السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل يمكن الإختفاء في جبال الضفة الغربية .. عمليات غضب موسمية فردية

نشر بتاريخ: 10/08/2019 ( آخر تحديث: 10/08/2019 الساعة: 11:59 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي ، وحتى الانتفاضة الأولى . كان الحزب الشيوعي الفلسطيني يتحدى الرأي العام السائد ويرفض الانخراط في عمليات مسلحة داخل الضفة الغربية وقطاع غزة لأسباب تتعلق بقدرة الخلايا على الإختفاء والمتابعة . ورغم أن معظم نظريات الحرب الشعبية ( على شاكلة أضرب وأهرب والتخريب الشعبي والتلغيم والتفخيخ والتفجير ) كانت مستوحاة من تجارب شيوعية في العالم مثل الاتحاد السوفييتي وفيتنام ونيكاراغوا وكارلوس والالوية الحمراء اليابانية وبايد مانهوف ا لالمانية الا ان الحزب الشيوعي كان يقول ( الأرض المحتلة تخلو من الأنهار العميقة مثل أمريكا اللاتينية ولا يوجد بها غابات كثيفة مثل فيتنام وتجربة الفيتكونغ ولا جبال شاهقة مثل الجزائر واليمن ولا صحاري مثل سيناء والعراق وبالتالي لا يمكن للخلايا ان تتحرك وتنفذ عمليات فدائية دون ايقاع الاذى بالسكان وتعريضهم للعقوبات الجماعية أو الانتقام والقتل من جانب الاحتلال العنصري ) .
الفصائل الأخرى وعلى رأسها فتح كانت تنقض هذه الرواية وترى أن المخيمات والقرى والأحياء الفقيرة في المدن كانت قادرة على إحتضان الفدائيين ومنحهم القدرة على الإختفاء .
وبعد أربعين سنة ، أرى اليوم أن الطرفين كانا على حق . الحزب الشيوعي كان على حق والفصائل الاخرى كانت على حق . فالضفة تخلو من الأنهار والغابات والجبال والصحارى ، ويصعب الإختفاء فيها تحت مراقبة الأقمار الاصطناعية التجسسية وطائرات المراقبة الصغيرة وجهاز الإنذار المبكر والجواسيس . يضاف الى ذلك وحدات مراقبة تكنولوجية لمواقع التواصل الاجتماعي وعدم إمتلاك التنظيمات في الضفة الغربية بتاتا ، لأية مضادات تكنولوجية أو " هاكرز " قادرون على اختراق أنظمة التكنولوجيا المتطورة عند الاحتلال .
وبالمقابل نجحت عدة تجارب عند الفصائل ونجح منفذو عمليات في تحقيق إختراق أمني كبير وتنفيذ عمليات نوعية كبيرة رغم ان جميع من نفذوا هذه العمليات تم ضبطهم واغتيالهم أو الحكم عليهم بالسجن المؤبد . وبعجالة يمكن القول ان التنظيمات فشلت مؤخرا في تحقيق تبادل أسرى مقبول لاطلاق سراح منفذي العمليات ما يجعل بحث الامر أكثر تعقيدا .
عملية قتل الجندي في مستوطنات غوش عتسيون جنوب بيت لحم ، ومثلها عملية الشاب الفدائي عمر ابو ليلى ، وقبلها عملية الفدائي أشرف نعالوة في مستوطنة بركان ، تثبت الحقائق التالية :
- لا يمكن منع تنفيذ عمليات على خلفية غضب شعبي .
- غالبية ساحقة من منفذي العمليات أتوا على ذكر المسجد الاقصى واعتداءات المستوطنين عليه في " بوستات" على صفحة الفيس بوك الخاصة بهم . ما يعني أن المسجد الاقصى والعامل الديني هو الدافع الأقوى لهذه العمليات .
- غالبية المنفذين لم يبحثوا عن الهرب وكانوا يبدأون العمل على قاعدة أنهم سوف يستشهدون خلال تنفيذ هذه العملية وكتبوا " وصية " قبل التنفيذ .
- غالبية المنفذين لم يعلنوا انتماءهم لتنظيمات محددة إسلامية أو قومية وانما ذكروا إسم فلسطين في وصية الشهادة . ورغم أن الفصائل لا سيما في قطاع غزة تسارع فورا لتشجيع وتنبي هذه العمليات لكنها ليس لها صلة من قريب أو بعيد بالمنفذ قبل قراره تنفيذ العملية .
- غالبية هذه العمليات وقعت في مناطق يسيطر عليها الاحتلال بالكامل . داخل مستوطنات وعلى مفترقات طرق عليها حراسة عسكرية مشددة او داخل معسكرات للجنود .
- عملية عتسيون وقعت داخل قلب المربع الأمني الاكثر حماية ومراقبة وتواجد عسكري في جميع انحاء الضفة الغربية . والمنفذ قتل الجندي بينما كانت دورية مسلحة للاحتلال تقف على بعد 150 متر منه .
- العمليات جريئة وصادمة لأمن الاحتلال الذي يفشل كل مرة في حماية معسكراته ومستوطناته . ومن خلال التجارب السابقة فقد صار أمن الاحتلال كثير الشكاء والبكاء ويسارع لتغطية فشله بتحميل المسؤولية للسلطة وأبو مازن ولحماس للدفاع عن نفسه أمام جبهته الداخلية المرتبكة .
- حكومات الاحتلال والوزراء وقادة الجيش والأمن فقدوا السيطرة على عقولهم فصاروا يخرجون على شاشات التلفزيون ويدلون بتصريحات إنتقامية وعنصرية ضد السكان المدنيين وهو ما يدل على إنحدار خطير في الاخلاق والقيم السياسية ويزيد من لهب الغضب الشعبي كل مرة . بل ان الوزير الجديد " سمارتوتش " دعا فورا لاعادة مئات الحواجز العسكرية في شوارع الضفة الغربية وكأن تلك الحواجز حينها منعت العمليات !!
- اذا كانت الفصائل والتنظيمات الفلسطينية لم تعط قرارها الواضح بالعودة للعمليات المسلحة في الضفة الغربية وفي داخل الخط الاخضر ، واذا كان التنسيق الامني ساري المفعول ،واذا كان الجميع يراهن على صفقات سياسية صغيرة هنا او هناك في الضفة الغربية وقطاع غزة . ورغم ذلك لا تستطيع اسرائيل منع العمليات . ماذا لو انهارت الأوضاع سياسيا بشكل كامل وعادت العمليات مرة اخرى !! كيف ستكون الصورة ؟ وهل تستطيع حكومة زعران اليمين والمعتوهين الايديولوجيين الذين جمعهم نتانياهو وألبسهم ربطات عنق وجعلهم وزراء يستطيعون حل الصراع ؟
- قد يعتقل الاحتلال منفذ عملية عتسيون ، وقد يغتاله ، وقد ينجو . ولكن الفكرة باقية وفي كل يوم يقتحم المستوطنون المسجد الاقصى وفي كل يوم يهدم الاحتلال منزلا عربيا . هناك شاب صغير يفكر كيف ينتقم من الاحتلال . وبحسب احصائيات جهاز المخابرات الاسرائيلي فان 300 عملية تم احباطها السنة الماضية ،أي ان شابا فلسطينيا يفكر كل يوم بتنفيذ عملية مشابهة لعملية عتسيون .