|
قوانين مرحلة التحرر الوطني والدبلوماسية في مواجهة ( صفقة القرن )
نشر بتاريخ: 10/02/2020 ( آخر تحديث: 10/02/2020 الساعة: 14:27 )
الكاتب: يونس العموري
مرة اخرى نجدنا امام تقهقر وتراجع في الاداء الوطني الفلسطيني عموما وعلى مختلف المستويات والصعد ، ومرة اخرى تتصدر العناوين انتصارات تل ابيب المتلاحقة على اكثر من مستوى ، حيث الإعلان الرسمي عن صفقة ترامب المسماة بصفقة العصر والقرن ، وقبلها الحشد والاحتشاد الدولي الرسمي لإحياء ذكرى الهولكست وتستقبل إسرائيل أكثر من 40 زعيم دولة، يشاركون في المنتدى الدولي لضحايا النازية، في الذكرى الخامسة والسبعين لتحرير معسكر الإبادة النازي "أوشفتس" في بولندا. ومرة اخلرى تحقق تل ابيب اختراقا في الجسم العربي والاسلامي في جدار العلاقات الطبيعية التطبيعية وانفاذ مشاريعها من خلال مخططاتها بتقبل وقائع الامر الواقع .. وبهذا الشكل نستطيع القول ان ثمة تراجع فلسطيني رسمي على الساحات الدبلوماسية الاقليمية والدولية الأمر الذي بات ملموسا وحقيقيا ..
ومرة اخرى نتلهى نحن بالسجالات الداخلية العقيمة ما بين اقطاب وامراء البيت الواحد ، ومن الواضح تراجعنا في الاداء وفشلنا الذريع في تقديم الرواية الفلسطينية وحشد المقبولية الدولية لها في مواجهة الرواية العبرية التلمودية وكل ذلك نتيجة وقائعنا الداخلية المُتشرذمة والمنهارة وعدم مقدرتنا على لملمة مبعثراتنا وصار الشقاق والخلاف على كل شيء متصدرا للمشهد الفلسطيني ، واصبحنا نستجدي وحدة وطنية وان كانت هشة ، والدبلوماسية الفلسطينية في حالة يرثى لها ودبلوماسية تل ابيب في حالة ازدهار برغم الفشل الاسرائيلي في الإستحقاق الداخلي وحالة الصراع القطبية التي من المفروض ان يُستفاد منها فلسطينيا اذا ما جاز التعبير، وبرأيي كل هذا التقهتقر والتراجع انما يعود بالاساس الى التخبط الفلسطيني اولا في توصيف حقيقة وقوانين المرحلة والتي من خلالها نستطيع مواجهة اللحظة الفارقة بكل حيثايتها ، سواء فيما يتعلق بتداعيات صفقة القرن او ما يخص استحقاقات الوضع الداخلي على مختلف الساحات والجبهات بعناوينها كافة. واعتقد ان المادة (8) من الميثاق الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية واضحة وصرحية وتقول بالنص ( اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺸﻬﺎ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ هي ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﻜﻔﺎح اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ وﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﺘﻨﺎﻗﻀﺎت ﺑﻴﻦ اﻟﻘﻮى اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ هي ﻣﻦ ﻧﻮع اﻟﺘﻨﺎﻗﻀﺎت اﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ أن ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺼﻬﻴﻮﻧﻴﺔ واﻻﺳﺘﻌﻤﺎر ﻣﻦ ﺟﻬﺔ وﺑﻴﻦ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ، وﻋﻠﻰ هذا اﻷﺳﺎس ﻓﺈن الجماهير اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ ﺳﻮاء ﻣﻦ كان ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ أرض اﻟﻮﻃﻦ أو ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺎﺟﺮ ﺗﺸﻜﻞ ﻣﻨﻈﻤﺎت وأﻓﺮاد ﺟﺒﻬﺔ وﻃﻨﻴﺔ واﺣﺪة ﺗﻌﻤﻞ ﻻﺳﺘﺮداد ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ وتحريرها ﺑﺎﻟﻜﻔﺎح اﻟﻤﺴﻠﺢ.") بالتالي كانت ولا زالت القوانين الحاكمة للمرحلة بالاساس هي قوانين التحرر الوطني ، الا ان السياسة الاحترافية قد سيطرت على المشهد عموما .. وصارت تحكي وقائع المرحلة بغير قوانينه مما نجم عن ذلك اختلال واضح بالتعاطي ومعطيات وافرازات الصراع وبالتالي متطلبات قوانين ذات المرحلة ... وهنا يتصارع فن الممكن سياسيا وفن المستحيل .... ما بين فن الممكن وفن المستحيل تكمن الحكاية الفلسطينية بكل فصولها، حيث باتت عبارة فن الممكن وتحقيق الممكن من خلال المسيرة التسووية هي الشغل الشاغل لقادة الرأي والموقف الفلسطيني، وإنجاز وتواصل التهدئة بالشطر الأخر من الوطن من خلال الممكن لترسيخ الحكم العقائدي بقطاع غزة اساس فعل قادة حماس. وسياسات الممكن قد اصبحت هي الأساس في النهج القيادي الفلسطيني على مختلف توجهاتها وكأنهم قادة لأحزاب في دولة ذات سيادة يحترفون العمل السياسي .... وهو الأمر الذي بات مرتبطا بكل تفاصيل المرحلة الحرجة التي بلا شك ان لها الكثير من العناوين لعل ابرزها بدياة التصدع في البيت الواحد ..... ومن خلال رصد وقائع الحركة السياسية المعاصرة بكافة مراحلها في الأراضي الفلسطينية المحتلة نلاحظ ان العمل السياسي بكافة دهاليزه وأطره قد اصبح سياسة لفن الممكن حفاظا على مصالح مراكز القوى المتنفذة على مختلف مستوياتها واشكالها، بل ان العمل السياسي قد تحول وفي معظم الدوائر لفن تحقيق الوصول عبر الموقع التنفيذي أو التشريعي، الى أعلى المرتبات، وتأمين وظائف للأبناء والأقارب، وتحقيق المصالح ذات الطابع الشخصي والفردي، وحتى المصالح التنظميمية الحزبية على ارضية الحسابات الفصائلية ومصالحها اولا. وإهمال القضايا ذات الاتصال المباشر بالجمهور والتي لها علاقة مباشرة بنبض وجوده واستمراره وتوفير مقومات الصمود والانتقال من حالة ردة الفعل الى حالة الفعل والمبادرة على طريق تحقيق تطلعات وطموحات الجماهير الرابضة في ظل الاحتلال. وهنا لابد من اجراء مراجعة فكرية سياسية لماهية الواقع المعاش بالظرف الراهن، وهل اصبحت سياسات فن الممكن هي حجر الزاوية الاساسي التي تتحكم بمسار العمل الوطني..؟؟ واعتقد اننا بحاجة لإعادة صياغة مفاهيم العمل اسياسي الفلسطيني من جديد على قاعدة اعادة توصيف طبيعة المرحلة ذاتها حيث مقولة ان السياسة فن الممكن قد باتت تتردد على السنة الكثير من الأكاديميين العرب الذين يحترفون دراسة العلوم السياسية وفقا لنظريات سياسية غربية لها اهداف تطبيقية بعيدة المدى على مستوى المنطقة ككل. تصب في خانة استعمار الشعوب والسيطرة على مقدراتها عن طريق فعل التدجين والتهجين للجماهيرواحالتها الى حالة شعبوية مستهلكة لكل ما من شانه ان يخدم اهداف ما وراء هذه النظريات الممكن في اطار سياسات فن الممكن، ومحاولة الإيحاء بأن انجاز التغيير المطلوب وانجاز اهداف عملية التحرير وتحقيق سيادة الشعوب على ارضها وتقرير مصائرها واحدة من المستحيلات وبالتالي يتم دقع الشعوب بكافة قواها وفعالياتها الحية نحو العمل السياسي ضمن هوامش فن الممكن تحقيقه من خلال هكذا نظريات مصممة على مقاسات انظمة الحكم المتناغمة ومصالح رعاة المنطقة وبالتالي مشاريعها. الا ان الحالة الفلسطينية من المفروض انها مختلفة ولا اساس لنظريات سياسات فن الممكن في اجندة التعاطي السياسي والقضية الفلسطينية ذاتها، على اعتبار انها قضية تخضع لمنطق الصراع بين الظالم والمظلوم، ما بين الاحتلال والجماهير الفلسطينية التي أبدعت وأبتدعت كل أشكال الفعل والفعل المقاوم، وكانت ان أطرت ذاتها في بوتقة الفعل الكفاحي من خلال انجاز الإطار الثوري الذي اعتمد النظرية الثورية ذات الطابع النضالي كأسلوب للتصدي لسياسات الاحتلال ومحاولته طمس هوية الحضارية العروبية، وبالتالي اعتمد على فنون العمل الثوري والذي ما كان يوصف بفن المستحيل. وما بين فن الممكن وفن المستحيل خضعت فصول الحكاية الفلسطينية للشد والجذب. والمستحيل هنا ليس المقصود به استحالة تحقيق اهداف الشعوب بل انها عملية تغيير شاقة للواقع السيء المُعاش، حيث ان انطلاق العمل الثوري واعلان حالة العصيان وبكافة السبل والوسائل الممكنة والمتاحة في وجه الاحتلال وسياساته يعتبر الطريق الوحيد التي على الشعوب السير فيه ومن خلاله، والا فإن مصيره سيكون ضياع هويته وطمس معالم وجوده الانسانية والحضارية. وغالبا ما يكون الظالم (الاحتلال) ذا قوة مادية جبارة وغالبا ما يكون المظلوم (المُحتل) ضعيف الحال المادي وحيث ذلك فإن عبارة السياسة فن الممكن تعطي المظلوم جرعة من الجبن والتخاذل كي يكسر إرادته للظالم ويستسلم له، لكن إذا ما حسبنا الإمكانيات الروحية للمظلوم فنجد أنها هائلة لأن إحساسه بالظلم له رد فعل عكسي حسب القانون الثالث لنيوتن (لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه) أي أن المظلوم يملك بحسب القانون المذكور طاقة روحية (تتحول إلى طاقة مادية) تعادل طاقة الظالم القوي الجبار. إن عبارة السياسة فن الممكن!!؟؟ قامت عليها كل الاتفاقيات السياسية للأمة من اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل واتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل إلى اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وأخيرا صناعة وصياغة التهدئة بقطاع غزة. وما خفي لربما يكون الأعظم .... وبالعودة لسياسة الحسابات الدقيقة في مفاهيم فن الممكن وتحقيق الانجازات من وراءها وفن المستحيل وتحقيق المُراد من خلاله نلاحظ ان حزب الله مثلا واجه إسرائيل في الحرب السادسة 2006 وخاض معها حربا مدتها ثلاث وثلاثين يوما كسر فيها شوكة الجيش الدفاع الذي لا يقهر الذي كان يدوس على بطون عشرين جيشا عربيا متخصصين في قمع مواطنيهم بالأساس. حينها لم يحسب حزب الله فن الممكن ولو حسبها لاستسلم ولن يلمه أحد، وكذلك عبد الناصر عام 1956 لو حسب فن الممكن لما أمم قناة السويس وواجه بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وسطر ملحمة تاريخية بدماء أبطال بورسعيد وأبطال الشعب المصري، كذلك لم يحسب ياسر عرفات فن الممكن عندما واجه الجيش الإسرائيلي المنتصر قبل عام في معركة الكرامة عام 1968 حيث انهزم الجيش الإسرائيلي. ولم يحسب كذلك فن الممكن في مفاوضات كامب ديفيد حينما قال اللا بحضرة سيد البيت الأبيض ورفض اطروحات التسوية السياسية. مرة اخرى اعتقد ان الحالة فلسطينية بحاجة الى ثورة على وقائع وتفاصيل سياسات فن الممكن الراهنة التي باتت مسيطرة على العقل القيادي الفلسطيني وفلسفته اتجاه مختلف قضايانا الأساسية والجوهرية وبهذا السياق لابد من اعادة تموضع جديدة لفن الثورة والمقاومة ونبذ قوانين احتراف العمل السياسي ودهاليزه التي اصبحت تثقل كاهل قضيتنا وتحملها ما لا يمكن احتماله كالإلتزام بقوانين العمل السياسي الدبلوماسي واصوله. إن عبارة (السياسة فن الممكن)هي جزء من سياسات القوى الاستعمارية لضمان الخنوع والاستكانة لأجندتها في سبيل انجاز التخاذل والاستسلام . واطفاء جذوة المقاومة بكافة اشكالها. |