نشر بتاريخ: 28/07/2019 ( آخر تحديث: 28/07/2019 الساعة: 17:17 )
الكاتب: د. زهير حمدالله زيد
الفرق بين اليوم والأمس لا يتجاوز الشكليات، لأن الجوهر في إحتياجات الحياة ثابت، ماء وغذاء ودواء ومسكن وما دون ذلك أدوات للحصول عليها، حتى التعليم فهو مسخر لها وسلاح لبلوغها، ظروف تحقيقها قد تكون عنصر حاسم ومهم، كضمان الحرية في إختيار ما نريد من وسائل وسعي البشر دوماً لتحقيقها عبر الأسهل والأقل كلفه، وتقديم خيار الظرف على الحاجه يعني تكبيل الذات بالخيارات والوسائل، ففي ظروف هذه الأيام العمل في إسرائيل وسيلة مشرعنه لدى كل القطاعات والسبب أن هذه الوسيلة هي الأسهل لتحقيق ليس فقط الإحتياجات الأساس بل إمتدادها من المكملات التي بات الكثيرين منا يصر على ضمها للإحتياجات الأساسية، والسبب يعود للتقليد والإصرار على المنافسه في إبراز المظاهر.
تذكرت جزء من قصتي حين قال والدي لي ونحن نحفر لزرع فسيلة زيتون في الأرض في شهر كانون أول ليحسبها الناظر بعد نموها في ذات العام من بنات عمنول (العام الماضي) منذ زمن بعيد تجاوز الأربعون عاماً، حينها حضن بيده قليل من التراب واللقاه امامي كما زجاجة مقياس الزمن بالرمل وقال لي إن عززته أعزك ولا تحتاج لأن تذهب هناك، وكان قبالتنا أبراج إذاعة رام الله في حينها قبل أن يسقطها الإحتلال في الإنتفاضة الثانية، عادت بي الذاكرة للاجىء الذي لم يكن يملك غير أدواته الزراعية التقليدية، حين أجبر على ترك قريته الأصل، وأصر أن لا يسكن المخيم ويعيش في قرية بين اللاجئين، وعمل في أراضي أهلها الأصليين بحصه، وإستطاع أن ينجز ويحقق ما لم يستطع أن يحققه الكثيرين، حيث تملك أرض وعمل بها ولا يستطيع أي ممن تغربوا شراء جزء منها، فهو لم يعمل سوى يوم واحد في القدس وأغضبه أن يكون المراقب على العمل صهيوني وهو من كان كما غيره في بلدهم مسؤولون عنهم.
تذكرت أنه كان لا يحتاج لأن يشتري من خارج تنوع إنتاجه غير السكر والملح والشاي، فكل شيء زرع في الشتاء وفي الصيف (شتوي وصيفي) وكل البذور كانت لديه وتلائم المناخ، ولديه من الحلال ما يغني من الحليب ومشتقاته، كما الدجاج والحمام والأرانب، أيامنا هذه لا نجد حوض نعنع حول المنزل، والنيران تندلع في السهول وتصل المنازل لأن الأعشاب في كل مكان ولا يوجد حلال كما كان في الماضي والأرض كلها متروكه بفضل الوظيفة والعمل هنا وهناك.
صعب اليوم كان سهل الأمس، وكل الحاجات كانت متوفرة بعزه وإرادة في حينها، ومن خلالها بنوا بيوت وزوجوا أبناء وعلموهم وحققوا الكثير مما لا نستطيع أن نحققه هذه الأيام، وكل ذلك كان مربوط بالمواسم والأرض التي أعطت ولم تبخل، فهل يوجد إرادة هذه الأيام للعودة لحياة تعتمد على توفير الحاجات من الأرض، وهي التي تعطي وتقدم وتوفر إن صدقنا العهد معها وقدمنا لها من الجهد والعناية.
المهاتما غاندي مثل نموذج ما زال قابل للتطبيق، خاصة إذا ما عززنا فهمنا بأن الإرادة والقناعة عنصرين مهمين للتغلب على السعي وراء المظاهر، وهما الطريق الأقرب لبلوغ الكثير من الكرامه والحرية، والحل في ذلك بقدر ما يعتمد على المؤسسة والسلطة لتوفير ما أمكن من المساعدة والتشجيع وهذا واجب، إلا أن المواطن هو المحور والأساس الذي علية تعتمد كل العملية، عسى أن نعود لنرى في قرانا وأرضنا مساحات خضراء وثمر كثير ومواشي من الحلال تصعد الجبال وراعيها يملاء الوديان بصدى شبابة إشتاقت لنغمتها الأرض والشجر والحجر والأهم نحن البشر.