المستعمرون من اجل تنمية المستعمرات ، وخلق واقع لا رجعة عنه يمهد لطرد جديد للشعب الفلسطيني من بلاده كما يخططون بدون أن يعني ذلك انهم سينجحون بالضرورة .
وتأتي هذه التطورات لاحقة للتطور السابق لاقتصاد المستعمرات بدعم حكومي كما درسه مطانس شحادة، وتطور هذا الاقتصاد بالاعتماد على العمالة الفلسطينية في المستعمرات والتي وصلت الى ٣٠ الف عامل متوقع زيادتهم في ضوء الضائقة الاقتصادية القائمة، يأتي ايضا في ظل وجود استثمارات فلسطينية في المستعمرات وصلت الى ما بين 5,7 إلى 7,3 مليار دولار حسب دراسة عيسى سميرات عام ٢٠١١. واعتماد المستعمرات على استراتيجية التصدير لاوروبا وأمريكا حيث يسوق نبيذ بسغوت في فرنسا ونبيذ شيلو في نيويورك بأسعار باهظة على سبيل المثال.
تشير التطورات اللاحقة بعد دراسة مطانس شحادة الى تطورين قد يكونا بدءا بالظهور احدهما يتعلق بتنمية اقتصاد المستعمرات ليصبح قادرا على الاعتماد على ذاته عبر الاستثمارات الخاصة في السياحة والتكنولوجيا وغيرها اكثر من اعتماده على الدعم الحكومي. وثانيهما يتعلق باتجاه هذا الاقتصاد لإحتواء الاقتصاد الفلسطيني وجعل المستعمرات تصبح مراكز تجارية للبيع للفلسطينيين ايضا ، بل والتوسع نحو الأسواق العربية اضافة لذلك كما تم فعله من المستعمرات في فلسطين في الثلاثينيات من القرن الماضي ، وهو ما بدأ منذ عقود سابقة ايضا كما اشارت دراسة سابقة لعزيز حيدر، ولكنه كما يبدو سيتعزز في المرحلة القادمة.
ستزيد هذه التطورات من تسارع وتيرة انتقال سكان وسط اسرائيل الى المستوطنات الاستعمارية لإيجاد استثمارات فيها، وتوفير سكن ثان لعائلاتهم داخلها اضافة للسكن في وسط اسرائيل. وسيتسق هذا التطور مع المشروع الذي طرحه وزير الإسكان الاسرائيلي السابق يوأف غالانت والذي اقترح تطوير المستوطنات الاستعمارية بشكل افضل من وسط اسرائيل وبحيث تصبح جاذبة لهؤلاء الأخيرين للعيش فيها والاستثمار فيها. وقد اقترح غالانت نقل ٣٤٠من سكان وسط اسرائيل الى مستعمرات الضفة في هذا الإطار من اجل رفع عدد المستعمرين فيها الى مليون نسمة خلال سنوات قليلة.
وتؤشر الاستثمارات الحكومية الاسرائيلية المتزايدة في المستعمرات الى هذا المنحى بحيث تصبح المستعمرات هي مركز اسرائيل بديلا لوسطها الذي يشكل المركز حتى الان. ومن هنا يمكن فهم طروحات الضم المتزايدة والتي أصبحت سياسة رسمية معلنة للإدارة الأمريكية ايضا.
ماذا تعني هذه التطورات بالنسبة لفلسطين؟ انها تعني اولا أن المطروح حاليا من قبل امريكا وإسرائيل أن يقوم الفلسطينيون بأنفسهم باستكمال بناءالمشروع الاستيطاني الاستعماري على ارضهم وذلك كمهمة اخيرة لهم قبل طردهم. وما الحصار المفروض وحجز الأموال الفلسطينية الا الجسر الذي يظنون انه سيتم العبور عليه نحو هذه النتيجة.
ومعنى ذلك ثانيا أن تنمية الاقتصاد الفلسطيني في الفراغ وبمعزل عن الاشتباك والمواجهة مع المشروع المطروح اعلاه هو أمر غير ممكن. فقدر الفلسطينيين هو سيناريو المواجهة الاقتصادية هذا، ولا يوجد سيناريو آخر غيره للمرحلة القادمة.
في المقابل ليس قدرا أن ينجح الأمريكيون والاسرائيليون في تطبيق السيناريو المذكور اذ أن الأمر في النهاية يعود إلينا ، كما يعود الى إجابتنا الحاسمة على سؤال : هل نريد اقتصاد نيو ليبرالي، أم اقتصاد تحرر قائم على التنمية بالحماية الشعبية؟ وهنا جوهر الأمر.