الإثنين: 03/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

القاعدة وداعش، ومآرب المؤسسين

نشر بتاريخ: 03/11/2019 ( آخر تحديث: 03/11/2019 الساعة: 11:11 )

الكاتب: ناصر دمج

استخدم آخر ثلاثة رؤساء أمريكيين (بوش الابن وأوباما وترامب) تنظيمي القاعدة وداعش - كذريعة - خلال العقدين الماضيين على نحو مكنهم من تحقيق مآربهم الاستراتيجية، وفي مقدمتها احتلال وتحطيم (أفغانستان والصومال وسوريا والعراق واليمن وليبيا)، وبفضل تلك الذريعة قتلت الولايات المتحدة حوالي 27 مليون مسلم في الفترة نفسها، في سكان تلك الدول وغيرها من بلاد المسلمين، يستنتج من ذلك أن (الذريعة الفذة) هي من صناعة المتذرع بها على قدر ما حققته من فوائد له؛ كان من الصعب إحرازها بدونها.
تم ذلك، بعد أن أقنعت الولايات المتحدة دول العالم بأن تنظيم القاعدة الغامض هو من فجر برجي التجارة العالميين في نيويورك، ما سهل عليها منح نفسها حق ملاحقته واستباحة كل مكان يتواجد فيه، ما دشن عهداً جديداً من عهود إعادة انتاج الاستعمار - من خلال التدخل - وبطرق تتلائم مع الظروف الحالية للعالم، وهي استراتيجية تتطلع للسيطرة المباشرة على مصادر الطاقة في الوطن العربي.

جوهر الفكرة

مع نهاية الحربِ الباردةِ عام 1990م، أعلنَت الرأسمالية المتجددة عن عثورِها على العدوّ الجديدِ وهو الإسلام، وفي سياقِ هذا التّحديد للعدوّ الجديد، سمعنا الكثيرَ عن الظّلم الكبيرِ الذي لَحِق بالإسلامِ والمسلمينَ عبر العالم، وعلى هذه الخلفيّة العريضةِ من التّشويه 1990- 2001م، تقبّلَ العالمُ فكرةَ انبعاثِ تنظيمٍ إسلاميٍّ دمويٍّ، اسمُه القاعدةُ كردّةِ فعلٍ على التّعسفِ الغربيّ بحقّ الإسلام، وتمّت مطاردةُ هذا التنظيم، داخلَ ديارِ المسلمينَ بعدَ الحادي عشر من أيلول 2001م، وكلّما أرادتْ إمبرياليّةُ القرنِ الحادي والعشرين استهدافَ أيَّ بلدٍ عربيٍّ أو مسلمٍ، استبَقتْ ذلك بإنباتِ غراسِ القاعدةِ في تُربتِه، وتنتظرُ حتّى يحينَ موعدُ حصادِ تلك الغِراس، والذي يستهلّ بقراراتٍ دوليّةٍ صادرةٍ عن مجلسِ الأمنِ، مرورًا بالضّرباتِ الجويّةِ، وانتهاءً بالغزوِ العسكريّ المباشر.
لذا فإنّ الخطرَ الأكبرَ الذي تواجهُه الأمّتين العربيّةِ والإسلاميّةِ في القرنِ الحادي والعشرين هو خطرُ تنظيمِ القاعدةِ والتنظيمات المماثلة له، كونهم يشكلون مسبّباً مستقراً للتدخّل الخارجي واستجلابه، مع ملاحظة أن نشاط تلك التنظيمات مركز في الدول العربية المدرجة على لائحة التدخل الأمريكي، وتلك الدّولِ (دول المنطلق) منطَلقِ عمليّات التنظيمِ هي من الدّولِ التي سيشملُها التّغييرُ ضمنَ مشروعِ الشّرق الأوسطِ الجديدِ كأفغانستان وباكستان والصّومال واليمن والمملكة العربيَة السعوديّة ومصر والسّودان والعراق وغزّة ولبنان وسوريا.
فبعد مرورِ اثني عشر عامًا على تفجيرِ بُرجي التّجارة العالميين في نيويورك في 11 أيلول 2001م، فإنّ تنظيمَ القاعدةِ لم يُقدّمْ للأمّتين العربيّة والإسلاميّة أيّ عملٍ نافعٍ، بالمقابل حصل الغربُ في سياقِ مطاردتِه العسكريّة الساخنةِ له في ساحةِ الشّرقِ الأوسطِ على كلِّ ما أرادَه، فنقلَ الخرابَ من أفغانستان إلى باكستان إلى العراقِ والصّومالِ والسّودان واليمن وليبيا وسوريا، ولاحقًا إلى كلّ الدّول المذكورةِ في مشروعِ تقسيمِ العالمِ العربيّ وتفتيتِه المعروفِ بمشروعِ (الشّرق الأوسطِ الجديد) الذي يُحاكي الفَوارقَ الإثنيّة والطائفيّة في الدّول العربيّة والإسلاميّة، والذي أَطلقَ عليه مصمّمه (رالف بيترز Ralph Peters) اسم (حدود الدم Blood borders).

ظاهرة تنظيم القاعدة، وسلالته الخطرة

وهي التي تم تطويرها من قبل المخابرات الأمريكية في غير بلد عربي وإسلامي، كاليمن والعراق والجزائر وسوريا وليبيا وأفغانستان وباكستان، وأصبح هذا التنظيم أحد تشكيلات وكالة المخابرات الأمريكية الفاعلة بلا منازع؛ وقبل التوسع في تعريف بتنظيم القاعدة، كونه تحول إلى أبرز ظاهرة ستؤثر في مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي، ومصير المشرق العربي برمته؛ وقبل ذلك أريد أن أسجل هنا ثلاثة ملاحظات حول هذا الموضوع، وهن:
الملاحظة الأولى: إن غالبية قادة القاعدة المعروفين وغير المعروفين، من بقايا المجاهدين العرب ضد الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، تربطهم صلات وثيقة بالمخابرات الأمريكية، بسبب الدعم الذي كانوا يتلقوه من الولايات المتحدة لمحاربة السوفيات في تلك الفترة من الحرب الباردة، وهذا ينطبق على جزء من الجيل الثاني لقادة القاعدة، مثل أنور الظواهري وأبو عمر المصري وأنور العولقي، الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة الأمريكية.
الملاحظة الثانية: تنظيم القاعدة هو عبارة عن تنظيمات منفصلة وليست متصلة لا يربطها ببعضها بعضاً أي رابط تنظيمي، الأمر الذي سهل مهمة تكوين أجسام إجرامية عديدة ومختلفة منه لكنها تحمل الاسم نفسه، منها (جماعة التوحيد والجهاد) في العراق و(القاعدة في بلاد الرافدين) و(القاعدة في بلاد اليمن) و(جيش أهل السنة والجماعة) و(الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا) و(الجماعة الإسلامية المجاهدة في المغرب- مراكش) و(جماعة الجهاد المصرية) و(الجماعة الإسلامية المصرية) و(تجمع المجاهدين في الجزائريين) و(تجمع المجاهدين التونسيين) و(تجمع المجاهدين في الأردن وفلسطين) و(معسكر بن خلدون، وهو معسكر تدريبي في أفغانستان أسسه عبد الله عزام) و(معسكر الشيخ أبو خباب المصري، وموجود في أفغانستان أيضاً) و(مجموعة معسكر الغرباء وكان موجوداً في أفغانستان) و(مجموعة المجاهدين الأوزبك) و(جماعة المجاهدون من تركستان الشرقية المحتلة من قبل الصين الشعبية) و(مجموعة المجاهدون الأتراك) و(تنظيم القاعدة في مورتانيا ومالي) و(تنظيم القاعدة في صحراء سيناء وقطاع غزة – تنظيم بيت المقدس) و(حركة الشباب المجاهدين في الصومال) (المجموعة الإسلامية المسلحة في سورية المعروفة - جبهة النصرة)و(جماعة خراسان المقاتلة في سوريا) وأخيراً (تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام – داعش).

الملاحظة الثالثة: اقتران عمليات التنظيم بالدول الإسلامية والعربية، التي سيشملها التغيير ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد، كأفغانستان وباكستان والصومال واليمن والمملكة العربية السعودية والأردن والسودان والعراق وسوريا ولاحقاً غزة وسيناء ولبنان، الأمر الذي يشكل مدخلاً واقعياً لتصنيف هذه الدول من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، كدول مصدرة للإرهاب وتحتاج أحوالها للعلاج، فيتم ذلك بالتدخل الخارجي المتدرج.

جذور القاعدة

عُرفَ تنظيمُ القاعِدة بهذا الاسم بِحلولِ شهر أيار من عام 1986م ويعتبر الدكتور (عبد الله عزام 1941- 1989م) وهو من قادةِ الإخوان المُسلمون سابِقاً في فلسطين والأردن، وتعودُ أصوله إلى بلدة السيلة الحارثية غرب مدينة جنين في الضفة الغربيّة، وهو أحَد رواد (الجهاد الأفغاني) ومن أوائلِ المُجاهدين العَرب الّذين توجَهوا إلى أفغانستان لِمقاتلةِ الجَيش السوفيتي هُناك، مُطلقاً اسم (القاعدة) على التَنظيم الّذي كانَ يَترأسه "أسامة بن لادن"، وذلك بعد أنْ أنشأ في أفغانستان مُعسكراً مُخصصاً لاستقبالِ المتُطوعون العَرب عُرف باسم (عرين الأسد)، ولِتسهيلِ إدارة هذا المُعسكَر قررَ عبد الله عزام تأسيسَ (قاعدة بيانات) إداريّة وعلميّة لِلمقاتلين العرَب الوافدون إلى أفغانستان، وأطلقَ على هذِه التطور اسم القاعِدة، ومُنذُ ذلِك الحين عُرفُ تَجمع المقاتلون العرَب باسم (القاعدة).

وبعدَ انسحابِ الجَيش السوفيتي من أفغانستان توزعَ قادةُ تنظيم القاعِدة بينَ الدول الإسلاميّة، وعادوا لِلتجمُعِ مع بدءِ دُخول الجَيش الأمريكي لِلكويت والعَربيّة السعوديّة، واندِلاع حرب الخليج الأولى (عاصفة الصحراء) ولأنَّ أسامة بن لادن عارضَ هذا التواجد قررَ إعلان الجِهاد العالمي ضد القُوات الأمريكيّة في المَنطِقة، وبدء التَنظيم بإعادةِ تَشكيل نَفسه من خلال إدارة لا مركَزيّة مَرنة، وبرزَ في هذِه الفترة قادة كُثر للتنظيمِ منهم (أيمن الظواهري وطارق الفضلي) وهو الابن الأكبر لآخر سلاطين اليمن، والعَقيد "محمد مكاوي" وهو ضابطُ أمن شرطة مصري سابق، برزَ كمُساعد فَذ لأيمن الظواهري، و(محمد صادق عوده وعلي الرشيدي) المَعروف باسمِ أبي عُبيدة البنشيري وهو القائدُ العَسكري للتنظيمِ في تلك الفَترة.

وفي مَطلعُ تسعينيات القَرن العِشرين نَفذَ التنظيمُ مَجموعةً من العملياتِ العَسكريّة الناجِحة كعمليةِ (فندق جولدن مور) في مدينةِ عَدن عام 1992م وعمليتي نيروبي ودار السلام، والعَمليّة الشَهيرة المَعروفَة بِتفجيرِ بُرجَي التِجارة العالميّين في 11 أيلول 2001م - المَشكوكُ في صِحة نَسبها للتنظيمِ الأصّلي - وفقاً للعديدِ من النظرياتِ السِياسيّة والاستخباريّة حولَ العالَم، ومنها وجهَة نَظري المُؤيدة لهذا التَشكيك بكلِ تأكيد.
بعد احتلال العراق في نيسان 2003م، وسُع تَنظيم القاعدة في أفغانستان والشرق الأوسط، من عملياته العسكرية ضد الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها، وتحولت أرض العراق إلى مسرح كبير لعملياته الانتحارية، بالمقابل طورت الولايات المتحدة طرق تصديها له؛ وطرق استغلاله والاستفادة من اسمه لاستكمال تنفيذ مآربها في المنطقة، وبالفعل تمكنت المخابرات المركزية الأمريكية من إنتاج طوائف كثيرة تعمل بطريقة القاعدة من حيث الشكل والأسلوب، لكن أبرزها وأخطرها على وجه الإطلاق كان تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش) الذي تبوأ صدارة المشهد في المشرق العربي بعد تمكنه من السيطرة على مدينة الموصل في محافظة نينوى شمال العراق بتاريخ 9 حزيران 2014م، وسيطرت مقاتلوه على عشرات المقرات والمكاتب الحكومية؛ وطردوا منها رجال الجيش والشرطة العراقيين، وسيعتبر هذا الأمر نقطة تحوّل مهمّة في تاريخ المنطقة العربية؛ وتاريخ مسيرة عمل القاعدة منذ تأسيسها لغاية تاريخه، وقبل ذلك كان تنظيم (داعش) قد بسط سيطرته في كانون الثاني 2014م بالتعاون مع جماعات مسلحة أخرى على منطقة الفلوجه، وقطاعات مهمة من منطقة الرمادي غرب بغداد،كما يسيطر التنظيم نفسه على مساحات كبيرة من الأراضي السورية، وخاصة في محافظات الرقة وحلب‏ وريف اللاذقية، ودمشق وريفها ودير الزور وحمص وحماة و الحسكة وأدلب.

جذور داعش

خرج تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق) إلى الوجود من رحم تنظيم (جيش أهل السنة والجماعة) الذي شكله "أبو بكر البغدادي" بعد خروجه من معسكر الاعتقال الأمريكي (بوكا - (Bucca في العراق عام 2005م، وفي ذلك الوقت وقبله بسنوات، كان البغدادي على صلة وثيقة بتنظيم (جماعة التوحيد والجهاد) الذي كان يقوده "أبو مصعب الزرقاوي"، وتلك الجماعة كانت جزء من تنظيم (القاعدة)، وكان تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق) حينذاك على صلة وثيقة أيضاً بـالمجموعة الإسلامية المسلحة في سوريا، المعروفة بجبهة النصرة.
بعد مقتل الزرقاوي انتخب "أبو حمزة المهاجر" زعيمًا لتنظيم (القاعدة في بلاد الرافدين)، وبعد أشهر من ذلك أعلن عن تشكيل (دولة العراق الإسلامية) بزعامة "أبو عمر البغدادي"، لكن قوات الاحتلال الأميركي للعراق نجحت في نيسان 2010م في قتله ومعه أبو "حمزة المهاجر"، فاختار التنظيم "أبو بكر البغدادي" خليفة له، وبعد عام من ذلك، ظهر تسجيل صوتي لزعيم التنظيم الجديد يعلن فيه أن (جبهة النصرة) في سوريا هي امتداد له، وأعلن عن دمجهما تحت مسمى واحد وهو (الدولة الإسلامية في العراق والشام.
وفي نيسان 2013م أعلن رسميا عن ميلاد تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام - داعش)، وهذا يعني بأن جبهة النصرة، هي جزء من ذاك الإعلان، ويتألف اسم (داعش) من الحروف الأولي لأسم التنظيم، وراج هذا الاسم في الإعلام لسهولته في تمييز تلك الجماعة عن الكثير من الجماعات الجهادية الأخرى، ويضم تنظيم (داعش) مئات المقاتلين الأجانب من فرنسيين وبلجيكيين وشيشان وآسيويين.
لكن علاقة جبهة النصرة بداعش انتهت في بداية عام 2014م، واندلعت بينهما معارك شرسة في شرق وشمال سوريا، بعد ذلك أعلنت (داعش) رفضها العلني لسلطة وهيمنة الشيخ "أسامة الظواهري" زعيم تنظيم القاعدة، الذي كان قد طلب من (داعش) في نهاية عام 2013م التركيز على العراق وترك سورية لجبهة النصرة.
أبو بكر البغدادي من معتقل (بوكا - (Bucca إلى قيادة تنظيم داعش
بعد مقتل "أبو عمر البغدادي" اختار تنظيم (جيش أهل السنة والجماعة) "أبو بكر البغدادي" خليفة له، وهو الذي كان مسجوناً في معسكر الاعتقال الأمريكي في العراق (بوكا - (Bucca) على خلفية تأسيسه لجيش "أهل السنة والجماعة" وبسبب علاقته بأبي مصعب الزرقاوي، وتم الاتفاق معه على المهام التي سيقوم بتنفيذها، بعد تمكينه من إنتاج نسخة جديدة من تنظيم القاعدة، وخصص له من أجل هذه الغاية موازنة قدرت بـ 30 مليون دولار أمريكي، فتم بناء معسكرات تدريب خاصة به في صحراء الأنبار.
ومن الجدير ذكره هنا بأن المسؤول الأمريكي السابق في وكالة المخابرات الأمريكية (مايكل فيكرز) هو الذي كلف بمتابعة "أبو بكر البغدادي"، والإشراف على عمليات التنظيم الجديد وهو (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، ومن المعروف عن هذا المسؤول الأمريكي بأنه خبير في ملف (المجموعات الإرهابية)، ويطلق عليه داخل دوائر المخابرات الأمريكية اسم (الذئب الرمادي) وهو من الذين عملوا لسنوات طويلة مع مستشار الأمن القومي الأمريكي "زيبغنيو بريجنسكي" خلال فترة الرئيس "جيمي كارتر"، ويعد "مايكل فيكرز" من أهم المهندسين المشرفين على برنامج الوكالة المركزية للاستخبارات لتفريخ وتدريب وتسليح الحركات المتطرفة، التي تضاعف حضورها منذ الغزو السوفييتي لأفغانستان في سبعينيات القرن العشرين، وهو حائز على جائزة وكالة الاستخبارات الأميركية، في مضمار التخطيط، لإنجازه وتنفيذه مخطط استخدام (المقاتلين العرب) في أفغانستان لدحر القوات السوفيتية، الذين شكلوا فيما بعد تنظيم القاعدة.

وخدم "مايكل فيكرز" على مدار ثلاثة عشر عاماً في قوات العمليات الخاصة، من عام 1973م إلى عام 1986م، راكم خلالها خبرة مميزة في العمل الاستخباري، بعد ذلك خرج من نطاق الخدمة الحكومية لمدة عشرين عاماً، خلالها تمكن من إكمال دراسته الأكاديمية التي انتهت بحصوله على شهادة الدكتوراه في منتصف تسعينيات القرن العشرين.
وعندما استدعى الرئيس "جورج بوش الابن" مستشار الأمن القومي السابق "زبينغو بريجنسكي" في نهاية عام 2006م للتخطيط لإخراج الجيش الأمريكي من العراق، قام برجينسكي باستدعاء "مايكل فيكرز" على الفور، وكلفه برسم خطة انسحاب الجيش؛ والإبقاء على مجموعه منه تعمل تحت إشرافه، وتكوين خلايا سرية من المتطرفين العرب والأجانب، لتبقى جاهزة للعمل تحت إمرته.

في عام 2007م تم تعينه رئيساً لوحدة (العمليات الخاصة والإرهاب) الكائنة مكاتبها في الطابق الثالث من وزارة الدفاع الأمريكية، وهناك بدأ مشواره المدمر في بناء مخططات تشكيل (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق)، وغيره من التنظيمات التي ستخرج من الأدراج عند الحاجة لها.

مزيد من الشبهات حول نشأة وأهداف داعش

وفي معرض فحصنا لشبهة نشأة تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام) يمكننا التوقف عند ما صرح به "إدوارد سنودن" المسؤول السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكي، حيث قال "إن الوكالة وبالتعاون مع نظيرتيها البريطانية، وجهاز الموساد الإسرائيلي، مهدوا لظهور تنظيم (داعش)، وهناك تعاون وثيق بين أجهزة استخبارات الولايات المتحدة، وبريطانيا وإسرائيل، لرعاية ومتابعة هذا التنظيم المكلف باستقطاب المتطرفين من جميع أنحاء العالم في مكان واحد، يطلق عليه اسم "عش الدبابير" ومن المعروف إن هذا المصطلح هو من مصطلحات المخابرات والصحافة الإسرائيليتان، وكان يستخدم في وصف مجموعات المقاومة الفلسطينية المسلحة خلال الانتفاضة الفلسطينية الكبرى 1987-1993م ويقصد بهم مجموعات الفهد الأسود والنسر الأحمر وكتائب عز الدين القسام وسرايا القدس.

وتهدف هذه الفكرة إلى حماية إسرائيل من أي تطور طبيعي لثورات الربيع العربي، لذلك اجمع المخططون على أن تكون شعارات التنظيم المزمع إطلاقه (إسلامية) مستندة إلى مجموعة من الأحكام المتطرفة التي ترفض أي فكر آخر أو منافس له، وكشف "إدوارد سنودن" عن أن أمير التنظيم الحالي "أبو بكر البغدادي" هو مجرد عميل لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، وخضع في الماضي لدورات مكثفة استمرت لمدة عام كامل في إسرائيل، تلق خلالها تدريب عسكري مكثف ونوعي على أيدي عناصر الموساد، إضافة إلى تلقيه دورات في فن الخطابة ودروساً في علم اللاهوت.

وفي أوائل شهر آب 2014، قطعت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "هيلاري كلينتون" الشك بالقين حول التساؤلات التي تدور حول تنظيم (داعش)، حيث قالت "أسسنا (داعش) لتقسيم الشرق الأوسط، جاء ذلك في كتابها الجديد [خيارات صعبة، كلمة السر 360]، وأقرت بأن الإدارة الأميركية قامت بتأسيس ما يسمى بتنظيم [الدولة الإسلامية في العراق والشام] بهدف تقسيم منطقة الشرق الأوسط" .

وأضافت "تدخلنا في الحرب العراقیة واللیبیة والسوریة؛ وکل شيء کان على ما یرام، بل وجید جداً وفجأة قامت ثورة 30 حزيران 2013م في مصر، وکل شيء تغیر خلال 72 ساعة، وفي يوم 5 تموز 2013م تم الاتفاق على إعلان (الدولة الإسلامیة – داعش)، وکانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مستعدون للاعتراف بحدود الدولة الإسلامية الجديدة بقيادة (داعش)، وخلال زيارتي للعديد من الدول تم الاتفاق مع بعض الأصدقاء على الاعتراف بـ (الدولة الإسلامیة) بعد الإعلان عنها مباشرة.

وفي الأول من تشرين أول 2014م أفصح "جو بايدن" نائب الرئيس الأمريكي عن معلومات متممة لحلقة الحقيقة المتعلقة بعلاقة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها في المنطقة العربية بالتنظيمات الإرهابية وهن (القاعدة وجبهة النصرة وداعش والخراسانيين) حيث قال: "إن حلفاء واشنطن في المنطقة، ويقصد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وتركيا، ساهموا في دعم القاعدة والنصرة وداعش وغيرهم".

وأنا أرى بأن هذا التصريح لا يكشف معلومات جديدة عن حقيقة ولاء المنظمات الإرهابية المذكورة، بل يمهد الطريق لنقل الخراب إلى داخل الدول التي تم ذكرها تحديداً ومباشرة بعد الانتهاء من تقسيم سوريا والعراق أو خلاله، وجميعها شاركت في الضربات الجوية التي قادتها الولايات المتحدة ضد التنظيمات المذكورة في شهر أيلول 2014م، في عمق الأراضي السورية والعراقية، وتزامنت تصريحات نائب الرئيس الأمريكي مع تسريب معلومات استخبارية ألمانية تفيد بأن الغرب بقيادة الولايات المتحدة قد انهوا استعداداتهم لإنفاذ مخطط تدمير المملكة العربية السعودية، مع مستهل العام الميلادي 2015م.
وسيكون رأس الحربة في ذلك مساعي الجهاديين الانتحاريين من داعش وجبهة النصرة والخرسانين، الذين يعتبرون أنفسهم حملة الرايات السوداء الذين ذكرهم سيدنا محمد (ص) في حديثه في (سنن ابن ماجه) حيث قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق [ويقصد هنا منطقة خراسان في أقصى شرق إيران] فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم؛ وهو حديث صحيح".

للانتقام من السعودية بسبب مشاركتها في هجمات التحالف الدولي ضدهم في أيلول 2014م، أما الهدف من ذلك فهو نقل الصراع والفوضى من العراق وسوريا إلى السعودية لصالح مخطط تقسيم الوطن العربي، الذي يستهل بالضرورة بإشاعة الخراب والفوضى، وفقاً لمشروع (الشرق الوسط الجديد)، وسيكون للفوضى المتوقعة في السعودية مسمّيات متعددة؛ لكنها منتقاة بحرفية عالية، تسهم في خلط الأوراق والقضايا الداخلية والخارجية للعربية السعودية وفي مقدمتها الأوراق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والمذهبية.
وسيبدأ كل ذلك بحملة مكثفة على مواقع التواصل الاجتماعي، بالتعاون مع جهات وأفراد معارضين داخلياً وخارجياً، بالتزامن مع زج اسم السعودية وبعض أمراءها ومواطنيها في عمليات إرهابية تمويلاً وعملاً وتخطيطاً، لحشد رأي عام غربي وعربي مندد بالإرهاب السعودي الرسمي وشبه الرسمي، تمهيداً لجعل أمر التدخل في السعودية موضوعاً طبيعياً.

وخاصة إذا ما نجحت مساعي الدفع بالأقليات المذهبية السعودية إلى الشارع للمطالبة بحقوقها، كالشيعة والصوفية، والمطالبين بحقوق المرأة والطفل والحريات العامة والإصلاحات، والمطالبين بوقف التعذيب في السجون، مُعززين بآلاف المعرفات في مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت الاجتماعية الحوارية لتكوين زخم افتراضي غير حقيقي وإشعال الجمر تحت الرماد وجعل بوصلة المطالب عشوائية تصادمية، لضمان شيوع حالة مسعورة من الفوضى داخل السعودية كمرحلة أساسية في مخطط التقسيم، وهو تطور سيتسبب بخلق ظروف جديدة وغير متوقعة في الداخل السعودي وعلى حدوده لربما؛ وأفادت المصادر الاستخبارية نفسها إنه من المتوقع أيضاً بروز ظواهر وانعكاسات كثيرة مصاحبة لحالة الفوضى والخراب في الداخل السعودي، منها ارتفاع أسعار النفط عالميا، حيث ستتجاوز حد الـ ٥٠٠ دولار للبرميل الواحد، وهذا سيقود بدوره إلى إحداث أزمة عالمية ستدفع بقوى غربية وأممية للتدخل في الأمر للحفاظ على استقرار الاقتصاد العالمي.
ومن الجدير ذكره هنا بأن غالبية حقول النفط تقع في الجزء الشرقي من السعودية ذي الأغلبية الشيعية، وهو ما قد يؤدي إلى تدخل إيران من خلال إنشاء قوة عسكرية شيعية على غرار ظاهرة (الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان)، وبسبب ذلك من الممكن أن يطالب الشيعة السعوديين بانفصال واستقلال مناطقهم عن باقي المملكة العربية السعودية، وبدء حالة الانشطار النووي للتراب السعودي، وتوزعه بين دول مذهبية جديدة.

أهداف داعش
تنقسم أهداف (داعش) إلى قسمين، الأول: "الهدف القريب أو العدو القريب" ويقصد به قتل المسلمين الآخرين، وخصوصًا الشيعة؛ وتصفية المملكتين، الأردنية الهاشمية والعربية السعودية، أما "الهدف الثاني أو العدو البعيد" يقصد به الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية كافة، دون ذكر إسرائيل؛ ولا في أي من أدبيات أو منشورات (داعش)، وهذا بحد ذاته يثير الدهشة والاستغراب، لأنه لا يعتبر إسرائيل عدو ولا بأي مرحلة من المراحل، وهذا أمر لم يسبق (داعش) إليه أحد من التنظيمات الإسلامية السلفية، كالقاعدة أو جبهة النصرة، أو الشيعية مثل حزب الله وغيره.

قادة داعش
عرفت الأسماء الصريحة لبعض قادة داعش، بعد إصدار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في حزيران 2014م قرار يدين فيه تنظيم (داعش)، وفرض عقوبات علي بعضهم، ومنهم:
1- أبو بكر البغدادي، واسمه "إبراهيم البدري" كنيته السابقة أبو دعاء. عمل محاضراً في الدراسات الإسلامية، وإماماً لجامع أحمد بن حنبل في سامراء، ومن ثم إمام جامع في بغداد، وآخر في الفلوجة. اعتقلته القوات الأميركية في 4 يناير 2004م، على خلفية تأسيسه تنظيماً تحت اسم "جيش أهل السنة والجماعة"، وعلاقته بتنظيم القاعدة، وتولى قيادة "جيش أهل السنة والجماعة"، خلفاً لأبي عمر البغدادي.

2- حامد حمد حامد العلي، وزير مالية (داعش)

3- أبو محمد العدناني، وزير إعلام (داعش)، والناطق الرسميّ باسمها.

4- أبو سليمان الناصر لدين الله، وهو وزير حرب داعش، وكان هذا الرجل مع أبو بكر البغدادي في معتقل (بوكا - (Bucca قبل أن يشق طريقه في عالم الجهاد.

5- حازم عبد الرزاق الزاوي، وهو وزير الداخلية لدى التنظيم.

6- أبو صفوان الرفاعي، وهو رئيس جهاز الأمن لدى التنظيم.

7- أبو عمر الشيشاني، وهو من الشيشان، لكنه شخصية مهمّة في التنظيم، كان قائدًا لمجموعة تابعة له تسمى بجيش المهاجرين في سوريا قبل أن ينشقّ وينضمّ لداعش.

8- شاكر وهيب الفهداوي، وهو ملقّب بـ "أسد الصحراء".

9- عبد الله الجنابي، وهو شخصية رئيسية في تنظيم القاعدة.

10- أبو أيمن العراقي، وهو أهم مسؤول لـداعش في سوريا اليوم، وكان ضابطاً برتبة مقدم في استخبارات الدفاع الجوي في عهد الرئيس "صدام حسين"، كانت كنيته في العراق "أبو مهند السويداوي"، وهو من مواليد عام 1965م، اعتقل عام 2007م لمدة 3 أعوام، وانتقل إلى دير الزور في سوريا عام 2011، واليوم يتولى قيادة داعش في إدلب وحلب وجبال اللاذقية.

11- أبو أحمد العلواني، اسمه وليد جاسم العلواني، كان ضابطا في الجيش العراقي في عهد الرئيس "صدام حسين"، وهو الآن عضو المجلس العسكري لداعش.

12- أبو عبد الرحمن البيلاوي، واسمه عدنان إسماعيل نجم. كانت كنيته أبو أسامة البيلاوي، من سكان الخالدية في الأنبار، اعتقل بتاريخ 27 كانون الأول 2005م في معتقل (بوكا - (Bucca وهو ضابط سابق في الجيش العراقي، وحالياً عضو المجلس العسكري لداعش، ورئيس مجلس شورى (داعش)، قتل في مدينة الخالدية في محافظة الأنبار.

13- حجي بكر، اسمه سمير عبد محمد الخليفاوي، ضابط سابق في جيش صدام، تولى مهام تطوير الأسلحة، تم اعتقاله في معتقل (بوكا - (Bucca لمدة غير معروفة، وبعد إطلاق سراحه التحق بالقاعدة، وكان الرجل الأهم لداعش في سوريا قبل مصرعه.

14- نعمة عبد نايف الجبوري، تولى عمليات التنظيم في جنوب العراق، ومن ثم كركوك ومواقع أخرى في الشمال.

15- أبو هاجر، وهو رئيس المجلس العسكري لتنظيم داعش، تم اعتقاله قبل يومين من سقوط الموصل، بيد تنظيم (داعش)، وعثرت القوات العراقية في منزله على 160 شريحة ذاكرة (فلاش ميموري) تحتوي معلومات تفصيلية عن (داعش) من بينها أسماء المقاتلين وألقابهم الحركية وأسماء المقاتلين الأجانب وقادة الصف الأول ومصادر التنظيم داخل الوزارات وموارده وحساباته.

وتنقسم القيادة العليا في (داعش) إلى ثلاثة أقسام، الأول: مجلس الشورى، والثاني: مجلس وزاري مصغّر، مناط به مهمة الإشراف على التعبئة والتنظيم والتجنيد والتمويل وتوفير الطعام للمقاتلين، والثالث: مجلس عسكري مصغّر، وهو مكلف بإعداد وتنفيذ العمليات العسكرية، أما زعيم التنظيم فإنه يفرض سلطته على التنظيم من خلال شكلين من أشكال القيادة والتحكم وهما:

الأول. تشكيل وحدة اغتيالات داخلية تقتل المنحرفين عن الطريق.

الثاني. بسط سلطة دينية متمكنة، تمارس دورها من خلال حكومة أمراء محليّين، وهم مسؤولون عن مناطق سيطرتهم، وقادة عسكريّون موثوقون.
استنتاج

يستفاد من هذه الإطلالة على خلفية تكوين تنظيم القاعدة وسلالتها الخطرة؛ وخاصة تنظيم (داعش) معرفة مبادئه وأهدافه واستراتيجياته المعلنة وغير المعلنة؛ ومعرفة قادته، والإمساك بطرف خيط غاياته الكامنة تجاه الوطن العربي، إلى ذلك يمكن تسجيل النقطتين التاليتين في هذا الاستنتاج وهما:
1- بعدَ مُرور عَشر سنَوات على (تفجير برجي التجارة العالميين في نيويورك في 11 أيلول 2001م) فإنَّ تنظيمَ القاعِدة لمْ يُقدمْ للأُمَتيّن العربيّة والإسلاميّة أيّ عَمل نافِع، بالمقابلِ حَصلَ الغربُ في سياقِ مُطاردته العَسكريّة الساخِنة للِتنظيمِ في ساحةِ الشَرق الأوسط على ما أرادَ تَقريباً، ونقلَ الخرابَ والفوضى من أفغانستان إلى باكستان إلى العراق والصومال والسودان واليمن وسوريا، كقط أشعلت به النار؛ وأطلق في الحقول بقصد حرقها، عليه فإن كل واحدة من الدول المذكورة مرشحة ديارها للخراب بسبب القط القاعدي، الذي سيلحقه رجل الإطفاء الأمريكي بآلاته الحربية وبعد انتهاء المهمة سيستريح رجل الإطفاء في الديار بعض السنين، بعد أن يكون قد أخذ أجرة من خزائن وثروات الأمة، وعلينا أنْ نتذكَرَ دومَاً ما قالته وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة (كوندوليزا رايس) حول مفهوم (الفوضى الخلاقة) التي يجب أن تسود في المنطقة قبل البدء برسم الحدود الجديدة للدول الأثنية والمذهبية.

2- إن مبرر وجود تنظيم (داعش) الوحيد هو استكمال دور القاعدة، في تقسيم الأمة العربية إلى فرق مذهبية ودينية، وتجزئة الدول العربية من جديد، وتم الاستدلال على هذه الحقيقة من طبيعة المهام التي ينفذها التنظيم في المشرق العربي، والتي تصب جميعها في خانة الفرقة، وإغراق المنطقة العربية بسلسلة من الثارات المذهبية والدينية ستعيش لقرون طويلة قادمة داخل الذاكرة الجمعية للأقليات الأثنية والدينية في المنطقة، وهذا ما سيكفل مد أمد القسمة الثقافية والتاريخية إلى أن يشاء الله أمر غير هذا الأمر.

وجميع هذا المخرجات التنفيذية تحاكي مشروع "برنارد لويس -Bernard Lews " لتقسيم الوطن العربي؛ الذي جدده الجنرال الأمريكي "رالف بيترز -Ralph Peters" ضمن مشروعه الشهير (حدود الدمBlood borders ) وأسس لهما على الأرض تنظيم القاعدة، عندما كان الهدف محدد بنشر الخراب والدمار في الدول العربية، وبعض الدول الإسلامية، واستكملها تنظيم (داعش) من خلال حربه المدمرة فوق التراب السوري والعراقي ضد العرب أجمعين.

تنظيم داعش كان يمتلك موارد مالية كبيرة

حقق تنظيم (داعش) قبل نهاية النصف الأول من عام 2014، نجاحًا باهرًا في تجنيد الأموال وتوفير مصادر تمويل دائمة وشبه دائمة له، حدث ذلك بعد سيطرته على العديد من آبار النفط في منطقة الموصل، وسرقته لمئات ملايين الدولارات من البنوك في المدينة، وسيطرته على معدّات عسكرية ميدانية وبالستيه، وقيامه بتنظيم حملة منظمة لجباية الزكاة والضرائب من رجال الأعمال في الموصل، تصل إلى (8) ملايين دولار شهريًا، بالإضافة إلى جباية فواتير المياه والكهرباء؛ وفرض ضريبة جديدة يسميها "ضريبة الحماية"، وهي ضريبة مفروضة على الناس عامة في منطقة سيطرة وتواجد (داعش)، ومن يرفض دفعها يحال إلى المحكمة الشرعية، ليواجه عقوبة السجن أو الجلد.
كما أن تنظيم (داعش) سيطر على آبار نفط وغاز في شرق سوريا في نهاية عام 2012م، توفر له إيراداتها سيولة نقدية وفيرة، وقسم من بترول تلك الآبار يُعاد بيعه لنظام الأسد، بسعر 25 دولار للبرميل الواحد، في حين أن السعر العالمي للبرميل في الفترة ذاتها كان يلامس حدود 115 دولار للبرميل الواحد، كما قام التنظيم بنهب كل ما يمكن نهبه من مواد خام من سوريا وسرق قطع أثرية باهظة الثمن يعود عمر بعضها لأكثر من 8000 عام من مواقع أثرية، واتضح من خلال معلومات عُثر عليها في كمبيوترات تمت مصادرتها من أعضاء في التنظيم، بأنه قبل سيطرته على الموصل كان بحوزته أموال وأملاك بقيمة 875 مليون دولار. وأضيف إلى ثروة التنظيم بعد احتلال الموصل 1.5 مليار دولار.

استنتاج.

هذه هي رؤية واستراتيجية الولايات المتحدة للتدخل في مختلف الظواهر السياسية عبر العالم، عملاً بقاعدة (دعها تزهر لنشتم عبيرها)، أو (دعوا الأشجار تجف ليسهل اشتعالها في الموقد) وفقاً لأقوال ويليام أسانج، مؤسس موقع (ويكيليكس) لصحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية في آذار 2011م، لقد أجمعت كافة مراسلات السفراء الأمريكيين في العالم العربي، بعد الاطلاع عليها بعيد تسريبها، بأن كافة الحكام العرب قد تعفنت العروش من تحتهم، وأنهم آجلاً أو عاجلاً إلى زوال، بسبب الفقر والبطالة وفساد برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية في بلدانهم، ومن المرجح أنهم لن يتمكنوا من خدمة الاستراتيجية الغربية كما يجب خلال العقدين الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين، وهذا الأمر ينطوي على مخاطر جمة ليس أقلها تمكين الإسلام الراديكالي من الوصول إلى سدة الحكم في غير بلد عربي، وهنا تبدو أمام الولايات المتحدة وحلفائها فرصة في منتهى الضعف للنجاة من جحيم هذا التحول.

فتمت العودة إلى توصيات (منتدى الصراعات Conflicts Forum) في لندن والذي يديره ضابط المخابرات البريطاني السابق (أليستر كروك Alastair Crook ) والذي أعد تقريراً دراسياً محكماً عن واقع ومستقبل الحركات الإسلامية الراديكالية والليبرالية العربية والإسلامية في الشرقين الأوسط والأقصى، خلال الفترة الواقعة بين 2001- 2005م، وقدم توصيته لكل من توني بلير وجورج بوش الابن، وهي الداعية إلى ضرورة فتح حوار جاد مع القوى الإسلامية الليبرالية في فلسطين ومصر والباكستان والجزائر وتونس والأردن، لأنه توصل إلى حقيقة هامة في نهاية بحثه، مفادها أن الصدام مع هذا المارد الإسلامي لن تكون في صالح الأهداف العليا للإمبريالية المتجددة.

لقد انعقد الرأي لدى كافة دوائر صناعة القرار في الولايات المتحدة وأوربا حول هذه الرأي، وهو التحول من الصدام إلى الاحتواء البناء للقوى الرافضة للوجود الغربي في الوطن العربي، لأن مثل هذه الخطة ستكفل لهم تواجداً دائماً في هذه المنطقة بعد انتهاء العاصفة، وهنا سنجد اختلاف جزئي بين فهم الولايات المتحدة وإسرائيل للأحداث، فالولايات المتحدة ستتعامل مع ما سيحدث كمتغيرات جيوبولوتيكية ستساهم في تغيير وجه العالم، وقابلة للاستغلال من قبل قوى دولية صاعدة ومنافسة كالصين وروسيا وإيران، أما إسرائيل فإنها ستتعامل معها من منظور أمني بحت.
إذن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هو امتداد طبيعي للتنظيم الأم وهو (القاعدة)، ويحمل خصائصه وصفاته المذهبية والسياسية، وشبهة نشأته وأصله، يعني ذلك بأنه كان هناك مهمات متتالية مطلوب من كلا التنظيمين انجازها، فطلب من التنظيم الأول (القاعدة) التمهيد لبعث أجواء الفوضى والخراب، بما في ذلك تدمير الأرث الحضاري للشعوب العربية، كما يحدث الآن في العراق وسوريا، تلك الفوضى التي لا يمكن أن تكتمل حلقاتها إلا بشلالات من الدماء وفقاً (لكونزاليزا رايس) وهذا ما تم تجهيزه قبل مقتل "أسامة بن لادن"، بحيث تنشأ مع تلك الفوضى ظروف تسمح للحكومات الوطنية طلب العون العسكري الغربي المباشر، وجلب المستعمر بآلاته العسكرية من جديد، وطلب من التنظيم الثاني (داعش) وريث التنظيم الأول، مباشرة عمليات تهجير السكان من مناطقهم ومدنهم، وفرزهم ومن ثم جمعهم خلف حدود دينية ومذهبية وإثنيه، وهذا ينطوي على عمليات مروعة وشاقة من نقل وتهجير جماعي للسكان عبر الحدود القديمة المطلوب حذفها لصالح الحدود الجديدة، التي تم رسمها ضمن مشروع "رالف بيترز -Ralph Peters" الشهير (حدود الدم -Blood borders ) أي إعادة رسم حدود الدول العربية القائمة حالياً، على أساس بنوة الدم والعرق والدين، وليس على أساس انتمائهم الفطري والتاريخي للأوطان، وهذا من شأنه أن ينزع صفة العروبة والانتماء القومي عن الدول الجديدة وشعوبها، بحيث تصبح أديانها ومذاهبها هي قوميتها الجديدة، وهذه بيئة مثالية لقبول إسرائيل بين الدول الأثنية الجديدة، وهو أمر يترك مستقبلاً خيار تقبل إسرائيل من عدمه؛ وإقامة علاقات معها مرهون بظروف كل شعب من الشعوب على حدة، وليس بموقف جماعي مبنى على أسس قومية جامعة ضد إسرائيل.

وما يقوم به (داعش) حالياً ينطوي على تنفيذ وحشي كما ذكرت لمشروعي (برنارد لويس ورالف بيترز)، وهي مشاريع معتمدة كإستراتيجيات أمن قومي عليا من قبل الكونغرس الأمريكي، ومن قبل حلف شمال الأطلسي منذ عام 1988م، واليوم أوشك تنظيم (داعش) على إقامة الدولة السنية فوق كامل منطقة الحدود السابقة بين دولتي العراق وسوريا، وإلغاء حدود سايكس بيكو، التي وصفها "رالف بيترز" بالظالمة للأقليات الدينية والعرقية في المشرق العربي، وهنا يجب أن لا يفوتنا أبداً ملاحظة دور المصالح الإقليمية والدولية المتداخلة والمعقدة في المنطقة العربية والتي تساعد جميعها في وصول الامبريالية العالمية المتجددة إلى أهدافها بسهولة ويسر، وفي هذا السياق كان ملفتاً للنظر عدم اتخاذ روسيا و إيران، الداعمتان الرئيسيتان للنظام السوري، الذي يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عدم التدخل لمصلحة ذلك النظام، بينما يواصل تنظيم الدولة تقويض مناطق نفوذه وسيطرته على التراب السوري، وعدم اتخاذ أي خطوة عسكرية لمنع سيطرة (داعش) على مناطق الرئيس "بشار الأسد"، وهو التنظيم الغريب عن الأرض السورية؛ ولا يملك عليها أي حاضنة شعبية، ويلاقي كل أنواع العداء من دول الجوار العربي والتركي والكردي المحيط بسوريا؛ لكنه تمكن من دحر جيوش العراق وكردستان وسوريا، وسيطر على مئات القرى والمدن السورية والعراقية على طريقة (جنكيز خان) حيث يحرق المدن ويقتل الإنسان والحيوان؛ لخلق الرعب في المناطق المجاورة لدفعهم إلى الفرار وترك جميع ممتلكاتهم ومن ثم تتم السيطرة عليهم بالقوة والتنكيل.

تم ذلك كمحصلة لـ 10،000 عملية نفذها التنظيم في العراق وسوريا، خلال الفترة الواقعة بين حزيران 2013 و حزيران 2014م، من بينها 1000 عملية اغتيال، وتفجير 4000 عبوة ناسفة زُرعت في أماكن عامة ودور للعبادة، أسفرت عن مقتل 8000 من المدنيين في العراق لوحده، وقيام التنظيم بمهاجمة العديد من السجون ومراكز التوقيف وتحرير مئات السجناء المتطرفين، مضاف إلى ذلك تمكن التنظيم بطرقة العديدة من تجنيد مئات الشباب العراقيين والوافدين العرب والأجانب، ويقدر عدد مقاتلي التنظيم بـ 50 ألف مقاتل، من بينهم 2000 مقاتل يحملون جوازات سفر أوروبية؛ ويمكنهم التنقل بسهولة عبر الحدود.