|
تقرير معا- كنوز ورقية من مختلف العصور الإسلامية يحفظها مركز المخطوطات
نشر بتاريخ: 29/12/2019 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 04:56 )
القدس- تقرير معا- كنوز ورقية من مختلف العصور الإسلامية تحمل في طياتها العلم والأدب والدين والحياة، تنوعت بين مصاحف وكتب فقهية وعلمية وفلسفية يزخر بها مركز المخطوطات في المسجد الأقصى المبارك، حيث يعمل على ترميمها وصيانتها وترتيبها طاقم متخصص، لتكون شاهداً على التاريخ والحضارة الإسلامية التي تعاقبت على بيت المقدس.
وتحت سقف مبنى المدرسة الأشرفية- التي تنسب إلى السّلطان المملوكي الأشرف قايتباي-، يعمل طاقم مركز المخطوطات المكون من 10 مرممين متدربين ومتخصصين على تصنيف وصيانة وترميم قطع ورقية ذات قيمة تاريخية ثمينة بعناية فائقة. عمل مركز المخطوطات وحول عمل المركز أوضح الأستاذ رضوان جمال عمرو مدير مركز المخطوطات في المسجد الأقصى المبارك أن الأوقاف والمقدسات الإسلامية افتتحت المركز عام 2008 في "المدرسة الأشرفية"، وهي المدرسة الجوهرية المملوكية التي تقع في منتصف الرواق الغربي للمسجد الأقصى المبارك بين بابي السّلسلة والحديد، بناها السلطان قايتباي في أواخر العهد المملوكي، ولا تبعد عن قبة الصخرة سوى عدة أمتار. وقال عمرو :"منذ بدايتها ضمت المدرسة الأشرفية الخازانة القاتبائية، وهي من أوائل المكتبات في الأقصى بالعهد المملوكي، واكتظت بالكتب ثم أًصبحت دارا لكتب المسجد الأقصى، وعندما امتلأت المدرسة بالكتب والمخطوطات قررت دائرة الاوقاف الاعتناء بهذه المخطوطات وترميم المبنى، فأطلقت الأوقاف مشروعا لترميم المخطوطات ابتدأ عام 1998 بنقل المكتبة إلى المبنى الجديد، وعام 2008 افتتح مبنى المخطوطات بالتعاون منظمة اليونسكو بدعم دولي، حيث يدرب المركز الموظفين والمتطوعين، ويضم طاقما من 10 مرممين أكفاء تدربوا داخل المركز أو عبر بعثات دولية". وأشار عمرو أن مرممي المركز يعدون في طليعة من يحافظ على التراث الإنساني العظيم على مستوى فلسطين والعالمين العربي والإسلامي، لأن مجموعة مخطوطات ووثائق المسجد الأقصى هي من أهم المجموعات في العالم الإسلامي لارتباطها بالأقصى المبارك، ومتنوعة في مصادرها وعلمائها الذين كتبوها وطلابها في السمعات والكتابات على هذه المخطوطات، وبالتالي اكتسبت أهمية كبرى لالتصاق اسمها بالمسجد الأقصى. وأوضح عمرو أن فترة الاحتلال الإسرائيلي أعطى بعداً جديداً في الأهمية لواقع القدس، حيث يسعى الاحتلال عبر التاريخ وفي كل أنحاء العالم الى طمس الحضارة والتراث الإنساني واجتثاث جذور أصحاب الحق من أرضهم، فكان هناك ضرورة لإطلاق مركز ترميم المخطوطات للحفاظ على هذه المجموعة الإسلامية الإنسانية. كنوز المخطوطات وقال عمرو :"تضم المخطوطات بشكل اساسي الجانب الفقهي لانها مكتبة دينية فقهية، ثم المصاحف الشريفة كون المسجد الأقصى أحد المساجد الكبرى في ديانة التوحيد، ثم كتب الحديث وتفسيرها وكتب أصول الفقه، ثم العلوم العامة والفلسفة والمنطق واللغات، حيث كان كبار العلماء والفقهاء في العالم الإسلامي يقومون بزيارة عدة عواصم إسلامية كبرى كدمشق وبغداد والقاهرة والقدس، كي يصلوا إلى درجات متقدمة في العلم، ويرتحلون عبر هذه العواصم في رحلة الحج والعمرة وطلب العلم التي تستمر لسنوات طويلة، وكان للأقصى نصيب منها بالإقامة فيه لأشهر أو لسنوات، حيث يكتب فيه ما تيسر له ويطالع ويدرس، فكانت الحركة العلمية نشطة في الأقصى، وأفرزت كل هذه العلوم للإنسانية من قلب الأقصى". وأكد عمرو أن مركز الترميم يهتم بمخطوطات ووثائق الاقصى وأوقاف القدس بشكل خاص، وهو مستعد لخدمة جميع المكتبات الوقفية والذرية والمراكز التي تهتم بهذا الجانب في فلسطين، والقيام بالترميم والحفاظ والعناية بها، وقد بدأ المركز حديثا في مجال الخرائط حيث يقوم بترميمها وفهرستها وتصويرها. مخطوطات ذات قيمة تاريخية وقال عمرو :"يضم المركز أحد أقدم المخطوطات في المسجد الأقصى وهو أجزاء من مصحف يعود للفترة الإسلامية المبكرة كتبه الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو معروض بالمتحف الإسلامي، كتب بالخط الكوفي الغير منقط، وهناك كتاب للخطيب البغدادي عمره أكثر من ألف سنة، وكتب إحياء علوم الدين للشيخ أبي حامد الغزالي الذي توفي عام 505 هجرية، حيث شارف على الانتهاء من ترميم الجزء الأول لكتاب الغزالي يعود لعام 705 هجرية، إضافة الى مئات المخطوطات ذات الأهمية الكبرى والحصرية". مراحل الترميم وعن المراحل التي يمر بها المخطوط في عملية الترميم قال عمرو :"هناك سلسلة خطوات طويلة في مجال الترميم، حيث يمر المخطوط في أربعة مراحل ترميم رئيسية تتفرع لأكثر25 مرحلة فرعية، أولها المعالجة الالكترونية وتشمل تصوير المخطوطات بدقة عالية وفق معاير دولية تراعيها منظمة اليونسكو، فهرسة المخطوط، وإعداد بطاقة هوية له، ثم مرحلة المعالجة البيولوجية وهي مرحلة معالجة آثار التآكل البيولوجي والبكتيري والجراثيم، ثم المعالجة الكيميائية وهي أكثرها صعوبة وحساسية، حيث تغسل أوراق المخطوط بمحاليل خاصة، ويتم إعادة تصميغها واستعادة مرونة الأوراق وتثبت الأحبار والأختام، ثم المرحلة الأخيرة والرئيسية وهي المعالجة اليدوية على الطاولات المضيئة وقد تستغرق الوقت الأطول". وأكد عمرو أن المركز يواكب أحدث التقنيات للحفاظ على المخطوطات بأفضل الأجهزة، كما يعمل بتقنية تصوير متميزة للحفاظ على صور المخطوطات الكترونياً وتحول تلك الكتب الى كتب الكترونية، سهلة المطالعة والبحث. وقال عمرو:"أحيانا تتجاوز مدة ترميم المخطوط الواحد في وضع متوسط من التلف، أكثر من عام، ويبذل مجهود وتكلفة وصبر كبير يرافقه في اعماقنا إدراك أن مخطوطتنا تستحق ذلك وأكثر لأنها لا تقدر بثمن، وأنها معركة إثبات وجود حضاري يرسي دعائمها مثل هذا المركز وكل المراكز والمكتبات المحيطة بالأقصى وفي القدس". وأوضح عمرو أن هناك معايير محددة في اختيار المخطوط المراد ترميمه، منها تفرده وأهميته على مستوى العالم الإسلامي، والحاجة لترميمه وفحص طبيعة التآكل والتلف، وهل يمكنه احتمال المزيد من السنوات أم لا، كذلك توفر مواد الترميم الضرورية، إضافة للوقت المتاح لانجازه، حيث تشكل لجنة من فريق الترميم لدراسة كل حالة، وتقييم الطريقة والزمن المخصص لترميمه. التضييق على عمل المركز وأوضح عمرو أن الاحتلال عمد الى التضييق وعرقلة افتتاح المركز وما زال يضيق عليه، وقال عمرو :"منذ عام 2005 حتى عام 2008 احتجز الاحتلال كل المعدات اللازمة للمركز في ميناء أسدود، ورفض ادخالها بحجج واهية، حتى تدخل جلالة الملك عبد الله الثاني شخصيا بمكرمة ملكية وفك الحجز على المعدات وأدخلها للأقصى، وقد استمر الاحتلال في التضييق على المركز شأنه شأن بقية إدارات الأوقاف الموجودة داخل المسجد وأقسام الإعمار في الاقصى، حيث يمنع إدخال المواد اللازمة ويمنع ترميم المبنى الأثري أو توسعة المكان وإضافة أماكن جديدة للعمل والتخزين". وأضاف :"يمتنع الاحتلال عن منح التأشيرات اللازمة لمدربي اليونسكو المقيمين في المقر العام في باريس لدخول الأراضي الفلسطينية، لأنه يحاول عزل مركز المخطوطات عن عمقه من المدربين وأصحاب الخبرات والكفاءات". وأشار عمرو أن قوات الاحتلال قامت في تموز 2017 بسكب كل المواد الكيماوية اللازمة لعملية ترميم المخطوطات في دورات المياه، وحتى اليوم لم يس مح الاحتلال بإعادة إدخال المواد الكيماوية اللازمة والسولار لتشغيل الأجهزة، الا أن المركز لا يزال يؤدي دوره في ترميم المخطوطات ومعالجتها. مشاريع مستقبلية للمركز وأكد عمرو أن المركز بصدد إطلاق مشروع المرحلة الرابعة مع منظمة اليونسكو وبدعم من حكومة النرويج ووزارة الأوقاف الأردنية، تشمل عملية ترميم كبيرة لمبنى المدرسة الأشرفية وزيادة عدد الطاقم واستكمال التدريب والخبرات، كما يسعى المركز ليتحول الى مؤسسة مرجعية على مستوى العالم العربي والاسلامي في مجال تعليم طرق الحفاظ على المخطوطات. ورغم ما يحتاجه المرممون في عملية الترميم من جهد وعناية وصبر، الا أنهم يعتبرون أنفسهم حاملي مسؤولية الحفاظ على جزء مهم من التاريخ الاسلامي، وإعادة إحياء كتب اندثرت عبر مئات السنين. |