|
بيت لحم في اليوم الخامس : فوضى الحواس
نشر بتاريخ: 09/03/2020 ( آخر تحديث: 09/03/2020 الساعة: 18:51 )
كتب رئيس التحرير - في رائعتها " فوضى الحواس " كتبت الأديبة العربية الجزائرية أحلام مستغانمي ( ينتهي الحب عندما نبدأ بالضحك من الأشياء التي بكينا بسببها يوماً ) . والأغرب في حال بيت لحم اليوم أننا نتحدث مع بعضنا بلطف شديد يخفي " الغضب الكبير" الذي كان يسكن صدورنا . في اليوم الأول صدمة كبيرة وإنكار واتهامات / في اليوم الثاني صمت ووجوم / في اليوم الثالث شعرنا أن الجميع هربوا عنا واغلقوا بوابات الحديد علينا ، وحاولنا التعويض من خلال جرعة حب زائدة لأنفسنا لإستعادة جدار الثقة وأن نحب بعضنا أكثر ونشكر دون حساب .. الجميع يشكر دون وعي ( المحافظ يشكر الشرطة - والأمن يشكر الصحة - والصحة تشكر المصابين - و"المصابين" يشكرون الصيدليات - والحكومة تشكر الرئيس - والصحافة تشكر المختبرات ) / في اليوم الرابع شلل وإنتظار .. امّا اليوم الخامس فتحاول المحافظة وضع عناوين محددة للعدو الخفي .. تحاول أن ترسم له شكلا ، أو ملامح أو مواقع دون جدوى . فتهرب العناوين كما يهرب النعاس من العين .. قال الفرس قديما : لا يسهر الليل الا عاشق او لص ..
ولكن أهل بيت لحم يسهرون للكورونا . يحملون أسلحتهم ويشحذون إراداتهم كل ليلة ويقفون على بوابات المدن الثلاث لمنع الخوف من التسلل الى المنازل . شاهدت قادة التنظيم يرحبون بقوات الأمن ، وقوات الأمن ترحب بالصحافة ، والمحافظ يرحب برؤساء البلديات . اليوم نكتشف كم نخاف على بعضنا وكم نحب بعضنا وكم توحدنا المصائب والنائبات . شعب عظيم يستحق كل التقدير والتضحية . شعب عملاق لا يهرب ولا يترك جرحى في أرض المعركة . حتى رجال الاعمال لم يهربوا من بيت لحم ووقفوا يدعمون بكل قوة كل ما أراده التنظيم وما يريده الناس . ولم أسمع قط أي أحد يتحدث عن الخسائر الاقتصادية ، والجميع يتمنى السلامة وان لا ينتشر الفيروس خارج المحافظة نحو المدن الاخرى . رجال الأمن يحرسوننا ليل نهار ولكننا وإياهم لا نعرف من هو العدو !! ما هو العدو ؟؟ قد تكون مصافحتك لوالدك خطر ! وقد تكون مخالطتك لأولادك خطر ! وأصعب شئ مرّ علينا هو عدم المصافحة . ويتضح لنا أن هذا الامر ليس سهلا , فقد إعتدنا طوال حياتنا على المصافحة وغالبا ما ينسى أحد ويصافح وتضطر أن تنحني وتقول له بكل خجل أنا أعتذر عن المصافحة يا صديقي فيرد عليك صديق العمر بكل أدب : بل أنا اعتذر لانني حاولت مصافحتك .. ما هذا الجنون الذي نعيش . يا الهي كم هي قصيرة الحياة وكم هي كبيرة الهموم ,قيل لي أن طاقما إداريا ذهب للحجر على عائلة , ولكن الطبع غلب التطبع .. رحبت العائلة بالطاقم بكل حرارة فما كان من الطاقم الا أن نسي وصافح العائلة بقوة .. جاء طاقم جديد وحجر على الطرفين . يا الهي ما أصعب أن يعيش العربي من دون مصافحة . قال لي صديقي ( حين يريد الله ونعود الى حالنا ويعافينا الله ، سوف أصافح كل عابر سبيل .. إشتقت للمصافحة ) . صديق أخر ولده مصاب بالكرونا وصف لي بدقة كيف يعد الدقائق والساعات حتى يصافح ولده فلذة كبده .. لكن ممنوع عليه ان يصافح أو يخالط ابنه الى إشعار اّخر .ومثل باقي المحافظات وباقي المدن العربية والسفارات في العالم . أخص بالذكر أهل قطاع غزة الحبيبة المحاصرة الذين غمروا أهل بيت لحم بالحنان والحب والدعم النفسي والصلاة والدعاء والاتصالات والتمنيات بالسلامة .. طالما لم ينقطع التيار الكهربائي بعد ، ولم تنقطع خدمة التزويد بالمياه .. وطالما أن الاسعار مضبوطة والسلع متوفرة والخير في الناس ، وقد عاد التكافل الاجتماعي وإنقطعت السرقات والجرائم . فالمجتمع لا يزال بخير .الدكتور موسى فلسطيني من بيت لحم ومغترب في برلين .. اتصل وقال لي إن سعر الكمامة في المانيا وصل احيانا الى الف يورو . وأشاد بصمود اهالي بيت لحم وسرعة تعافيهم من الصدمة . وتوزيعهم الكمامات مجانا .في اليوم الخامس ,, لا نفكر في الهروب الى أي مكان ولا يخطر ببال أحد الخروج الى أي مكان اّخر ، بل نفكر في الصمود والبقاء لان هذه الارض تستحق العيش فيها , ولا نعتب على أحد ، لسنا نطلب شيئا ولا دعما ماديا ، لسنا نجوع ولا نبكي .. وإنما لغاية اللحظة لا نعرف ما هو الكورونا ، ولا كيف نواجه هذه المصيبة . وأعتقد ان الحكومة أيضا لا تعرف ما هو كورونا ومثلنا تحاول أن تعرف كيف نمنع الانتشار . خطر ببالي ان اكتب على باب بيت لحم بيت الشعر هذا :ألا يا دار لا يدخلك حزن ... ولا يغدر بصاحبك الزمان . |