نشر بتاريخ: 28/10/2019 ( آخر تحديث: 28/10/2019 الساعة: 08:27 )
الكاتب: د.سفيان ابو زايدة
الجدل الداخلي الفلسطيني حول قرار الحكومة الفلسطينية بوقف استيراد العجول من اسرائيل اثار من جديد قضية العلاقة مع الاحتلال وكيفية الانفكاك السياسي والاقتصادي وما اذا كان هذا الامر ممكن ام لا.
للتذكير فقط قبل ثلاثة شهور اعلن الرئيس الفلسطيني "ابو مازن" قرارا بوقف العمل بالاتفاقات مع اسرائيل بعد هدم الاحتلال لمنازل المواطنين الفلسطينين في وادي الحمص في صور باهر وامر بتشكيل لجنة من المسؤلين الفلسطينيين لوضع آليات لتنفيذ هذا الاقرار .
بعد مرور ثلاثة شهور من غير المعروف اذا ما عقدت هذه اللجنة اي اجتماع وان اجتمعت غير معروف اذا ما اتخذت اي قرار او وضعت اي آليات او حتى تقدمت بمقترحات.
بشكل شخصي كنت واثقا ان قرار وقف العمل بالاتفاقات الموقعة سيكون مصيره كمصير القرارات السابقة التي اتخذتها السلطة و المجلسين الوطني والمركزي والمتعلقة بتحديد العلاقة وفك الارتباط وتجميد الاتفاقات وغيرها من المسميات التي اصطدمت بواقع مرير عنوانه ان التخلص من الاحتلال لا يتم باتخاذ قرارات عاطفية شعبوية غير قابلة للتطبيق على ارض الواقع.
هذا الواقع الذي يتحكم فيه الاحتلال بكل تفاصيلة ويتحكم بكل مفاصل السلطة ليس فقط الاقتصادية، بل يتحكم بالهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه والكهرباء التي نحتاجها.
السلطة الحالية التي هي نتاج اتفاق سياسي مع الاحتلال من الناحية العملية ليست اكثر من سلطة حكم ذاتي محدود لادارة الحياة الداخلية الفلسطينية ليس لها سلطة على المعابر والحدود وليس لها حرية الاستيراد والتصدير وليس لها صلاحيات على الامن ليس فقط في مناطق "سي" بل ايضا في كافة المناطق الفلسطينية، كما سماها الرئيس عباس سلطة تحت بساطير الاحتلال.
ليس هناك شك ان كل فلسطيني حُر يريد ان يتحرر من الاحتلال الاسرائيلي سواء كان السياسي او الاقتصادي. لكن الامر لا يتعلق برغبات بقدر ما يتعلق بالظروف السياسية والاقتصادية والقدرة على تنفيذ القرارات التي يتم اتخاذها.
قرار وقف استيراد العجول من اسرائيل الذي اتخذته الحكومة الشهر الماضي ليس من المعروف اذا كان قرارا يأتي ضمن خطة مدروسه او يـأتي ضمن خطه متكاملة تعرف الحكومة كيف ستبدأ وتعرف الى اين ستصل ام قرار سيذوب مفعوله مع الزمن وستتراجع السلطة عنه حتى دون تقديم مبررات لهذا التراجع كما حصل في حالات سابقة.
على سبيل المثال من غير المعروف كيف ستتصرف الحكومة ورئيس الوزراء الدكتور شتية اذا ما نفذت اسرائيل تهديداتها ليس فقط بمنع استيراد العجول من الخارج بل ايضا منعت تصدير بعض الاصناف الحيوية للاقتصاد الفلسطيني مثل التمور وزيت الزيتون واصناف اخرى، سيما ان هذا القرار على ما يبدو لا يحظى باجماع داخل مؤسسات السلطة الفلسطينية وقياداتها حيث عبر الوزير حسين الشيخ رئيس هيئة الشؤون المدنية بشكل علني عن عدم قناعته بهذا القرار او اي قرار اخر مشابه لعدم قدرة السلطة على تحمل تبعاته؟.
نعم هذا ليس من العدل ان تجبرنا اسرائيل على شراء العجول فقط من اسواقها ولا تسمح لنا بالاستيراد الحر من الاسواق العربية والعالمية، كما انه ليس من العدل اصلا استمرار الاحتلال واستمرار السيطرة على المعابر وليس من العدل استمرار مصادرة الاراضي وبناء المستوطنات وتقييد حركة الفلسطينيين.
الواقع يقول ان اسرائيل تستطيع ان تنفذ تهديداتها ولديها القدرة على تنفيذ القرارات التي تتخذها اما الحكومة الفلسطينية والسلطة الفلسطينية ليس لديها الامكانيات لاجبار اسرائيل على فتح المعابر والاستيراد والتصدير رغم انفهم.
نعم الاحتلال الاسرائيلي ليس قدر يجب التسليم به وهذا الواقع الذي فرضته علينا ليس قدر ايضا، لكن السؤال كيف يمكن تغيير هذا الواقع وما هي الاولويات التي يجب ان نبدأ باتخاذها.
يقول رئيس الوزراء شتية في سياق دفاعه عن قرار الحكومة موجها حديثه لرجال الاعمال الفلسطينيين، قائلا: ان السلطة تستورد عجول من اسرائيل بـ خمسة وثمانين مليون دولار سنويا في حين لا يسمحون لنا بتصدير البيض للاردن وطالما لا يسمحون لنا لن نسمح لهم، فصفق له الحضور بحرارة.
لكن لم يسأل احد الدكتور شتية ماذا ستفعل حكومته اذا رفضت اسرائيل السماح للسلطة بالاستيراد ومنعت تصدير بعض المنتجات الفلسطينية.
هل تستطيع السلطة توفير البديل او هل هناك منتج وطني يغطي حاجة السوق الفلسطيني؟.
الم يكن من الافضل اتخاذ هذا القرار بعد دراسة معمقة وتهيئة السوق الفلسطيني لهذا؟.
الامر الذي يحتاج الى تهيئة البنية التحتية الامر الذي قد يستغرق عدة سنوات.
من غير المفهوم لماذا لم يتم اتخاذ قرارات اكثر عملية وتقود الى نفس النتيجة. على سبيل المثال هناك مئات الاصناف غير الضرورية التي تملأ السوق الفلسطيني ولها بديل منتج محلي مثل منتجات الالبان والحلويات والقهوة والدقيق والمعلبات وغيرها من المنتجات التي تستورد من اسرائيل بمئات ملايين الدولارات.
خلاصة القول لا تتخذوا قرارات انتم غير قادرين على تنفيذها ولا تتخذوا قرارات ستضطرون للتراجع عنها في المستقبل. الشعب الفلسطيني متفهم لضعفكم وقلة حيلتكم امام غطرسة الاحتلال وصلفه.
واتمنى ان يخيب ظني وتصمدون في قراركم ولا تتراجعون عنه امام ضغوطات الواقع المرير.