وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

عذراً رئيس الوزراء: هذا الحجر ليس للفقراء!

نشر بتاريخ: 13/03/2020 ( آخر تحديث: 13/03/2020 الساعة: 22:07 )
عذراً رئيس الوزراء: هذا الحجر ليس للفقراء!
بقلم: مصطفى بدر

وحيداً جلس في ساحة المهد الفارغة ذلك الشاب الثلاثينيّ من قطاع غزّة قبل أيّام، يلتفت يمنةً ويُسرة لعلّ رزق يومه آتٍ من جيب أحد القلائل الذين كسروا الحجر من أبناء بيت لحم، والتي لجأ إليها خارقاً قوانين الاحتلال وتصاريحه وتعقيداته خلال رحلة علاجٍ إلى الضفّة الغربيّة، بعدما خسر ما تبقّى من عائلته خلال مجزرة الشجاعيّة. وقوت يومه الذي بالكاد استطاع تحصيله من أفواج السُيّاح الزائرة لبيت لحم قد حُرم منه الآن، بعد تجميد حركة السياحة في المدينة والحجر الذي فُرض عليها، ليجد نفسه وحيداً في الشارع دون مساعدةٍ أو إعاشةٍ أو حتّى صدقةٍ تسُدّ رمقه.

وعلى الرغم من الجهود الحثيثة المبذولة على المستويين الرسميّ والشعبيّ في فلسطين، والتي تستحق أن نفتخر بها كفلسطينيين سواء كانت في سبيل مكافحة المرض وتطويقه، أو رفع معنويات المرضى والواقعين تحت الحجر ومؤازرة أهالي بيت لحم بما أمكن، فلازالت بعض التقديرات تشير إلى إمكانيّة امتداد الأزمة لأشهر، مع وجود آلافٍ من الأُسر المُعلّقة رقابهم في بيت لحم وغيرها بالمصالح المشلولة كالعاملين في السياحة والفنادق والمقاهي والمطاعم وقاعات الأفراح، إضافةً إلى الباعة المتجولين وسائقي المركبات العموميّة وعُمال المياومة داخل الخطّ الأخضر الذين حُرموا من الدخول، ويأتي دور الحكومة في تحمّل مسؤوليّتهم وتوفير مقومات الحياة اللازمة لهم.

فبيت لحم السياحيّة خاليةٌ من السُيّاح، وفنادقها التي يزيد عدد غرفها عن 3600 قد أغلقت وفرغت تماماً باستثناء المحجورين داخلها، ولم يجد الباعة المتجولون وأصحاب المتاجر من يخرج ليشتري بضائعهم، وفرض الحجر وإغلاق والمدارس والجامعات والمؤسسات التعليميّة أفرغ الشوارع ومحطات الانتظار من الرُّكّاب، ولم تَعُد الحواجز مفتوحةً أمام الخارجين من بيت لحم أو الداخلين إليها.

وعلى الرغم من طمأنة رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتيّة للمواطنين بعدم وجود نقصٍ في المواد التموينيّة على رفوف المتاجر، بالإضافة للجهود الساعية للحفاظ على أسعار هذه السلع، فإن ربع الفلسطينيين يُعانون من انعدام الأمن الغذائيّ وفق دراساتٍ سابقة قبل حدوث الأزمة؛ نظراً لارتفاع أسعار المواد الغذائيّة في فلسطين مقارنةً بمعدّل دخل الفرد، الذي يذهب الجزء الأكبر منه – إن كان كافياً - لتأمين الاحتياجات الأساسيّة للأسرة الفلسطينيّة.

وفي حال كانت البضائع متوفرةً في الأسواق فإن القدرة الشرائيّة غير متوفرةٍ لدى شريحةٍ كبيرةٍ من المواطنين، وإذا صمد أصحاب البقّالات والمتاجر الذين امتلأت دفاترهم بديون المواطنين، فإلى متى سيصمد التُجّار الذين يقدمون بضائعهم بدفعاتٍ مؤجلةٍ في ظلّ اقتصادٍ هشّ وغير مُستقرّ؟ وهل ستمدّ الحكومة لهم يدّ العَون أم سيُتركون فريسة للبنوك التي بسطت نفوذها عميقاً في شتّى القطاعات؟ وإلى أيّ مدىً سيستمرّ عطاء أصحاب المبادرات وأهل الخير إن طالت الأزمة وامتدّت إلى ما فوق طاقتهم وإمكانياتهم؟ وإن صمدت بيت لحم بمساعدة أخواتها فكيف سيكون الحال إن توسّع نطاق الأزمة في بلادٍ تُركت وحيدةً ومحاصرة بعد أن سُلبت أرضها ودُمّر اقتصادها وبارت مزارعها؟ وفي حال ارتفع عدد الإصابات فهل ستكفي الطواقم والأسرّة والمستلزمات الطبيّة والمعدّات؟ فأين الأمن الغذائيّ وجيوب المواطنين فارغة؟ وكيف سيصمد مجتمعنا الذي قسّمه الجدار والمستوطنات وشبكات الطرق الالتفافيّة إلى كانتوناتٍ منعزلةٍ دون تعزيز الزراعة المنزليّة؟ وكيف ستزدهر الزراعة وآلاف الدونمات تُجرّف وتُصادر وشحنات المنتجات الزراعيّة الإسرائيليّة لا تتوقّف عن الدخول إلينا؟ وهل سيتعلم الذين ستكتب لهم النجاة من هذه المحنة الدرس للتجارب القادمة؟