|
الجذر التكعيبي لأزمة جامعة بيرزيت
نشر بتاريخ: 23/12/2019 ( آخر تحديث: 23/12/2019 الساعة: 18:13 )
الكاتب: غسان الخطيب تّقبل جامعة بيرزيت على الاعياد المجيدة هذا العام بقلب مثقل، ذلك ان الأزمة التي تعيشها، تتجاوز خلافًا مطلبيًّا بين الحركة الطلابية وإدارة الجامعة كما كانت عليه العادة في ازمات سابقة، حيث كان الحوار هو السبيل المعتمد لحلّها. ويمكن الوقوف على ثلاثة جذور لفهم أسباب الأزمة الحالية، وتفجيرها، بما يتجاوز قدرة طاولة الحوار، بل غيابها، على التعاطي معها. الجذر الأول للأزمة هو الاستخفاف بالنظام والقانون الذي ينظم العلاقات الداخلية في الجامعة، حيث إن المطلب الطلابي الذي فجّر الخلاف أصلاً غير قانوني، لأنه يخالف أنظمة الجامعة السارية، علاوة على أن أسلوب تحقيقه، والمتمثل بالإغلاق القسري للحرم الجامعي، غير قانوني أصلاً، لا بل غير نقابي، لأنه ليس إضراباً طوعيّاً، وغير أخلاقي، لأنه ينطوي على منع غير الطلبة، بمن فيهم من أساتذة وموظفين، سواء لغايات التدريس أو غيرها، من دخول الجامعة، ويخالف القاعدة التي تقول: "تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين". إن تراجع احترام الأنظمة قد يشكل مقتلاً لجامعة بيرزيت التي نعرفها، وخاصة ما يميزها من مساحة حرية واسعة نسبيّاً وطابع ليبرالي يعطي الفرصة اللازمة للتنوع، فالحرية غير المحروسة بالقانون تقود إلى الفوضى أو إلى تغوّل الطرف الأقوى، وبالتالي سيادة قانون الغاب، لذلك، فالحرية ونفاذ القانون وجهان لعملة واحدة. أما الجذر الثاني للأزمة، فيأتيها من خارجها، حيث إن الأزمة الحالية، ولأول مرة، لا تتعلق بقضايا نقابية طلابية كالعادة، بل تتعلق بالطريقة التي تحتفل فيها الكتل الطلابية بذكرى انطلاقة فصائلها، وهو مسلك طلابي جامعي، لكنه يتعلق بالفصائل السياسية وعلاقة كتل الطلبة بها، الأمر الذي يضع عليها مسؤولية أخلاقية ووطنية؛ ومن المؤسف أن تحاول بعض الفصائل التعويض عن تراجع دورها الوطني والسياسي عن طريق استغلال مساحة الحرية الاستثنائية المتاحة للعمل الطلابي السياسي في الجامعة. ومعلوم أن جامعة بيرزيت تتيح لكتل بعض هذه الفصائل ما لا تتيحه لهم أي مؤسسة أخرى في الضفة الغربية وقطاع غزة، وربما تكون جامعة بيرزيت الوحيدة التي لم تؤجَّل فيها الانتخابات ولم تلغ ولا سنة واحدة، ولم تُستثن من الانتخابات ولا كتلة واحدة في تاريخها الطويل، فهل "نكافئها" بأن نثقب قعر سفينتها في الموقع المخصص لنا؟ أما الجذر الثالث، فهو محاولة التعويض عن تراجع المضمون الوطني والثوري الوحدوي للحركة الطلابية، الذي أكسب الجامعة مكانتها الوطنية والثقافية الريادية، برموز وأزياء وشكليات، أي استبدال المضمون الوطني والثوري بالزي الوطني والثوري، وهذه ليست مسؤولية الطلبة وحدهم، بل مسؤولية الجامعة والمجتمع. لقد اكتسبت جامعة بيرزيت مكانتها المرموقة محليّاً وعالميّاً نتيجة المساهمة الفكرية والفعلية لطلبتها في تحمل هموم الوطن والشعب، وأثرت الكفاح الوطني بمساهمتها المتميزة، ولم يكن هذا الدور الرائد للحركة الطللابية ممكناً لولا الطابع الليبرالي الوطني الذي كفلته أنظمة الجامعة وقوانينها، الذي يوفر المساحة اللازمة للتعدد والتنوع والتفاعل، وبالتالي المبادرة والإبداع. إن طلبة الجامعة، وخاصة الكتل الطلابية مطالبون بالعودة عن الأساليب غير النقابية وغير الديمقراطية، والتركيز على المضمون الوطني والثوري الذي تؤمنه وتغذيه أنظمة الجامعة، وإلا، فسوف يسجل التاريخ أنهم اختلفوا على كل شيء واتفقوا على ذبح جامعتهم. |