نشر بتاريخ: 04/08/2019 ( آخر تحديث: 04/08/2019 الساعة: 11:32 )
الكاتب: خالد جميل مسمار
دعوني أرجع بكم قليلا الى غزة لأذكر لكم هذه الحادثة...
في بداية وصولنا الى غزة وفي شهر رمضان المبارك كنت أواظب يوميا على الصلاة في مسجد " الكنز"، خاصة صلاة الفجر، وهو مسجد قريب من شقة الضيافة التي أسكن فيها بصحبة المناضل غسان كمال أحد العاملين في سكرتارية الرئيس أبو عمار والمناضل نبيل أبو ردينة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح حاليا واللواء غازي مهنا السكرتير العسكري للقائد العام, والمعلوم ان جميع المساجد في القطاع كانت تحت السيطرة الكاملة للاخوان المسلمين أي حماس.
عقب صلاة فجر أحد أيام رمضان المبارك تقدم أحدهم ليعطي موعظة دينية كما هو معمول به في كثير من المساجد.. كنت في كامل لباسي العسكري وواضح أنني من العائدين كما كانوا يسموننا، واذا بالموعظة في غالبيتها تتحدت عن (القادمين الجدد) الذين يمثلون "جيش لحد".. وتعبير القادمين الجدد هو تعبير احتلالي لليهود الذين يلتحقون بدولة الكيان الغاصب.. وجيش لحد هو جيش العملاء اللبنانين التابعين لجيش الاحتلال.
رغم ان عيني بعينه إلا ان (الواعظ) استمر في موعظته الخرقاء.. قلت في نفسي: ربما هي كلمة عابرة.. لكنني في اليوم التالي واجهت نفس الشخص ونفس الكلام التحريضي ضد (العائدين) مما يعني استحلال دمنا باعتبارنا خونة! كان هذا التحريض المبكر قبل أي إشكال أو تصادم مع حماس الذي كان الأخ أبو عمار يحرص على تمتين العلاقة مع قياداتها وخاصة الشهيد الشيخ ياسين والشهيد الرنتيسي رحمهم الله جميعا.
الى ان جاء يوم كان التحريض قد بلغ ما بلغ، فخرجت جماهير حماس تهتف ضد العائدين وتقدمت نحو السرايا، مقر القيادة الفلسطينية، وتهجمت على القوات الموجودة داخلها وهدمت السور الشائك الذي كان يحيط به.. وكانت التعليمات عدم التعرض لهم بالرغم من بعض الاصابات التي طالت عددا من الضباط المقاتلين الذين قاتلوا دفاعا عن الثورة، ودفاعا عن القضية الفلسطينية في مختلف الساحات، ودفاعا عن الشعب الفلسطيني، لدرجة ان أحد الضباط الذين حملوا بعض الجرحى الى مستشفى الشفاء تعرض للضرب من أحدهم، بسبب هذه التعبئة الحاقدة، وقال لنا والدموع تملأ عينيه: لم أكن أتوقع أن أُضرب من أحد أفراد شعبي الذي كنت وما زلت مستعدا للشهادة من أجله والدفاع عنه.
استمرت التظاهرات الحمساوية تجوب الشوارع في غزة، والغريب انها توجهت الى مبنى سينما السامر، وهي سينما مغلقة منذ زمن، وبدأوا بتكسير كل شيء داخلها وحمل كل ما يستطيعون حمله من أبواب وشبابيك وكراسي وغيرها باعتبارها "غنيمة"!
استمر الوضع على هذه الحال ثلاثة أيام والقائد الرمز أبو عمار يرفض ان يحرك القوات، ليس لقمع المتظاهرين، ولكن لايقاف هذا الدمار خوفا من ان يقال الثورة تأكل شعبها. لكنه اقتنع في اليوم الثالث ان تنزل قوات محمولة الى الشوارع دون التعرض للمتظاهرين.
تدخل اصحاب الضمائر الحية في شعبنا وخاصة اهلنا من الجزء المحتل من فلسطين 1948. لكن التعبئة الحاقدة استمرت والعمليات الانتحارية تواصلت من أجل افشال أوسلو، لدرجة ان رئيس وزراء اسرائيل في تلك الفترة أوقف عملية انتشار القوات التي كان من المقرر ان تبدأ لتسلم مهامها في محافظات الضفة الغربية، معلنا ان لا مواعيد مقدسة.
واستمر هذا الحقد الى ان قامت حماس في العام 2007 م بانقلابها الشهير واستولت على الحكم في غزة وداست العلم الفلسطيني وصور القائد الشهيد الرمز أبو عمار وقتلت ما قتلت من شعبنا الفلسطيني وأفراد الأمن الوطني الذين لا ذنب لهم من قريب أو بعيد في مأساة لم تعهدها القضية الفلسطينية, حتى ان الكثيرين اطلقوا عليها نكبة جديدة للفلسطينيين بعد نكبة العام 1948 التي تسببت بها العصابات الصهيونية ضد جماهير شعبنا الفلسطيني.