|
رأي في تغير منحى التصويت لدى عدد من دول العالم بالامم المتحدة
نشر بتاريخ: 07/12/2019 ( آخر تحديث: 07/12/2019 الساعة: 13:06 )
الكاتب: مروان أميل طوباسي
رغم ان المجتمع الدولي انتصر لفلسطين يوم أمس باربع قرارات اتخذتها الجمعية العامة للأمم المتحدة باغلبية الاصوات، الا اننا لاحظنا متغيرات واضحة مقلقة بمنحى التصويت باوساط عدد من الدول الأوروبية وأمريكيا اللاتينية، ناتج عن صعود اليمين بمنطلقات فكرية جديدة ما اختلف عن تلك الأسس الفكرية لهم في سبعينات وثمانينيات القرن الماضي وصعود اليمين الشعبوي المتطرف الى الحكم بالعديد من الدول خاصة في دول أوروبا الشرقية وتاثيرات الإدارة الأمريكية والقوى الصهيونية فيها ذات الغطاء المسيحي وطبيعة سياسة الهيمنة والاستقواء التي تمارسها الولايات المتحدة في أوروبا وايضا من خلال انقلاباتها وتدخلاتها في أمريكيا اللاتينية كما هو حاصل الان في بوليفيا والمكسيك ومحاولاتها بالسلفادور وما حدث سابقا أيضا و ما يجري ضد كوبا لحصار هذه القارة وبسط مصالح البيت الأبيض فيها، واتساع تأثير الحركة الصهيونية ودور منظمات ما يسمى باليمين الديني الانجيلي التي تتفق مع الرواية الدينية اليهودية المزعومة وتشكل احد أسس الرواية التاريخية الصهيونية التي أصبحت تحظى بانتشار وتأييد قي عدد من الأوساط المؤثرة طبعا بالولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية واللاتينية كما بالبرازيل مثلا، بالإضافة إلى موضوع استهلاك ما يسمى بفزاعة الهلوكست التي أصبحت ترعب بعض الأوروبيين بعد محاولات نجاح ربطها مع ما يسمى بمعاداة السامية وقيام بعض الدول الأوروبية باعتماد تشريعها كفرنسا مثلا والقادم اسوأ بالخصوص خاصة المتعلق منها بما يسمى المبادئ التطبيقية للوثيقة.
وهذا ما ينعكس الان باتباع سياسات أوروبية في عدد من الدول من فمنحى تصويت بعضها رغم تاييدها لمبداء حل الدولتين وهو خيار دولي وفق سياسة الاتحاد الأوروبي الأمر الذي يبقى ناقصا دون الاعتراف بدولة فلسطين، اما تصويت اليونان كحالة فكان اول امس كالتالي أمام الاربع قرارات بالجمعية العامة للأمم المتحدة؛ مع (٢)، امتناع (١) ، ضد (١)َ. حيث تصويتهم العام الماضي ٢٠١٨ على نفس القرار Division for Palestinian Rights of the Secretariat A/74/L.16 المصوت ضد هذا العام كان بالامتناع عن التصويت، والتحول هذا العام امر يجب أن يكون غير مرضي وغير مقبول لنا كما أنه امرا غير مقبول لشعبهم وأحزاب هم التي عبرت معظمها عن ذلك من خلال بياناتها امس، هذا التخبط و التفاوت في عملية التصويت المختلف على الاربع قرارات هي محاولة من الحكومة لمسك العصى من النصف وهو ما وضعها في مسار الاقلية الدولية التي لا تعير القانون الدولي أهمية و تقبل في أن يكال القانون الدولي بمكيالين من حيث الحقوق الغير قابلة للتصرف لأي شعب و وجود آلية متابعة لذلك من خلال وجود السكرتارية في هذا القرار تحديدا وما يحمل معه من آليات تطبيقية تختلف عن القرارات الثلاث الأخرى. وقد صوت ضد هذا القرار تحديدا ٢٣ دولة من ضمنهم ألمانيا و غيرها وامتنعت ٥٤ دولة من ضمنها روسيا، أسبانيا، إيطاليا، فرنسا، أوكرانيا و كافة دول الاتحاد الأوروبي بل والأوروبية بشكل عام و غيرها من الدول اللاتينية ولم تصوت اي من دول الاتحاد الأوروبي بشكل عام الى جانب القرار سوى دولة أو دولتين فقط. إضافة إلى ذاك هنالك الان سياسات جديدة لتلك الدول الأوروبية تتعلق بمواجهة النازحين الي أوروبا و جنوح بعض اوساط المجتمعات الأوروبية نحو معاداة الإسلام بل والمسيحية المشرقية أيضا بل ونحو منحنيات عنصرية ضد كل من هو اجنبي وطبعا هذا ما لا يتفق مع الديمقراطية المفترضة و مبادئ نشوء الاتحاد الأوروبي و سياساته الأخلاقية المفترضة، إضافة إلى عدم قدرة الأوروبيين بشكل عام في اتخاذ مبادرات سياسية في مواجهة الإدارة الأمريكية لتصاعد بعض خلافاتهم و مشاكلهم المتعلقة بالسياسات الاقتصادية و الاجتماعية وتصاعد الاحتجاجات الشعبية او بقضايا الحدود كذلك بتوجهات الخروج من الاتحاد الاوروبي كما هو حاصل اليوم في فرنسا و بريطانيا و و الدور الألماني بالبلقان و الخوف من الحصار الذي تمارسه الولايات المتحدة رغم المشاكل الداخلية التي أصبحت تحيط حول ترامب و ما يجري من محاولات عزله و ظهور الولايات المتحدة بالعزلة في بعض الأحيان بالمنظمات الدولية التي تحاول هي تدميرها او الخروج منها وافشال دورها. الأمم المتحدة كانت قد تشكلت على أثر ما نتج عن الحرب العالمية الثانية من نظام دولي أصبح غير قائم اليوم و انتهت تكتلات دولية كانت قائمة مثل منظومة الدول الاشتراكية و مجموعة دول عدم الانحياز و بقينا نحن وحدنا كحركة تحرر وطني لم تنجز مهامها بعد أن كانت حركات التحرر تملاء الدنيا ومنا من نحمل مشعلها و صعدت الي الساحة الدولية قوى جديدة خاصة حولنا بالاقليم مثل تركيا و إيران و أصبحت إسرائيل رغم أنها قوة احتلال بشع و دولة فوق القانون تشكل لاعب اساسي اصبح يحظى اليوم بعلاقات و اسعة و تؤثر في لعبة المصالح و التوازنات مع دول جديدة لم تكن بالحسبان سابقا و هي تشكل الان رابع أقوى دولة عسكرية بالعالم ، ما يدفع دول عديدة لرسم علاقات جديدة متغيرة معها حيث تعتمد الولايات المتحدة على ذلك و الى انتهاج سياسة الانقضاض بخارج حدودها و التوحش في علاقاتها و تحديدا في سبيل ثابتين بسياساتها المتغيرة ، النفط و إسرائيل و اتباع ما يمكن من سياسة الهيمنة للضغط على الدول دكتاتورية كانت أم ديمقراطية طالما لا تدور في فلك سياساتها. المتغيرات السياسية بالمنطقة و العالم متسارعة جدا و التحالفات الإقليمية و الدولية أصبحت تتبدل بسرعة لاختلاف المصالح و خاصة قضايا الأمن و الغاز و الطاقة و السيطرة على البحار و مناطقها الاقتصادية الخالصة EEZ و الماء بل وعلى الأرض من خلال التدخل المباشر او من خلال أدوات و عصابات الإرهاب إضافة إلى التدمير الذي جرى لمقومات الدولة الوطنية العربية على مدار العقد الماضي و انهاك جيوشها و مصادرها من خلال ما فرض عليها بما سمي بالربيع العربي. ان ما ذكرته من متغيرات شجع و ما زال يشجع بل و يساهم في تمدد المشروع التوسعي الصهيوني على حساب التضامن مع حقوق شعبنا و قضيتنا العادلة بالتحرر الوطني من الاحتلال التي ما زالت تحظى بالدعم و التأييد من اوساط لها حضورها أيضا في أوروبا من حركات اجتماعية و منظمات شعبية ونقاببة و أحزاب ديمقراطية اشتراكية محددة و شيوعية و يسارية غير شعبوية و الكنائس و حتى في اوساط بعض الاحزاب الحاكمة من اليمين أو يمين الوسط التي أصبحت هي نفسها تتخوف من صعود و نمو فاشية جديدة من اليمين الشعبوي ، و هنالك في أمريكيا أيضا قوي اجتماعية و حركات سياسية باوساط الحزب الديمقراطي و حتى باوساط الكونغرس نفسه كما تم التعبير عن ذلك امس بقرارهم بشان حل الدولتين، ممن لم تتاثر هي أيضا بضغط الادارة الأمريكية و بضغط اللوبيات اليهودية الصهيونية ومصالح الراس المال اليهودي للجاليات اليهودية التي نراها تقف موحدة حول مصالحها و مصالح اسرائيل و تؤثر على صناعة القرار السياسي وذلك بعكس تفسخ جالياتنا العربية بشكل عام حول العالم و عدم قدرة الاستثمار العربي على التأثير كضاغط حقيقي مما أثر و سيؤثر على منحى تصويت هذه الدول في ظل الحالة القائمة اليوم. و هذا ما يجب أن يدفعنا الى التشبيك مع الوجه الاخر و رؤية أهمية الدبلوماسية العامة و الشعبية لاستمرار حشد التضامن و التأييد من هذه القوي و لامكانية ان تشكل قوى ضاغطة على صناعة القرار السياسي الرسمي و بشكل خاص من خلال البلديات التي شكلنا باليونان مع عدد كبير منها شبكة للتضامن مع فلسطين و رفعت عدد منها إعلامنا الفلسطينية على مبانيها في مناسبات مختلفة او بشكل دائم و النقابات العمالية التي خرجت مرارا باليونان بمظاهرات تضامنية ضخمة معنا بعشرات الآلاف و البرلمانات التي على سبيل المثال قد اتخذت توصياتها و قراراتها بدعوة حكوماتها في أوروبا للاعتراف بدولة فلسطين خلال الثلاث سنوات السابقة كما حدث باليونان مثلا من قرار باجماع كافة أعضاء البرلمان في حينه، رغم ان الحكومات القاءمة في كل أوروبا لم تترجمه الى قرار للاعتبارات التي ذكرتها حتى من حكومات "يسارية" واجهتها مشاكل أزمة الحكم في نظم راسمالية و تعرضت لتهديدات سياسية هدفت أيضا الى تطوير تحالفات مع إسرائيل خاصة في شرق المتوسط على حساب مبادئها و قرارات أحزابها ما طور أيضا التعاون في المجال العسكري الأمني و الطاقة و تفعيل وجود القواعد العسكرية بالمنطقة و لدى نقيض تلك الدول أيضا وفق سياسة المحاور المختلفة للولايات المتحدة. هذا إلى جانب أهمية و ضرورة استمرار و تفعيل العمل الدبلوماسي الرسمي مع الدولة ومحاولة البحث عن مصالح مشتركة معها الي جانب القيم التي لم تعد وحدها المحدد الوحيد بالسياسات الخارجية و العلاقات الدولية. لقد أصبحت بعض المنظمات اليهودية غير الصهيونية على اقليتها ذات موقف اكثر جدية في معاداة السياسات الأمريكية و الاسرائيلية في اثارة موضوع معاداة السامية. كما اننا ندرك التأثيرات الحاصلة نتيجة صعود الإسلام السياسي ان بعض القوى منه سمحت لنفسها بأن تكون أداة في مشروع تدمير و انهاء القضية الفلسطينية من خلال قيامها بالانقلاب الأسود و تغذيته ليستمر الانقسام و يحرج مبداء السيادة الوطنية الفلسطينية و دور منظمة التحرير أمام العالم الذي اعترف بها، مما و ضعنا في موقف صعب حتى امام اصدقائنا و قوى الحرية بالعالم خاصة فيما تقوم به قوى الانقلاب و من يغذيها بالتساوق مع الاحتلال و الولايات المتحدة و من يدور في فلكهم من تدمير لكفاحنا بالتحرر الوطني من أجل الاستقلال و إقامة الدولة من خلال البدء في تنفيذ مشروع دويلة غزة، المستشفى الأمريكي و الميناء و المطار كبداية ظواهر ذلك و ما قبلها. الأمر الذي يتطلب منا تقييم و مراجعة موقعنا من تلك المتغيرات و رؤية واضحة تترجم الي خطط و برامج عمل لمواجهة ذلك حتى نكون مؤثرين في هذا العالم العاصف و نحمي أنفسنا و قضيتنا و حقوقنا الوطنية الغير قابلة للتصرف و على رأسها حقنا في تقرير المصير وفق ما اقرته لنا المواثيق و القرارات الدولية و حقوقنا التاريخية الثابتة. فالسياسة لا تعرف السكون و التاريخ دائما في تغير و لن يبقى العالم كما هو اليوم، لكننا لم نعد في عالم القطبين وما رافقهما من سياسات مصالح او مبادئ، لكننا امتلكنا و نمتلك الارادة و قوة الحق في اننا وقفنا في وجه هذا التوحش للإدارة الأمريكية من خلال ما رفضته قيادتنا لمشروعهم عندما ظنوا هم اننا الأضعف فكنا نحن الاقوى وحافطنا على قرارنا المستقل وعلى هويتنا و تمسكنا بحقوقنا خلال مسيرة كفاحنا الوطني الطويلة رغم التضحيات الجسام و ما تعرضنا له من محاولات لاحتوائنا او تصفية قضيتنا او محاولات فاشلة لخلق بدائل هزيلة عن ممثلنا الشرعي و الوحيد، منظمة التحرير. فقليل من الصبر وكثير من العمل و الاداء العالي المبادر. فالمتغيرات لن تكون بعيدة و سيكون المستقبل دائما مع الحق و سننتصر كما انتصرت الشعوب على مستعبديها. |