وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

القضية الوطنية الفلسطينية.. بين ربيع العرب وخريف القيادة

نشر بتاريخ: 25/12/2019 ( آخر تحديث: 28/12/2019 الساعة: 09:33 )
القضية الوطنية الفلسطينية.. بين ربيع العرب وخريف القيادة
بقلم الاسير: أنيس صفوري/ سجن النقب
منذُ عقودٍ متتالية، وتُعتبر القضية الوطنية الفلسطينية والصراع "العربي-الإسرائيلي"، الهم الأول والمحور الأساسي- المركزي لنبض الاُمة والشارع العربي. إذ كان يُرفع شِعار التحرير والعدالة والمطالبة بإنهاء الإحتلال عند كل تغيير أو مطلب سياسيًا، وفي كل ثورة أو إنقلاب عسكري، وداخِل كل مواجهة كان يتطوع بها الشبان من كل أرجاء الوطن العربي في العمل الفدائي الفلسطيني والعربي، حيث كانت تنتشر المسيرات وتعُج من المحيط إلى الخليج عند كل إعتداء إسرائيلي غاشم، سواء على الشعب الفلسطيني أو العربي.
كان شعور التضامن والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، بالإضافة الى تصدُر القضية الوطنية الفلسطينية في سُلَم أولويات الشعوب، بارزًا في كل المجالات وأروقة الجامعات والمدارس، فتكاد أن لا تخلو أي مدرسة في سوريا، مصر والعديد من الدول العربية من صورة المسجد الأقصى أو في بعض الأحيان من العلم الفلسطيني، بالإضافة إلى انتشار الاغاني والاناشيد الثورية الوطنية التي تُمَجد كفاح الشعب الفلسطيني ومسيرته النضالية.
مع موجة التغيير التي اجتاحت العالم العربي في عام 2011 والمُسماة "بالربيع العربي"، فلم نشهد هذا الحضور الواضح للقضية الفلسطينية ولا للشعارات المُعادية لإسرائيل في الإحتجاجات الشعبية. وتحديدًا في برنامج الحكومات المُقترحة المُعلنة ما بعد الربيع العربي للإنتخاب، التي بدورها لم تنص ولو مرة على مبدأ المقاطعة، وتحديدًا بخصوص قطع العلاقات بينها وبين إسرائيل. بل للأسف شهدنا تعزيز وتوطيد لعلاقاتٍ معلنة مِن قِبَل معارضين سوريين، وذلك من خلال توجيه رسائل سواء من رؤساء عرب أو من رجال دين، لطمأنة إسرائيل من آثارٍ وتداعياتٍ مُحتملة نتيجةً للتغييرات الحاصلة في المنطقة. وهنا نشير وننوه إلى خطبة جمعة الناتو، التي القاها رجل الدين "يوسف القرضاوي" والتي طمأن بِها إسرائيل في حال وتم إسقاط النظام في سوريا. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا لم تكن القضية الفلسطينية حاضرة في الربيع العربي والحكومات الناتجة عنها؟!
إرتباطًا وقياسًا بالساحة التي أُعطيت في ثوراتٍ تحررية مناهضة للظلم سواء مثل: الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الإمام "روح الله بن مصطفى بن أحمد الموسوي الخميني" لعام 1979م، التي رُفِعت فيها الأعلام الفلسطينية، وتم توجيه هجوم على السفارة الإسرائيلية ودعوة إلى قطع العلاقات معها ونبذ وتحقير لكل من يؤيدها، إذ كان الشعار السائد آنذاك: "الموت لإسرائيل" الذي كان متصدرًا للهتافات حينها واستمر حتى يومنا هذا. أو سواء مثل الثورة الهندية بقيادة الزعيم والقائد "مهاتما غاندي" لعام 1857م، التي كانت رافضة و مناهضة للإستعمار البريطاني، وقطعت بدورها العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل كجزء من إعطاء القضية الفلسطينية حيزًا ولو شكليًا. ومثال آخر النشاط الثوري للقائد "نيلسون مانديلا" التي بدأت عام 1950 وإستمرت إلى حين تعيينه رئيسًا لجنوب افريقيا عام 1994، هذه الثورة التي كانت أكبر وأهم ثورة تاريخية في جنوب أفريقيا، المناهضة لنظام الفصل العنصري التي بدورها قامت وانتصرت ثائرةً لحقوق الإنسان الأفريقي، والتي أيضًا قامت ودعت دومًا إلى قطع العلاقات مع إسرائيل. ومثال آخير هي الثورة البوليفارية في فنزويلا بقيادة الرئيس "هوجو تشافيز" التي بدأت عام 1992 كمحاولة إنقلاب والتي دعت الى استقلال اقتصادي وتوزيع عادل للعائدات، إضافةً الى وضع حد للفساد السياسي في فنزويلا والتي أعربت عن تعاطفها الدائم مع المستضعفين في قضايا العالم أجمع وتحديدًا القضية الفلسطينية، فشهدنا على توتر بشأن العلاقات الدبلوماسية بينها وبين إسرائيل وإلى محاولات السعي وراء مقاطعتها نهائيًا أولا لكونها إحتلال وثانيًا لكونها ارتكبت أفظع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني.
يوم القدس من إيران ورسالة "محمد مرسي" من مصر:
لقد اعلن قائد الثورة في إيران الامام الخميني عن يوم القدس في الجمعة الاخيرة من شهر رمضان، وكان هذا الإعلان يهدف إلى ربط الثورة الإيرانية على المستوى الشعبي بالقضية الفلسطينية ، حيث تحتشد الجماهير بهذا اليوم في الشوارع والميادين رافعين الأعلام الفلسطينية وحارقين للعلم الإسرائيلي في المدن والقرى الإيرانية، وامتدت هذه العادة السنوية في شهر رمضان إلى لبنان والعراق واليمن كشكل من أشكال الإحتجاج في يوم القدس على إستمرار وجود الإحتلال الإسرائيلي ودعمًا وتأييدًا لحقوق الشعب الفلسطيني.
أما في مصر اكبر دولة عربية والتي شكّلت الركيزة الأساسية للأمن القومي العربي، فقد شاركت بالنصيب الأوفر في الدفاع عن فلسطين والعروبة منذ اندلاع الصراع العربي الإسرائيلي عام 1948 وحتى عام 1973، حيثُ خاضت 5 حروب ضد إسرائيل [الحرب عام 1948، العدوان الثلاثي عام 1956، حرب اكتوبر عام 1967، حرب الاستنزاف التي امتدت حتى 1970 والحرب الأخيرة لعام 1973] واستشهد خلال هذه الحروب مئات الآلاف من المصريين في المعارك وذلك في سياق الصراع العربي-الإسرائيلي والقضية الفلسطينية.
بالمقابل، نجد غياب واضح وتهميش للقضية الفلسطينية في ثورتها عام 2011، فلا الأعلام الفلسطينية رفِعت ولا الهتافات المؤيدة للقضية الفلسطينية بشكلٍ جليّ سُمِعَت، باستثناء هجوم محتجين على السفارة الإسرائيلية في مصر. فالثورة المصرية لم تعطي القضية الفلسطينية حقها، كما لم نشهد الإلتفاف الشعبوي المألوف والجامع المُعتاد عليه في نبض الشارع المصري العربي للمحتجين والمتظاهرين. ناهيك عن الرسالة التي وُجِهت من الرئيس المُنتخب آنذاك "محمد مرسي" إلى الرئيس الإسرائيلي (شمعون بيرس) والتي كان مفادها طمأنتهِ باستمرار العلاقات بين الدولتين مخاطبًا إياه بكلمة "صديقي" بشكلٍ علنيّ.
ما هو الدافع الرئيسي الذي يكمن وراء إعطاء حيّز أكبر بالثورة الإيرانية للقضية الفلسطينية، خلافًاللثورةالمصرية؟
إذا أمعنا النظر في دولة مصر ودولة إيران نجد أوجه شبه متعددة من الخصائص والمزايا المشتركة للبلديّن، فمصر وإيران كلتاهما من الدول العريقة، أصحاب الإرث الحضاري الغنيّ والتاريخي، التي تمتلكان بذورًا ضاربةً في تاريخ الشعوب. كان لكلتاهما دورًا أساسي في رسم التغيير سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي. إضافةً إلى ذلك نجد أن اوضاعهما متشابهة عشية انطلاق الثورة فيهما، فقبل العام 1979 في إيران وعام 2011 في مصر، كانتا كلتا الدولتين تسيران في ركب المشروع الأمريكي في المنطقة، وعانتا من تدهور اقتصادي-اجتماعي حاد خاصة أن طبيعة وشكل وجود هذه الانظمة (إيران قبل عام 1979، ومصر قبل العام 2011) مُعتادة على ممارسة نهج لسيادة استبدادية تفتقر لأبسط المبادئ الديمقراطية والتعددية السياسية، إذ يتفشى فيها شتى أنواع وأشكال ألفساد والظلم. نقطة مشتركة أخيرة هي الإرهاب الذي انتشر وحلّ بالبلدين بعد سقوط كل نظام، بغض النظر عن الإختلاف في الأيدي التي دعت لممارسة كل إرهاب سواء "مجاهدي خلق" في إيران أو "داعش وإخوانة" في مصر.
بعد كل أوجه الشبه في الواقع والظروف، في كل من البلدين، نجد أن الفرق الناتج والتغيير الحادث في مسألة التعاطي مع القضية الفلسطينية، يُرجح أنه يعود إلى تدخل وإقحام الفلسطينيين أنفسهم بالشأن الداخلي المصري، أو قد يعود إلى الإنقسام الفلسطيني الداخلي. لكي نجيب على الأسئلة التي طرحناها أعلاه لا بد أن ندرك جيدًا ونتذكر بأن جزءًا لا بأس منه من الثوار الفلسطينيين قد اصطف سياسيًا وقاتل عسكريًا إلى جانب العراق وجيشه في حربه ضد إيران، الأمر الذي لم يغير بالمرة من موقف وتعاطي إيران مع القضية الفلسطينية، مساعدتها، مساندتها والوقوف إلى جانبها.
من غير المرجح اعتبار الإنقسام الفلسطيني سببًا وعاملاً من عوامل تراجع وعدم حضور القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في ثورات الربيع العربي ومنها ثورة مصر عام 2011، لأن الثورة الفلسطينية عاشت انقسامًا عام 1983 ووصل الأمر إلى مواجهات عسكرية بين فتح بقيادة الرئيس "ياسر عرفات" وفتح الانتفاضة بقيادة "ابو موسى"، وكذلك أيضًا اتفاقية أوسلو عام 1993 التي أحدثت انقسامًا سياسيًا واسعًا وخلافًا بين مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية. حيث أن المواجهات والخلاف الفلسطيني الداخلي سابقًا كان يعبر عنه بانقسام حول النهج السياسي والتحالفات الإقليمية والدولية، والعديد من ذلك لم يؤثر على موقف ودعم إيران الثورة للقضية الفلسطينية.
إذا تشابهت كل هذه الظروف فما سبب الاختلاف؟
يمكن ترجيح سبب الاختلاف بالأسماء التالية: "الإمام الخميني"، "غاندي"، "تشافيز"، "مانديلا"، أو بالمختصر القيادة الثورية الواعية الواضحة والمؤثرة، حيث تميزت الثورة الإيرانية بهذا النوع من القيادة التي تملك نهج لإستراتيجية ورؤيا واضحة سواء داخليًا ام خارجيًا، التي تُشكِل بدورها جزءًا مهمًا كبوصلة عداء لإسرائيل وتضامن مع الشعب الفلسطيني وحقوقه وشرعية نضاله ضد الإحتلال، بينما مصر الثورة أو حتى ما يُسمى بالربيع العربي بشكل عام لم تملك رؤيا واضحة داخلية وخارجية بعد التغيير، حتى بإدارة التغيير وفق خطة مرسومة، وهذا الامر يحتاج إلى قيادة واضحة، حكيمة، واعية ومؤثرة تصنع الفرق وترسم استراتيجية لتقود نحو التغيير.
فإذا كانت الثورة نفسها لا تمتلك هذه القيادة التي تحافظ على مُنجَزاتها ! كيف لنا أن نطلب منها الدفاع عن قضايا الأُمة؟
اليمن قيادة وقضية واضحة:
نجحت اليمن في تشكيل نموذجًا في الربيع العربي، إذ كان للقضية الفلسطينية في الثورة اليمنية، حيّز أكبر ونطاق أوسع مقارنةً بجميع الثورات العربية في المنطقة، حيث امتازت الثورة اليمنية عن باقي الثورات العربية بقيادتها الواضحة التي عبّرت عن العداء لإسرائيل ونصرةً وتأييدًا للقضية الفلسطينية بشكل ملحوظ خلال كل فترة الثورة والعدوان السعودي الإماراتي على اليمن. كما يمكن أن نجد بالنموذج اليمني حجة جديدة على دور القيادة الثورية العربي في إعطاء القضية الفلسطينية مركزيتها حتى في الثورات ضد الظلم والفساد لتصبح الثورة جزءًا من الصراع العربي-الإسرائيلي.
الخاتمة:
عندما طُرِح السؤال لماذا لم تكن القضية الفلسطينية حاضرة في الربيع العربي؟ لم يكن القصد من السؤال البحث عن المصلحة الفلسطينية فقط، بل كان تساؤلاً عن حقيقة ما جرى في الوطن العربي، هل كانت ثورة ام احتجاجات أسقطت أنظمة من ورق؟ ولإدراك الأمر المشترك بين القضية الفلسطينية وحقيقة الثورة في الربيع العربي، تكمن الإجابة الراجحة بمعنى الثورة التي تنبع من الشعور بالتضامن الجماعي الذي يصنعه الوعي والإدراك لمناهضة الظلم والقهر، الذي يدفع بدروه إلى التغيير نحو الأفضل، فأي تضامن جماعي يكون مع الفئات المظلومة إذا لم يكن إنسانيًا؟ فكيف لي أن أهتف "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، ولا ألتفت إلى حدود الشرقية التي يسكن جوارها شعب عربي محاصر لا يمتلك قوت يومه لأنه فقط سعى الى الحرية؟ ففي كلتا الحالتين يجب أن يكون دافع قوي للتضامن ورفض شتى أنواع الظلم. و أخيرًا يظهر السبب الراجح لهذا السؤال بغياب القيادة الواعية، المؤثرة والواضحة التي تقع على كاهلها كل مسؤولية النظر للصورة الشاملة، وقراءة الخارطة السياسية كما يجب، لبناء رؤيا بعيدة الأمد ضامنة لمستقبل واعد للشعوب العربية، الأمر الذي افتقدناه بالربيع العربي، مما خلق أثر سيئًا سلبيًا على الدول العربية عامةً، وعلى القضية الفلسطينية خاصةً.