الأربعاء: 05/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

من غرينبلات الى بيركوفيتش.. إتفرّج يا سلام.. على لعبة السلام

نشر بتاريخ: 07/09/2019 ( آخر تحديث: 07/09/2019 الساعة: 18:58 )

الكاتب: السفير منجد صالح

طالعتنا أخبار الصحف، بل أتحفتنا، وربما "صدّعت" رؤوسنا قليلا، بنبأ، بأنباء إستقالة مبعوث الرئيس الأمريكي جيسون غرينبلات الى الشرق الأوسط، أي الى "مسألة" الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الى "حسبة" الصراع العربي الإسرائيلي. قديما في السبعينيّات كنا نقول "الصراع العربي – الصهيوني".
يعني، يا جماعة الخير، أمانة الله عليكم، والحاضر يعلم الغائب، بأن السيد غرينبلات سيغادر المسرح، ويتخلّى عن دوره في مسرحية صفقة القرن!!! وهل نحن الفلسطينيّون سنذرف الدموع على "فراق" هذا "العزيز الغالي"، أم سنكسر وراءه مائة "جرّة فخّار".
يقول الخبر، "الخبرية"، بعنوان: "كشف هويّة مبعوث ترامب المقبل للشرق الأوسط". ألم نقل لكم يا سادة يا كرام، ونُعيد ونُزيد، بأن "الموضوع"، برمّته، لا يعدو كونه "لعبة إستغمّاية" تمارسها إدارة ترامب لكسب الوقت، أو لتضييع الوقت، ليس إلّا، وكلاهما سيّان؟؟!! لا يتعدّى "الأمر" كونه "لهّاية"، تُناور وتُناغش وتُناوش، "وتلف وتدور" بها على من تُريد "تنويمهم مغناطيسيّا"، والضحك على ذقونهم، وتنويمهم في قيلولة شمس لاهبة، أو ليلة برد زمهريري، وإيهامهم بقرب قدوم "جرّة" العسل، التي حلم بها "راعي الغنم" وهو نائم يسبح في أحلامه وتخيّلاته، وإستفاق على "فاشوش"، وعلى لا شيء. وربما إستفاق قابضا بيده على حفنة من السراب.
أقسم بالله العظيم، بأنّه لن يأتي أيّة خير، لأمّة الفلسطينيين والعرب والمسلمين، من هذه الإدارة الأمريكية، اللئيمة الجشعة، المُنحازة لإسرائيل مئة بالمئة، لا من رئيسها، الطاووس الأشقر، تاجر البندقية، ولا من مستشارية ومبعوثيه، اللذين يتوالدون ويتناوبون، يتبدّلون، ويتوارثون، ويأتون تباعا، من يهودي الى يهودي متعصّب الى يهودي أرثوذكسي متطرف الى يهودي يميني متصهين. هذا مع إحترامنا للديانة اليهودية وأتباعها فهي واحدة من الديانات السماوية الثلاث الى جانب المسيحية والإسلام. فنحن صراعنا سياسي مع المحتل الغاصب، ومع هذه الجوقة المتصهينة التي تدعمه زورا وبهتانا.
ويقول الخبر في التفاصيل: "تناول الإعلام العبري تفاصيل عن "الخليفة المُرتقب" لجيسون غرينبلات، مبعوث الرئيس الأمريكي ترامب الخاص "للسلام بالشرق الأوسط"، الذي أعلن نيّته الإستقالة"!!! فمن جهتها، أوضحت قناة "كان" الرسمية الإسرائيلية، أنّ "آفي بيركوفيتش، وهو مستشار جاريد كوشنير، صهر الرئيس الأمريكي، سيحل محل المبعوث المُستقيل غرينبلات.
"باي باي غرينبلات، "ويلكام"، أهلا وسهلا، بيركوفيتش"!!!
"لا تفرح لأُمّك إذا أجت من الطابون مستعّجلة"، أكيد إنها حرقت الخُبزات!!!
فالطبخة كلّها، من أوّلها الى آخرها، محروقة، يا سادة يا كرام. ومن قدر (بكسر القاف) الطبخة المحروقة لن يستطيع أحد أن يُخرج "بمغرفته"، لا أكثر ولا أقل، من "طبيخ" محروق، حتى لو كانت مغرفته من ذهب، فالإناء ينضح بما فيه، "وإلّي في القدر بتطوله المغرفة". وفي هذه الحالة، فإن القدر والمغرفة بأيدي الأمريكيين والإسرائيليين. يسكبون منه وبها حساء ملغوما، مسموما، مُخدّرا، قاتلا. ويضربون في كافة الإتجاهات للغواية، بالترهيب والترغيب. ولكن الشطارة هي أن لا تتورّط وتأكل من "طبختهم" وتبلع سحرهم الزعاف. والواضح أن الشعب الفلسطيني وقيادته وتنظيماته ومؤسساسته، والحمد لله، قد أظهروا، حتى اللحظة، قدرا عاليا من اليقظة والشطارة، بعدم تذوّقهم لهذا الحساء المسموم، بالرغم من الإغراءات الكثيرة والضغوطات والعقوبات الكبيرة، من الداني قبل القاصي، ومن القريب قبل البعيد. وندعو الله العزيز الحكيم أن نستمر، بصلابة، على هذا الموقف، وأن لا "ينزلق" قدمنا أو قدمينا في هوّة سحيقة، في جرف عميق، في أخدود بلا قعر ودون حواف، لن نستطيع الخروج منها أبدا، لا سمح الله ولا قدّر.
تُعلّمنا الحكمة الشعبية الفلسطينية وتنصحنا فتقول: "مكان العقرب لا تقرب ..." وهل هناك على أديم هذه البسيطة عقربان، باتعان، غزيرا السموم، أكبر من الثنائي نتنياهو وترامب؟؟!!
ويزيدنا الخبر من الشعر بيتا، فيقول: "وأعلن البيت الأبيض عن إستقالة غرينبلات، مُرجعا سبب الإستقالة بحسب ما أوردته القناة الى "تأجيل طرح خطة السلام الأمريكية المعروفة بصفقة القرن. منوّهة بأن إستقالة غرينبلات تأتي في تطوّر درامي على الساحة السياسية وذلك قبل أقل من أسبوعين على إنتخابات الكنيست الإسرائيلي".
"تطوّر درامي"؟؟!!، ألم أقل لكم أن الأمر برمّته لا يعدو كونه مسرحية؟؟!! ربما مسرحية بتمثيل وإخراج رديء، لا تُضحك أحدا، ولا تسرُّ أحدا، ولا تُغبط أحدا غير الإسرائيليين وحلفائهم، لكنها تُدمي أقدام الفلسطينيين والعرب، تُحاول أن تضع الأصفاد في أرجل الفلسطينيين والعرب لتُكبّلهم سنوات وسنوات الى الأمام، وتشدّهم خطوات وخطوات الى الوراء!!
ماذا تُريد أمريكا من كل هذا، يا سادة يا كرام؟؟ أمريكا واضحة تماما فيما تريد، وما تريد أن تعمل وتفعل. فأمريكا لا تختبيء وراء غربال كما يعتقد البعض أو كما يُريدوا أن يعتقدوا، أو هكذا يُزيّن لهم كي يعتقدوا، أو يُضربون على رؤووسهم بالهراولة كي يعتقدوا. أمريكا تضع خارطة العالم على طاولة جنرالاتهم وسياسيّيهن، "يُفلّونها"، يُمحّصونها ويضعون أصابعهم على "هذه النقطة" على الخارطة، ويقولون: "هنا ستصل جزمات جنودنا"!! ويُعدّون، في التو والحال، جحافل المارينز والمظلّيين والقوات الجويّة والبرية "ويقتحموا" ويقتلوا ويدمّروا ويحتلّوا، وجنودهم يعلكون "اللبان"، وينظّفوا أنيابهم بمعجون "كولجيت" ومخالبهم بصابون "بالموليف"، تحميهم، مسبقا ومقدّما، قرارات يستصدرونها من الأمم المتحدة، بعدم جواز محاكمتهم أو إتهامهم بجرائم حرب، حتى لو وصل بهم المطاف بأن "يتبوّلوا" على جثث المدنيين العراقيين، الذين قتلوهم مجانا للتو، ويأخذون الصور التذكارية لفعلتهم هذه القبيحة الجبانة!!!
أمريكا واضحة فيما تقول وتفعل، ولا تحتاج الى تبريرات أو تفسيرات أو توضيحات أو إستدراكات. وتُقرن القول فعلا بوقع أحذية جنودهم. ما زالت هذه الجزمات تلمع وتبرق وتدوس ثرى اليابان وألمانيا، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وتدوس أرض كوريا الجنوبية، منذ الحرب الكورية عام 56 وحتى يومنا هذا. وتنتهك تراب وطننا العربي، صداقة، في السعودية وقطر العيديد، والكويت والبحرين والأردن، وعداوة، في العراق وأفغانستان وسوريا واليمن وفلسطين والصومال والسودان، ومناكفة وتهديدا ومُداهنة، في مضيق هرمز للتضييق على إيران.
أمريكا قالت وفعلت، وفعل قلم ترامب فعلته، وأمضى على وثيقة إهداء القدس "الموحّدة" عاصمة لدولة إسرائيل و"للشعب اليهودي"، وعلى نقل سفارة بلاده من تل ابيب الى القدس، و"تشجيع" دول أخرى على أن تحذو حذوه وتنقل سفاراتها الى القدس، الفلسطينية العربية، الإسلامية المسيحية، وقد فعلتها خمس دول حتى الآن، أوّلها غواتيمالا وآخرها هندوراس.
من مكوّنات أمريكا اللاتينية بوسطها وجنوبها، والتي من المفترض أن تكون توأم فلسطين وتوأم الدول العربية، وخاصة وأن هناك دول أمريكا الجنوبية الإثنتي عشر والدول العربية الإتنتين وعشرين، منضوية تحت إطار تجمّع دول "الأسبا"، والذي بدأ عام 2005، في البرازيل، بمبادرة من الرئيس حينذاك لولا دا سيلفا، على مستوى القمة، والتي تنعقد كل سنتين أول ثلاث سنوات، بالتناوب بين المنطقتين الجغرافييتين، ويُفترض أن يكون هناك تنسيقا وثيقا وحثيثا بين هذه الدول الأربعة والثلاثين، وأن لا تتسرّرب أصابع إسرائيل، مدعومة بالكف الأمريكي، وتعبث هكذا ببساطة في هذه الدول وعلاقاتها التاريخية المميّزة والممتازة مع فلسطين والوطن العربي، كون هذه الدول تكتنز في أحشائها أيضا أكثر من إثني عشرة مليون نسمة من أصل عربي، لبناني وسوري وفلسطيني، يُشكلون رأس هرم المجتمع والدولة في ربوع العالم الجديد، ويسيطرون على جزء معتبر من ثروات هذه البلاد وبنوكها وشركاتها ومؤسساتها الإقتصادية والتجارية والصناعية والزراعية والأكاديمية والثقافية والرياضية والإعلامية.
كما أغلقت أمريكا قنصليّتها في القدس الشرقية وجعلتها "زائدة دودية" في سفارتها في القدس الشرقية أيضا، وقبلها أغلقت مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، مُعلنة، بهذا وهكذا، وعلى رؤوس الأشهاد، و"على عينك يا تاجر"، وفي وضح النهار، إغلاق الشق السياسي مع أي تعامل مع الفلسطينيين، " وإلّي بيدري بيدري، وإلّي ما بيدري بيقول كف عدس"!!!! وإبقاء الشق الأقتصادي الإنساني من "أجل تحسين ظروف معيشة الفلسطينيين"!!!
والى جانب ذلك، جفّفت أمريكا منابع تمويل الأنروا، من أجل سحق وجود اللاجئين وإعدام قضيّتهم بحسب الرغبة الإسرائيلية، وقد صرّحت أمريكا أكثر من مرّة بأن صفة لاجىء تنطبق على ثلاثين ألف نسمة فقط من الذين هاجروا "قسرا" من أرض فلسطين في حرب عام 1948.
وأهدت وإعترفت بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان العربية السورية. وتُحاول أن تُهدي جزءا من المياه الإقليمية اللبنانية لإسرائيل، بالمداهنة، وتحت يافطة التحكيم الدولي. لكن صمود لبنان، الصغيرة بحجمها، أقل من نصف مساحة فلسطين التاريخية، ولكن الكبيرة بموقفها وأدائها، بإتحاد شعبها وجيشها ومقاومتها، لم تفتح الباب لأمريكا كي تفح سمومها فتنة وعدوانا.
وبحسب النبأ، الأنباء، فإن الوريث لمقعد السيّد غرينبلات في "مبعوثية" أمريكا لعملية السلام في الشرق الأوسط، صفقة القرن، "هو الشاب الثلاثيني آفي بيركوفيتش، الذي تخرّج من كليّة الحقوق بجامعة هارفارد عام 2016، ويُعتبر منذ ذلك الحين الساعد الأيمن لكوشنير، حيث تمّ إلحاقة بفريق صفقة القرن، مع كوشنير وغرينبلات والسفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان. وقد شارك بيركوفيتش في حملة ترامب الرئاسية عام 2016. وأن الدبلوماسيين الأمريكيين المتمرّسين يجدون صعوبة في فهم كيف توكل مثل هكذا مهمة الى شاب صغير حديث التخرّج يخطو خطواته الأولى في عالم السياسة".
يبدو أن هذا الشاب، حسب صحيفة معاريف العبرية، "قد نشأ في بيت يهودي أرثوذكسي، ودرس في إسرائيل لمدة عامين في مدرسة دينية أرثوذكسية، بعد المدرسة الثانوية". وأن دوره، بحسب تصريح هوب هيكيس، المتحدّثة السابقة بإسم البيت الأبيض، كان إداريا لوجستيا في المقام الأول وكان يتضمن التنسيق بين الإجتماعات". أما مارتن إنديك، فقد علّق على تعيين بيركوفيتش في "المنصب الجديد، قائلا: "هذا شخص لطيف، لكنه لا يتمتّع بتجربة سابقة".
ويبدو أيضا أن هذا الشاب الفتي، الذي خرج من تحب إبط معلّمه الشاب أيضا كوشنير سيكون له دور هام في السياسة الأمريكية الجديدة المُتجددة تجاه الشرق الاوسط وخاصة تجاة صفقة القرن.
في هذا الصدد، يرجى ملاحظة أنّه يتم إستبدال جيسوب غرينبلات، "المُجرّب"، مبعوث الرئيس ترامب لسلام الشرق الأوسط، وصفقة القرن، بشاب فتي، قليل التجربة السياسية، هو مبعوث كوشنير الى صفقة سلام الشرق الأوسط. بمعنى أن التعامل مع صفقة القرن "سينحدر"، سيُخفّض من مستوى الرئيس ومبعوثه الى مستوى كوشنير ومبعوثه. وهذا ما يحصل تماما في العلاقات الدبلوماسية وفي العرف الدبلوماسي عندما تُخفّض دولة، من طرف واحد، مستوى تعاملها الدبلوماسي مع دولة أخرى تسوء معها علاقاتها، فتسحب السفير وتبقى العلاقات على مستوى "قائم بأعمال". ويكون القائم بالأعمال بالضرورة أقل مرتبة من السفير، وليس لديه صلاحيات السفير، الذي هو عادة مفوّض وفوق العادة. ويكون القائم بالأعمال بدرجة مستشار أو مستشار أول دبلوماسي، أو في تسمية أخرى وزيرا مفوّضا، وهي درجة دبلوماسية أقل من السفير، وليس لها علاقة مع تسمية الوزير في حكومة مثلا.
إذن، يا سادة يا كرام، في إعتقادي المتواضع، فإن أمريكا تُخفّض حاليّا من إهتمامها باللعبة التي أسمتها صفقة القرن، لأنها عمليا أنجزت لصالح إسرائيل معظم بنودها، وتُقارب من نهايتها، ومن إغلاق ملفّها، فقد ألغت الشق السياسي كما أسلفنا، بالرغم من أنّها " ما زالت تُدندن بهذه الأغنية لتُطرب آذان محبي موسيقى الجاز".
وما تحتاجه الإدارة الأمريكية الآن هو إدارة الشق الإقتصادي من الصفقة. بدأته في قمة المنامة قبل عدة أشهر. ويضع ترامب هذه المهمة، كالعدة، في "أيادي أمينة"، أيادي صهره وأب أحفاده، كوشنير، التاجر الشاطر. إتّخذ له مساعدا ومبعوثا شابا، خرج من بين ثنايا إبطه، شاب يتقن لعبة الإدارة واللوجستية في المقال الأول، يهودي أرثوذكسي، يدعى آفي بيركوفيتش.