نشر بتاريخ: 05/09/2019 ( آخر تحديث: 05/09/2019 الساعة: 11:11 )
الكاتب: وليد الهودلي
كانت قوة لبنان تبدو أمام قوة الاحتلال كدراجة هوائية تواجه طائرة F 16 ، ولو قال أحد الناس أن لبنان ستقف في وجه دولة الاحتلال وستضع حدا لجنونه فيها ، وأنها ستشكل قوة رادعة لنُعت بالجنون والخروج عن المنطق والعقل وسفاهة الرأي .
لبنان البلد العربي الصغير المستضعف المنتهك المستباح ، الجزار الصهيوني الشرس شارون كان يقول دخولنا للبنان مجرد نزهة صيفية ، لبنان كان مكانا مناسبا لعربدة الطيران الاسرائيلي وقت ما شاء وكيف ما شاء ، كنا نسمع كل يوم عدة غارات على عدة مواقع للثورة الفلسطينية ، سنة 1982 اجتاحوا الجنوب ووصلوا الى حصار بيروت ثم عادوا ليصنعوا حزاما آمنا شكلوا فيه "جيش لحد" ليتابع لهم حراسة حدودهم ، وصارت اليد الطولى والعليا في لبنان لدولة الاحتلال ، لبنان دولة ضعيفة مسكينة تحت رحمة احتلال لا يرحم ، ( كحال دول عربية كثيرة في المنطقة هذه الايام ).
اليوم اختلف الامر كليا ، توازن رعب وقواعد اشتباك وحسابات دقيقة يحسب لها الاحتلال ألف حساب .. هذه حقيقة واقعة تم تثبيتها بعد صراع طويل ومقاومة عنيدة أثبتت جدارتها وراكمت انتصاراتها على مدار اربعة عقود من الزمان ، جعلت من كلفة الاحتلال لارضها كلفة عالية بشرية ومادية ، حسم الاحتلال أمره وحزم أمتعته ، طوى عنجهيته وغطرسته التي صالت وجالت طويلا في لبنان ، وفي عملية اطلق عليها الاحتلال اسم الغسق ولّى هاربا من لبنان في وقت الغسق " اشد أوقات الليل حلكة " ، كان هروبا عظيما تحت وقع ضربات المقاومة .
تحرر الجنوب اللبناني ولم تلق المقاومة سلاحها بل بثلاثية عجيبة ( المقاومة والدولة المتفهمة للمقاومة والشعب صاحب ثقافة المقاومة ) استمر في الاعداد للمعركة القادمة ، ولما نسي الاحتلال عار هزيمته وشنّ حربا لاعادة الاعتبار لقوة الردع المتآكلة عام 2006 فشنّ حربا ضروسا بدبابات فخر صناعته الميركافا وقوة الطيران وبحريته المتعجرفة ، فاجأته المقاومة بمحرقة الميركافا وتدمير مدمرته البحرية ، ردت عدوانه ، حمل ذيله وتقهقر من جديد .
بالمختصر المفيد أثبت لبنان ذاته على خارطة المنطقة وأصبح ندّا وخصما لدولة الاحتلال ، حاز على هيبة الدول المحترمة وتحول من خاصرة رخوة الى صخرة تتحطم عليها عنجهية هذه الدولة التي تجيد الغطرسة والعربدة على من لا يعرفون لغة القوة ورضوا لانفسهم المهانة والمذلّة ..
ذلك بفضل المقاومة العنيدة والناجحة والمبدعة والموفقة .. اولئك الذين يعملون على قاعدة الاشتباك الاولى : حسن البلاء وابداع الاداء حسب متطلبات معادلة الانتصار. فطريق العزة معروف وضريبته أقل بكثير من ضريبة الخنوع والمذلة . وفي نفس الوقت ليس المطلوب من اية مقاومة أن تضرب ضربتها الاخيرة في اي ظرف وعلى اي حال ومهما كانت النتائج والتقديرات ، ليس المطلوب في اية مناوشة ان تخرج كل اسلحتك وتكشف كل أوراقك ، سياتي وقت لهذا ولكن من يحدد الامر ، الوضع لا يحتمل ردات الفعل وفتح معركة على مصراعيها قبل ان تكون انت ومحيطك وكل من سيشاركك المعركة الفاصلة جاهزا مثلك ، من الغرور بمكان ان تعتقد مقاومة أنها صاحبة الحق في قرار حرب على مستوى المنطقة بمفردها ودون حسابات شركائها ، هناك شركاء وحلفاء وهناك جبهة داخلية في لبنان ، وهناك منطقة تغلي من حولنا ليست في عافية من أمرها ، اذا الصوابية تقتضي ان تحسب حسابات المنطقة وشركائك في المعركة عدا عن البعد الدولي ومدى مناسبته للامر ، الا اذا أعطى العدو المبرر الكافي ووسع من عدوانه حينها لو فتحت المعركة على مصراعيها لن يلوم المقاومة أحد ، اما اذا وصلت سياسة الردع الى مبتغاها ولزم العدو حدوده فالامر يقتضي سد ذرائع المعركة المفتوحة الى حين كمال جهوزيتها وميل نتائجها لصالحنا .
طبعا وما غزة ومقاومتها العنيدة عن ذلك ببعيد ، نجحت تماما في معادلة الصراع رغم الفارق الهائل بالامكانات ، فرغم الحصار وكثرة الاعداء وقلة الاصدقاء ، غزة استطاعت كذلك رفع سقف التحديات ومراكمة الانجازات والنجاح في توازن الرعب والردع ودفع الاحتلال الى أدق الحسابات أمام أي عدوان يحلم به في الليل لينفذه في النهار .
وإذ نشيد بالمقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله وأدائها المميز وحسن تصرفها وفق الموازنات والمعادلات الدقيقة ومن وحي تجربتنا ندرك تماما أهمية هذه الجبهة مع هذا الاحتلال البغيض وأن السلاح الموجه الى هذه المعركة المركزية له منا كل الاحترام ونشترك معه على ذات الهدف ، تمنياتنا على كل المتحاربين في العالم العربي أن يوجهوا حرابهم وأموالهم وكل جهد يخسرونه في معارك جانبية ليتحول ربحا مضاعفا ومقدسا في هذه المعركة المفتوحة مع هذا العدو الواضح الذي لا يختلف على عداوته اثنان . ليتوقف صوت المعارك كلها ( في اليمن وسوريا والعراق وليبيا ) فلا صوت يعلو فوق صوت البندقية التي توجه نحو الاحتلال . سنغفر نحن الفلسطينيون لكل من حمل السلاح نحو أخيه إذا توجه الى هذا العدو المركزي للامة .