الإثنين: 03/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

رسالة منزوعة الدسم

نشر بتاريخ: 29/09/2019 ( آخر تحديث: 29/09/2019 الساعة: 09:53 )

الكاتب: اللواء بلال النتشة

عندما يصدح صوت الاذان الصادر من المسجد الأقصى وتقرع أجراس القيامة وتدب الحياة الفلسطينية في شوارع القدس وبلدتها القديمة وينتشر الباعة المتجولون في الشوارع والازقة رغم ملاحقة بلدية الاحتلال لهم تتعزز قناعتي المستندة الى حقائق ملموسة بأن مشاريع التهويد المتسارعة باءت وستبوء بالفشل وان مساعي إسرائيل لتغيير الطابع العربي الأصيل للمدينة المقدسة لن تجدي نفعا ولن تجد من يمررها عند أبناء القدس المرابطين في مدينتهم حتى قيام الساعة .
هذه الحقائق الملموسة على الأرض تقض مضاجع المؤسستين الأمنية والعسكرية في إسرائيل وتوصل رسالة شديدة اللهجة بأن القدس ليست فريسة سهلة الاصطياد . لذلك فان سلطات الاحتلال لن تتوقف ولو للحظة عن التفكير في ابتداع سياسات وأساليب ترهيب مختلفة كي تجبر المقدسيين على التسليم بالأمر الواقع غير مدركة في الوقت ذاته بان المقدسي بطبيعته وفطرته عنيد وعنيف وكلما اشتدت عليه حلقات الحصار كلما ازداد صلابة وشراسة في المواجهة والدفاع عن حقوقه .
وهذا ما يفسر بقاء المواطنين في البلدة القديمة على سبيل المثال متسمرين في بيوتهم المرممة رغم "تلوث" البنية المجتمعية بأصحاب السوالف والقبعات السوداء. وفي إحصائية بسيطة فان نسبة المستوطنين الذين تمكنوا من تملك بيوت في هذه البلدة عبر أساليب كثيرة غير نظيفة تشكل واحدا ونصف بالمئة من عدد السكان الفلسطينيين الذين يناهزون الأربعين الفا ما يعني ان كل محاولات إسرائيل لإغراء الناس بالمال الغزير لبيع بيوتهم والرحيل عن القدس لن تحقق الهدف الاحتلالي المأمول .
من هنا ينبع القلق الديمغرافي الإسرائيلي والهوس الأمني الذي تعبر عنه دولة الاحتلال بممارسات عنيفة تصل حد اعتقال وزير القدس فادي الهدمي ومحافظها عدنان غيث وهو ما يخالف القانون الدولي والاتفاقات السياسية الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل والتي تمنع بموجبها هذه الأخيرة من الاقدام على أي خطوة تمس بالسيادة الفلسطينية ورموزها سواء في القدس او في بقية محافظات الوطن . لكن دولة الاحتلال تعتبر نفسها فوق القانون الدولي ولا تعير أي اهتمام للاتفاقات الموقعة ما يعني انها تفتح الباب واسعا امام أي تطورات ميدانية تعيدنا الى مربع المواجهة الأول .

وفي هذا السياق لابد من الإشارة الى سلسلة الاقتحامات اليومية التي تنفذها الجماعات الاستيطانية المتطرفة للمسجد الاقصى المبارك وقبل أيام كانت بقيادة رئيس "الشاباك" السابق آفي ديختر ما يعني ان العملية منظمة وتنفذ بقرار سياسي وليس كما تدعي إسرائيل بان المسألة مختزلة في صراع ديني على " مسجد وهيكل" ، فالقضية اعمق من ذلك بكثير وهي سياسية بامتياز والصراع يدور على : القدس لمن ؟ وليس على الجهة التي تصلي في الأقصى مع تأكيدنا على ان المسجد هو إسلامي خالص ولا ينازعنا في ذلك احد ولن يسمح بذلك لا اليوم ولا غدا .
ومن هنا فإنني احذر من استمرار إسرائيل في جس نبض المقدسيين ، فعندما جازف شارون واقتحم الأقصى بأكثر من الف جندي هب الكل المقدسي للذود عن مسرى الرسول الكريم واندلعت انتفاضة في طول الوطن وعرضه وغيرت حقائق كثيرة على الأرض فهل تسعى إسرائيل الى جرنا والمنطقة بأكملها الى مربع العنف مجددا ؟ وهل يريد اليمين الإسرائيلي المتطرف ان يصعد الى الحكم في إسرائيل على حساب الدم الفلسطيني الذي يستخدمه في حملاته الانتخابية والتي كان اخرها انتخابات الكنيست التي كشفت عن الوجه الحقيقي للشارع الإسرائيلي الذي استبدل طغمة حاكمة فاسدة بجنرالات حرب ملطخة أيديهم بدماء أبناء شعبنا في كافة ارجاء الوطن .
على العالم ان يدرك ان إسرائيل لا تستطيع ان تعيش بدون اختلاق أزمات وبدون ان تمارس احتلالها للشعب الفلسطيني على اكمل وجه . ولذلك اكدنا مرارا وتكرارا انه لا يمكن ان يتعايش الشعب الفلسطيني مع هذه الاحتلال الذي ينهب الأرض وما في باطنها ويبني المستوطنات في المدن والارياف وعلى قمم الجبال ويقتلع السكان ويشتت شمل العائلات عبر سياسة هدم البيوت ومصادرة الأرض والثروات الطبيعية كما يحصل مع سكان الاغوار وبادية القدس والخان الأحمر وجبل البابا وأبو النوار والمنطار في السواحرة .
ولكي تبقى الصورة متكاملة وموضوعية وخاصة ونحن نخاطب في هذه العجالة المجتمع الدولي ومن يدعي في إسرائيل انه يعارض بقاء الاحتلال فإنني اعترف بان هذا الأخير يستطيع ان ينغص علينا في كل تفاصيل حياتنا وبإمكانه ان يقتل ويبطش ويعتقل ويمنع الناس من المرور عبر الحواجز ويشدد الخناق على البدو المنتشرين في كافة المناطق المصنفة " سي" ويقطع عنهم أسباب الرزق كما بإمكانه رعاية إرهاب المستوطنين وعربدتهم في الأقصى ولن يمنعه احد من اعتقال القادة والمسؤولين الفلسطينيين او الاعتداء على المسؤولين الدوليين الذين يأتون لاستطلاع الحقائق ومناصرة شعبنا المحتل ، لكنهم في نهاية المطاف لن يستطيعوا اقتلاعنا من ارضنا او قتل روح الانتماء للوطن والقضية بل على العكس فأن الفلسطيني الذي خبر كل أنواع التنكيل والعذاب لن تستطيع أي قوة في العالم ان تجبره على التنازل عن حقه في الاستقلال والحرية مهما كلف ذلك من ثمن .
ويجدر التذكير هنا بما اكد عليه سيادة الرئيس محمود عباس "أبو مازن" وهو يخاطب الأمم المتحدة باننا لن نرضخ للاحتلال مهما كانت الظروف وسنقاومه بكل الوسائل المتاحة معيدا التشديد مرة أخرى على ان هذا الاحتلال الى زوال وان مسؤولية حماية السلام والقانون الدولي تقع على عاتق الأمم المتحدة وان واشنطن وسفرائها الذين يدعمون الاستيطان ويعتبرونه شرعيا على ارضنا المحتلة هم ليسوا قدرا علينا ولن نقبل بان تبقى العملية السلمية حكرا على دولة واحدة مشيرا بذلك الى اميركا .
ومن هنا نقول : ان اعتماد إسرائيل على توجيه ضربات استباقية للجسد الفلسطيني كي يهزل ويستسلم لن يكون مصيرها الا الفشل . وعلى من سيحكم إسرائيل ان ينظر بكلتا عينيه الى جبل البابا على سفوح العيزرية عله يستخلص العبر من بدوي لا يملك من مقومات الحياة الا الإرادة كيف يزرع في أبنائه مبادئ الانتماء والولاء لأرض الإباء والاجداد . وان الانسان يستطيع ان يحيا بدون خبز لكنه لا يمكن ان يعيش بلا كرامة او وطن . رسالة منزوعة الدسم الى من سيأتي قريبا كي يكمل مسيرة انهاء وجودنا ... ولكنه حتما لن يحقق ذلك .