وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

النكبة الثالثة

نشر بتاريخ: 31/01/2020 ( آخر تحديث: 31/01/2020 الساعة: 14:03 )
النكبة الثالثة
الكاتب جدعون ليفي لصحيفة هآرتس 
 ترجمة: أمين خيرالدين
كان ،عمر أبو جريبان، مواطن من قطاع غزّة، يلبس بيجاما خفيفة من المستشفى، جريحا، حافيا ومُضْطَرِبا، بدون ماء أو غذاء، كان موصولا بأُنبوب قسطرة، ويلبس حفّاظا، أُلْقي أثناء الليل بتاريخ 13/6/،2008 ، إلى جانب الشارع وتُرِك ليموت. نشر حاييم ليفنسون في حينه الحكاية في جريدة "هآرتس"، أنزعج دافيد غروسمان من الحكاية، أمس تحوّل الشعب الفلسطيني كلّه إلى أبي جريبان. رئيس الولايات المتّحة الأمريكيّة دونالد ترامب، ورئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو حلّا محلّ رجال الشرطة الذين ألْقَوْا بشخص جريح في منتصف الليل. وحلّ العالَمُ محلّ المستشفى الذي وقف مكتوف الأيدي. في سنة 2008 كانت هذه تراجيديّة إنسانيّة، أوّل أمس حلّت مأساة قوميّة: حين أعلن البيت الأبيض اندلاع النكبة الثالثة. أُلْقيّ الفلسطينيّون إلى جانب الطريق وتُرِكوا لمصيرهم. إسرائيل اليمينية مبتهِجَة، وإسرائيل اليساريّة كعادتها أضاعت طريقها، والعالم صامت. إنّها نهاية الدنيا.
كان البيت الأبيض أوّل أمس يشبه البيت اليهوديّ، غارقا في بحر من القبّعات الدينيّىة اليهوديّة والإيديشيّة. هل ينبغي على المرء أن يكون لا ساميّا ليستغرب؟ من كل هؤلاء السماسرة صانعي السلام، من الأصدقاء، من الإيدلسيين (نسبة إلى شيلدون أديلسون – صاحب جريدة يسرائيل هيوم – المترجم)، من الغرينبلاتيين ( نسبة إلى غرينبلات – كبير القانونيين لدونالد ترامب) ومن الكوشناريين (نسبة إلى كوشنار صهر ترامب – المترجم) ومن البيركوفيتشيين (نسبة إلى بيركوفيتش - المترجم)، بدّوا كما لو كانوا وسطاء مناسبين ونزيهين، لا يمكن أن تجول في الفكر بداية حلٍّ مناسبٍ. ليس من الصعب أن يتكهن المرء عمّا يدور في رأس أيّ فلسطينيّ وأيضا في رأس أيّ إنسان ينشدُ السلام العادل أمام صورة هذا الفوْج اليهودي كليّا واليميني كليّا. لم يُمْحَ في هذا الاحتفال الفلسطينيون فقط وكأنّهم لا وجود لهم، أيضا الخطّة التي ستقرر مصيرهم تبشّر بإلغاء الفُرْصة الأخيرة لحصولهم على المنطق المتأخّر، على قليل من العدل، على قليل من الإحْسان. تُرِكوا جرحى ينزفون على جانب الطريق.
هذه نكبتهم الثالثة. بعد أن فقدوا مُعْظم بلادهم، وأملاكهم واحترامهم في المرّة الأولى وحريّتَهم في المرّة الثانية، تأتي الآن النكبةّ الثالثة لتقضي على باقي آمالهم. جرّبوا كلّ شيء. النضال الديبلوماسي والنضال المُسلّح، والاحتجاج السلمي والمقاطعة الاقتصاديّة – ولا شيء ساعدهم. صفقة القرن تؤكّد ما كان معروفا: شرٌّ وطيبة، والآن في نشرة متطرفة أحاديّة الجانب، عنصريّة ومُتعالية. يأخذ القويّ كلّ شيء. كل شيء. الفلسطينيّون سيأخذون كاريكاتير الدولة المستقلّة فقط بعد سنين طويلة، إن حصل هذا، وذلك بعد قبولهم لسلسلة من شروط الخضوع والاستسلام المُخْجِل. وأيضا لن يوافق على ذلك أبد سَفَلة المُخابرات (الشاباكيم) أبدا. إسرائيل، بالمُقابل ستأخذ تقريبا كلّ شيءٍ، هنا والآن.
لماذا على الفلسطينيين فقط أن يُثْبِتوا أنفسهم قبل أن يحصلوا على أيّ شيء؟ هل أثبتت إسرائيل نفسها في نصف قرن من الاحتلال؟ هل خضعت لشيء واحد من القانون الدولي؟ هل أصغت لتعليمات المُجتمع الدولي؟ جائزة للاحتلال الوحشي؟ جائزة للمستوطنين؟ على ماذا ولماذا، يا أمريكا؟ إسرائيل تأخذ كلّ شيء وبدون شروط، والفلسطينيّون، شعب مُنْضَبِط النفس نسبيّا أمام التنكيل المُخيف به، هل عليهم أن يُثْبِتوا أنفسهم أيضا ليحصلوا على فُتات العدل الذي يرميه لهم رئيس الولايات المتّحدة. لماذا ينبغي ضمان أمن إسرائيل دائما، حتى نهاية التاريخ وكل والمخاطر. بدون تحريك إصبع واحدة لضمان ولو شيءٍ ضئيل لأمن الفلسطينيين، الفلسطينيون الذين دمهم مُباح ويُراق برُخْص بأيدي ألإسرائيليين، وأيضا يحقّ لأي بنت في غزّة ّ أن تنام ليلة آمنة، لكن من يمكنه أن يعُدَّها في بيت يهوديّ في شارع مُشَجّر في بنسلفانيا 1600 في واشنطن.
إذا لا سمحَ الله ونُفِّذت هذه الصفقة، تكون نهاية الشعب الفلسطيني. ليسن النهاية الجسديّة، إنما النهاية القوميّة، ومّن يعتقد أن هذا سببا للفرح، مدعوٌّ للاحتفال في الميدان، في الاحتفال بتحرير نُعْمى يسسخار، وللتصويت لليكود أو كحول لبان، ما الفرق. ولكن مّن بقي عنده ذرّة من الأخلاق، عليه أن يرتعب من هذا السلام المُخيف للمُنْتصرين، السلام الذي ربّما ينتهي بالخير لإسرائيل، لكنه لن ينتهي بأحسن ما يكون للإسرائيليين. إسرائيل لم تعترف أبدا بالنكبة الأولى والثانية، وربما ستتهرب من مسؤوليّتها عن النكبة الثالثة، لكن من عار ومن جريمة سحق شعب لن تهرب أبداً.