نشر بتاريخ: 28/09/2019 ( آخر تحديث: 28/09/2019 الساعة: 15:48 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
تعتبر التجربة الفلسطينية ، نوعية ومختلفة عن التجارب العربية قاطبة . ففي حين كانت أنظمة الاستبداد القومي العربي تعدّ الأنفاس في العواصم العربية كانت قواعد الثورة زاخرة بتجربة جرى نقلها والاستفادة منها لدى حركات التحرير في العالم ، من افريقيا الى أمريكا اللاتينية الى امريكا الوسطى والى العالم العربي .
ولغاية المؤتمر الوطني في الجزائر عام 1988 كانت تجربة الديموقرطية الفلسطينية باعتبارها حركة تحرّر ، تعتبر هي الاقوى والأكثر تأثيرا بين الامم . وقد نجحت المنظمة في جمع الاختلافات والمشارب والفلسفات والايديولوجيات والاحزاب والحركات جميعها في بوتقة واحدة ، فكنت ترى التيارات الاسلامية الى جانب الاحزاب الشيوعية ، ومن حولها الحركات القومية والبروليتارية والرأسمال والنخبويين والفئويين يجلسون جميعا في نفس القاعة ويوقعون على بيانا مشتركا .
لم يظهر أثر هذه الديموقراطية على المستوى المرحلي فقط ، وانما شق لنا طريقا جاهزا نحو المستقبل وانه لا يمكن ولا يعقل لفصيل واحد ان يحكم وأن يقرر مصير الفلسطينيين . وهذا مثبت .
وان جميع التجارب الفئوية والانعزالية التي شهدتها الثورة ، كانت مجرد ثورات مضادة ، طال عمرها او قصر . وان كانت هذه الثورات المضادة تكسب بعض المعارك الا انها محتومة بالخسارة الاستراتيجية . والتجارب شاهدة في لبنان والاردن وسوريا والعراق واليمن والجزائر وليبيا وتونس وغزة ، لانه من دون اتفاق القوى والفصائل على الخطوط العامة لحركة التحرير . لا يمكن النجاح .
وقد عاش الوطن العربي تجارب أخرى غير القومية المستبدة ، فكانت تجربة الحركات الاسلامية والتي جاءت بعد ظلم واستبداد جعفر النميري ، أسوأ وأشد وجعا على السكان . ومثلها تجربة الاخوان المسلمين في مصر ، ومثلها التجارب اليسارية الجامحة وانقلاب الحكم في العراق ايام عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وفي ليبيا ايام العقيد معمر وفي اليمن أيام عبد الفتاح اسماعيل .. وهكذا .
لم ينجح أي حزب قومي ، أو اسلامي ، أو يساري في خلق نظام حكم عادل في العالم العربي في التاريخ المعاصر . وإنما كان التوازن هو الحل الأمثل والانجح لتجاوز الازمات الاقتصادية والسياسية والامنية التي لم تنفك تهلك الدول العربية الغنية قبل الفقيرة .
في العام 1996 بدأت التنظيمات الفلسطينية تعقد مؤتمراتها في قاعات النفادق ( وهذا ليس عيبا أبدا ) . لان جزء كبيرا من الفدائيين تركوا مسعكرات الثورة في الشتات وعادوا الى ارض الوطن .. ولكن عقلية المعسكرات والبنادق والخنادق لا تزال تحكم الذين جاءوا الى الفنادق .
نحن ذاهبون الى انتخابات صعبة وعجيبة في ظل وجود مناطق جغرافية وسكانية تحت سلطات حكم مختلفة . وسيحاول الجميع أن يثبت من خلالها انه الافضل والارقى والاكثر ديموقراطية .
وجهة نظري أن الحل الافضل الاّن هو انتخابات بالتوافق . وبعيدا عن الاستعراضية والمبالغة ، فان الشعب الفلسطيني في الارض المحتلة ، مكلوم بالوجع والحصار والملاحقة البوليسية . وما بين شهيد وأسير وجريح ومحاصر وفقير تختلف المعانة لكنها وحدة حال .
ان توافق فتح وحماس وباقي القوى على قائمة جديدة للبرلمان هو الحل الافضل للمصلحة العامة .. الى حين يزيل الله هذه الغمة وتستقر الأوضاع بشكل أفضل .
وبهذا يكون الجميع اخذ الحد الادنى من تمثيله في البرلمان الجديد ، ونكون قد استعدنا الشرعية المستمدة من سلطات الشعب ، ونمنع عن انفسنا عناء المزيد من الدعاية السلبية والانقسام .