نشر بتاريخ: 07/08/2019 ( آخر تحديث: 07/08/2019 الساعة: 11:53 )
الكاتب: د. ياسر عبيدالله
عند الشروع بأي عملية تغيير، يستوجب تَوفُر مقومات التغيير: العدالة الاجتماعية، الإرادة الشعبية ، تماسك شرائح المجتمع ، والانفكاك من الاحتلال يتطلب تفعيل الإرادة الشعبية القادرة على الصمود والمواجهة والعلاقة جدلية ما بين الانفكاك والإرادة الشعبية ، لان التغير المطلوب يتعلق بطبيعة الصراع مع الاحتلال الصهيونية. ففي الأولى؛ قضية الانفكاك عن الاحتلال، والمرتبطة بوقف العمل بالاتفاقيات الموقعة بين الطرفين؛ نحتاج الى مقومات الانفكاك التقليدية : السيادة على الحدود والمعابر والأرض والسماء والمياه. وفي الثانية؛ الإرادة الشعبية : هناك ضعف في بنية العدالة الاجتماعية : التوظيف ،الصحة ،التعليم، ، وامور أخرى تتعلق بانحراف النظام الطبقي الفلسطيني نحو سيطرة البرجوازية الجديدة، وتشكل الطبقة البركانية "الخريجين العاطلين عن العمل"، إلى جانب ترهل الحركة الوطنية، وتراجع الدور المجتمعي للقطاع الأهلي؛ فان الإرادة الشعبية تعيش حالة من الضمور والاسترخاء؛ بدون الإرادة لا يمكن تحقيق الصمود وذلك قبل ان نفكر بالانفكاك .
التحولات الدراماتيكية في الموقف السياسي
تلك هي مقدمة عن مستقبل التغيرات الحاصلة في السياسية الفلسطينية والمرتبطة بتحالفات جديدة في المنطقة، حيث تستوجب التغيرات الحاصلة إعادة النظر في التحالفات والعلاقات الإقليمية والدولية بما يتوافق مع مبدا تحقيق المصالح: اولاً؛ المصلحة الوطنية القومية ، ثانيا؛ المصلحة القومية الاقليمية، ثالثا؛ المصلحة القومية الدولية ، ولعل القانون الأمريكي المعنون ب"مكافحة خصوم أمريكا من خلال العقوبات" يفسح في المجال السياسي والدبلوماسي لوفره من الأصدقاء الجدد للقضية الفلسطينية، الأمر الذي يفترض استثماره من قبل الدبلوماسية الفلسطينية كي تتمكن من اختراق حصون تلك الدول لتشكيل تحالفات مانعة للقرار الأمريكي.
البداية،
في عام 2015 كتبت مقال " الرئيس أبو مازن يفجر قنبلة في الأمم المتحدة ويرتدي الكوفية العرفاتية “، وكان الرئيس قد بدأ يعلن غضبه من الامريكان وتحيزهم المخزي للاحتلال الإسرائيلي، وصمت العالم على الجرائم الصهيونية المرتكبة ضد الانسان الفلسطيني وبحق الأرض الفلسطينية، وكانت لهجة الرئيس في حينه مستهجنة من السياسيين والإعلاميين، الا ان واقع السياسة الامريكية الأخيرة والمتمثل بطرح صفقة القرن من جانب واحد دون التنسيق مع الجانب الفلسطيني كشفت زيف السياسية الامريكية وتحيزها الوقح؛ على المستهجنين بلهجة القيادة الصلبة، ان يقتنعوا بالنظرة الثاقبة من قبل القيادة الفلسطينية الحكيمة.
الوحدة الوطنية أبرز مقومات الانفكاك والمصالحة ما زالت حلم
الانفكاك بحاجة الى الكل الفلسطيني والكل الفلسطيني منقسم على ذاته، لنستوعب أن غزة لم تعد عاشقة الضفة ولا الضفة حبيبة غزة؛ فالانقسام خلف احقاد توارثتها الأجيال بحاجة الى إرادة وطنية للعودة الى ما قبل الانقسام، فم يعد حلم الضفة يشبه حلم غزة ولم تعد تحالفات الطرفين واحدة؛ فغزة لها تحالفات في المنطقة لا تشبه تلك التحالفات في الضفة . والإرادة الشعبية بحاجة الى وحدة والوحدة الوطنية بحاجة الى انهاء الانقسام وانهاء الانقسام بحاجة الى إرادة شعبية وكليهما بحاجة قيادة موحدة تجمع الكل الفلسطيني والقيادة الموحدة بحاجة الى غزة والضفة موحدتين. وهكذا فالأمور معقدة ومتشابكة واكثر جدلية؛ للأسف انقسم الشعب ما بين مناصر لغزة معارض للضفة ومناصر للضفة معارض لغزة . فهل تحقق القيادة الفلسطينية حلم الشعب الفلسطيني باستعادة الوحدة كطريق للإرادة الشعبية القادرة على حمل سلاح الانفكاك عن الاحتلال؟
الإرادة الشعبية والحكومات المتعاقبة
تستند الإرادة الشعبية الى قوة "الشعب" في دعم القيادة ، وعصب الشارع الفلسطيني هم الشباب خريجي الجامعات، وهؤلاء يعانوا مأساة البحث عن العمل، يعيشون الاغتراب السياسي والاجتماعي بعد ان تجاوزت نسب بطالة الخريجين في فلسطين 56% ، وفي بعض التخصصات تجاوزت 80% (العلوم التربوية والإنسانية) دون أي حلول تذكر من قبل الحكومات المتعاقبة، وجاءت الحكومة الثامنة عشرة واستحدثت "وزارة الريادة والتمكين الاقتصادي" التي لم تر النور حتى الان ولمّا يبزغ فجرها بعد، وتزامن كل ذلك مع تصريحات "الانفكاك عن الاحتلال"؛ سنكتب الان كما كتب الاخرون لنذكر ان ما كتب قبل اربع أعوام عن فشل الحكومات السابقة في حل ازمة الخريجين ما هو الى ناقوس خطر قد دق لعله يُسمَع .
2017 كُتِبت مقال " حكومات متعاقبة وأزمة الخريجين متراكمة " وما زالت متراكمة وبعد أكثر من ست شهور على الحكومة الجديدة؛ ما زالت الحلول غائبة والازمة قائمة مع غزارة الوعود بالحد من البطالة.
الإرادة الشعبية بحاجة الى الشباب والشباب بحاجة الى الإرادة الشعبية؛ فهل تحقق الحكومة الحالية الإرادة الشعبية “الصلبة" التي تمكن من الانفكاك عن الاحتلال وتدعم قرارات القيادة ؟
الخيارات الفلسطينية محدود وخيارات الاحتلال ليست بجديدة
البداية كانت في العام (1982) بوضع خيارات مستقبلية للتعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتلك الخيارات هي : الحفاظ على الوضع الراهن؛ أي بقاء الاحتلال جاثم على الأراضي الفلسطينية، الحكم الذاتي والذي طرح بصيغتين ، الأولى "حكم ذاتي محدود" ينطبق على الإنسان ولا ينطبق على الأرض ، والصيغة الثانية " حكم ذاتي عميق "حكم ذاتي واسع النطاق ، و"دولة فلسطينية" دولة فلسطينية في معظم أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة ، والتخلي عن حق العودة ، وإبقاء المناطق منزوعة السلاح ، وتعديل حدود ال 67 ، وانتشار قوات الإحلال بشكل محدود للإنذار المبكر، واحتفاظها بالمجال الجوي .الانسحاب من غزة .،"فدرالية مع الأردن" تتولى فيه عمان مسؤولية الدفاع والأمن الداخلي والسياسة الخارجية.
تلك هي خيارات وضعتها مراكز أبحاث الامن القومي الصهيوني ، وترجم الى العربية بعد ذلك وقبل توقيع اتفاق أوسلو ، وقد تبين ان ما يحدث اليوم ما هو الى سلسلة خطوات لتنفيذ مخطط صهيوني ممنهج ومدروس تضمنته تلك الدراسات .
اراء في الانفكاك ووقف العمل بالاتفاقيات مع الاحتلال :
نبيل عمر :"القرار في سياق تحليل سياسي موضوعي وغير احتفالي، هو عملية ضغط موجهة الى عدة جهات، أولها الجانب الإسرائيلي الذي يهمه أكثر ما يهمه في الامر كله التنسيق الأمني". الصحافة الفلسطينية اعتبرت ان القرار حظي بترحيب شعبي، غير انها تجاهلت الحذر التلقائي تجاهه، بعد ان اتخذ عدة مرات ولم ينفذ ولو جزئيا لمرة واحدة، هنا يكون القرار على الصعيد الشعبي تحت "المراقبة والاختبار."
عبير ثابت : "تدرك إسرائيل أن الرئيس الفلسطيني قد أشعل بقراره فتيل قنبلة هى بالأساس ساخنة فى محيط ملتهب؛ وأنها ستخسر أكثر بكثير من الفلسطينيين فيما لو انفجرت تلك القنبلة إذا مضت القيادة الفلسطينية فى تنفيذ قرار الرئيس كون خسارتها ستكون خسارة استراتيجية؛ في حين أن الفلسطينيين لم يعد لديهم ما يخسرونه بل على العكس؛ ستؤدى تلك القرارات لتغييرات استراتيجية في واقع الصراع سياسيا وميدانيا لأنها ستفضي حتما عاجلا أم آجلا إلى اشتعال الضفة والقطاع باحتجاجات شعبية أو بعمليات مسلحة، كذلك القرار الفلسطيني يعنى عودة معادلة الصراع لتلك النقطة التي كانت عليها قبل توقيع اتفاق أوسلو ولكن بديمغرافية أكثر إيلام لإسرائيل ؛ ولن يكون بمقدور اسرائيل الضغط أكثر على الفلسطينيين اليوم لأنها تعرف أن مزيدا من الضغط يعنى تسريعا لمرحلة التدهور وصولا إلى الانفجار وفقدان السيطرة فى توقيت إقليمي ودولي غاية في الحساسية" .
إبراهيم أبراش:"نؤكد مجدداً على حكمة الرئيس أبو مازن، كما نؤكد ضرورة تجاوز اتفاقية أوسلو وكل ما ترتب عليها، ولكن يجب الحذر حتى لا يؤدي الغاء الاتفاقات في ظل الانقسام إلى تسهيل تمرير صفقة القرن وخصوصاً أن ما تسرب عن الصفقة وما صرح به مهندسو الصفقة أن الضفة أراضي إسرائيلية وليس أرض محتلة، وأن لا دولة فلسطينية على حدود 1967، وأن حركة حماس ستكون طرفاً في أي مفاوضات قادمة في إطار صفقة القرن ".
ناصر اللحام: “فهل ينجح الرجل الذي وقع أوسلو بالخروج من زنازين هذا الاتفاق وما هو الثمن المطلوب؟
الاجابة نعم.. والتنفيذ يصار اليه أولا من خلال إعادة تشكيل الوعي السياسي وأن اتفاقيات أوسلو لم تعد تلزم الفلسطينيين، وقد بدأت حكومة اشتية فعلا بتنفيذ عملية انفكاك صعبة وقاسية سياسياً واقتصادياً وأمنياً قد تستمر لسنوات" .
الإعلام الإسرائيلي
- صحيفة (هآرتس) :"إن إعلان الرئيس عباس وقف العمل بالاتفاقات مع إسرائيل يبدو دراماتيكياً، مشيرةً إلى أن "مثل هذه القرارات قد اتخذت منذ عام 2015، وبالتالي فإن مسألة التنفيذ هي الأمر الرئيسي. وفي السياق.
- موقع (واللا): إن "الرئيس عباس أعلن عن وقف العمل وفقًا للاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، وهذا التهديد سمعناه 70000 مرة"،
- صحيفة (يديعوت أحرنوت): "إن السلطة الفلسطينية لن تنفذ قرار وقف التزامها بالاتفاقيات مع اسرائيل".
وهكذا فإن العمل الفعلي بقرار وقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع الاحتلال المرتبط بالانفكاك عن الاحتلال يشكل تحديا للقيادة الفلسطينية؛ يكمن هذا التحدي في ان لا يقتصر الأمر ولا ينحصر بعمل لجان تشكل دون أي فعل على ارض الواقع يلمسه المواطن، و أن لا يتحول إلى مجرد "اعلان عن الوقف وليس الوقف" الامر الذي يفسح المجال للتشكيك والتنمر والسخرية في الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، بل يتوجب تحويله الى فعل على الأرض يلمسه القاصي والداني، وان يتم ذلك بالتزامن مع تمكين القطاعات الاجتماعية المختلفة وفي مقدمتها الشباب "رافعة الإرادة الشعبية" لضمان تحقق مقومات الصمود، وان يسبقه فعل يسند برص الصفوف والوحدة الوطنية كي يتجسد "بالإرادة الشعبية " القادرة على بلورة مواجهة شعبية فاعلة للاحتلال وسياساته الاستيطانية .