وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الكورونا في خدمة نتنياهو

نشر بتاريخ: 15/03/2020 ( آخر تحديث: 15/03/2020 الساعة: 10:12 )
الكورونا في خدمة نتنياهو
الكاتب: د.سفيان ابو زايدة
اليوم سيباشر الرئيس الاسرائيلي مشاوراته للمرة الثالثة خلال عام مع رؤساء الكتل البرلمانية لتكليف احدهم بتشكيل الحكومة بعد ان فشل النظام السياسي الاسرائيلي في المرتين السابقتين.

مشاورات ستكون مختلفه جذريا عن سابقاتها سواء من حيث الوقت المخصص لكل قائمة او عدد الأشخاص المشاركين او الفترة الزمنية التي لن تستمر اكثر من ثمانية و أربعين ساعة، قبل ان يقرر الأطراف ما الذي يجب فعله للخروج من هذا المأزق في ظل تهديد الكورونا وحالة الطوارئ التي تعيشها البلاد و يعيشها العالم اجمع.

لكن الجميع يعرف ان هذه المشاورات ليست هي الامر المهم الذي سيحدد مستقبل النظام السياسي الاسرائيلي خلال الاشهر و ربما السنوات المقبلة. الجميع يدرك ان قواعد اللعبة في ظل تهديد الكورونا و تداعياتها الصحية و الاقتصادية و الاجتماعية تجبر الجميع على اعادة صياغة مواقفهم في ظل عجز القطبين الرئيسيين عن تشكيل حكومة تحظى بثقة الاغلبية البرلمانية.

نتنياهو الذي اثبتت الاحداث بأنه ليس فقط بسبعة ارواح بل بسبعين روح وعدا عن كونه ساحر سياسي ليس لديه خطوط حمراء او زرقاء و لديه الاستعداد ان يفعل اي شيء من اجل بقاءه على رأس الهرم ، هو ايضا سياسي محظوظ و كأن فايروس الكورونا جاء لكي ينقذه من مأزقه و يحميه من المحكمة و يبقيه في منصبه بعد كل همروجته الاعلاميه عشية الاعلان عن نتائج الانتخابات حيث صور الامر بأنه حقق انتصارا ساحقا على خصومه و ان تشكيل الحكومة سيكون مهمة سهله دون الحاجة الي خصومه التقليدييين ليتضح ان كتلة اليمين التي يتزعمها ليس لديها سوى ثمانية و خمسين مقعدا و ان خصمه بني غانتس يملك على الورق ٦٢ مقعدا.

نتنياهو المحظوظ على ما يبدو لم يعد بحاجة الى كل هذه الحسابات بالارقام لان فايروس كورونا اختصر علية الطريق الذي اصبح على الارجح سالكا لكي يحقق ما يريد ، و سيلتقط انفاسه السياسية و القضائية للاشهر المقبلة على الاقل.

اما بني غانتس الذي فقد بكارته السياسية متأخرا كما يصفه المحلليين و السياسيين و على الرغم من حصول المعسكر المعادي لنتنياهو الذي يقف على رأسه على اثنين و ستين مقعدا ، من الناحية النظرية بالامكان ان يشكل حكومة و اقتلاع نتنياهو من بيت رئيس الوزراء الا ان هذه الارقام اثبتت انها ارقام مخادعه ، حيث في الوقت الذي يوجد لنتنياهو كتلة متماسكة صمدت ثلاثة جولات انتخابية دون ان تتصدع جدرانها ، المعسكر الاخر اثبت ان جدرانه غير متماسكة و ان هناك تصدعات في هذه الجدران لا يستطيع الارتكاز عليها لتشكيل حكومة.

التصدع الاول كان من داخل بيت ازرق ابيض ، حيث تكون هذا التحالف من اربعة اقطاب ليست متجانسة من الناحية السياسية و القاسم المشترك الاساسي بينها هو اسقاط نتنياهو او العداء الشخصي له. لكن اسقاط نتنياهو لم يكن بأي ثمن بالنسبة للبعض. او بكلمات اخرى هناك من رفض ان يكون ثمن اسقاط نتنياهو هو بالاعتماد على اصوات القائمة المشتركة.

على رأس هؤلاء اثنين من المتطرفين الذين يكرهون نتنياهو و لكنهم في نفس الوقت عنصريين و متطرفين تجاه فلسطينيي الداخل وهم يوعاز هندل و تسفي هاوزر اللذان اعلنا عن موقفهما برفض التصويت لصالح حكومة اقلية تعتمد على الاصوات العربية .

لكن الاهم منهم هو موقف احد اقطاب التحالف وهو رئيس الاركان السابق الجنرال غابي اشكنازي الذي ايضا رفض هذه الفكرة و تمسك بضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية حتى و ان كان رئيسها نتنياهو.

اما التصدع الاخر في جدران هذا التحالف جاء من طرف اورلي ليفي ابو كسيس التي دخلت الانتخابات في تحالف مع حزب العمل و ميرتس ، و الهدف كان هو دخولها الكنيست بعد ان فشلت في الجولة الاولى من الانتخابات من اجتياز نسبة الحسم.

اورلي ليفي التي سرعان ما اعلنت عن موقفها بعد التصويت لحكومة اقلية تعتمد على اصوات القائمة المشتركة تعكس طبيعة السياسي الانتهازي الذي يستغل الاخرين و يبحث فقط عن مصالحه الخاصة.

موقف اورلي ليفي فسره البعض على انه انتقام من غانتس الذي رفض ان يضمن لها مكان في قائمة ازرق ابيض اضافة الى خلفيتها اليمنية و الليكودية و قبل كل ذلك الاغراءات التي قدمت لها لتعيينها وزيرة و الدفع باتجاه تعيين والدها دافييد ليفي ليكون رئيس للدولة بعد انتهاء حقبة ريفلين.

التصدع الثالث في هذا الجدران كان في القائمة المشتركة حيث ممثلي بلد الثلاثة لم يكونوا مع فكرة دعم حكومة الاقلية برئاسة غانتس وفي الانتخابات الاولى رفضوا ان تدرج اسماءهم ضمن الاصوات التي اوصت بتشكيل غانتس ، على الرغم ان لديهم نفس الرغبة او نفس الهدف لازاحة نتنياهو عن المشهد. هذه التصدعات سحبت البساط من تحت اقدام غانتس و اسقطت خيار حكومة اقلية تعتمد على اصوات القائمة العربية المشتركة.

المشهد اليوم يختلف تماما، مختلف لصالح نتنياهو ، السياسي الوحيد في المشهد السياسي الاسرائيلي المستفيد من فايروس الكورنا، حيث لم يعد شعار خصومه بعدم قبول تشكيل حكومة برئاسته في ظل حالة الطوارئ التي تعيشها البلاد و يعيشها العالم امرا واقعيا او مقبولا. ولم يعد خيار اجراء جولة انتخابات رابعة خيارا مقبولا او قابلا للتطبيق في ظل حالة الطوارئ و الآلاف الأشخاص الذين يخضعون للحجر المنزلي.

هناك تغيير اجباري لقواعد اللعبة فرضها فايروس كورونا على النظام السياسي الاسرائيلي.

الخيارات المطروحه ستكون كالتالي:

الخيار الاول قد يكون تشكيل حكومة طوارئ تتكون من الليكود و ازرق ابيض و الاحزاب الاخرى برئاسة نتنياهو تكون مهمتها ادارة الازمة التي تمر بها البلاد و تكون مدتها محدودة بفترة زمنية لا تتجاوز العام.

الخلاف سيكون على الفترة الزمنية و على مكونات هذه الحكومة . هل ستكون من ازرق ابيض و الليكود فقط ، هل ستكون من كل كتلة اليمين و الكتل الاخرى بما في ذلك القائمة المشتركة التي يرفض نتنياهو ان تكون جزء من اي تشكل حكومي، هل سيشارك ليبرمان في هذه الحكومة ام يبقى خارجها . هل سيحافظ ازرق ابيض على تماسكه ام سيتفكك في ظل فشل مهمته في ازاحة نتنياهو خاصة لبيد و حزبه هناك مستقبل. هل سيتمسك نتنياهو برئاستها و يقبل غانتس ام يحاول ان تكون بالتناوب حتى و ان كانت لمدة قصيرة.

الخيار الثاني هو تشكيل حكومة وحدة وطنية وفقا لمقترح الرئيس ريفلين بعد ان يتم تعديله لصالح نتنياهو بمعنى ان تكون هناك حكومة برئاسة نتنياهو اولا لمدة عامين بعدها يتولى غانتس رئاستها بغض النظر عن اجراءات محاكمة نتنياهو التي ستسغرق وقتا طويلا هذا اذا لم يتم توقف عمل المحاكم نتيجة فايروس كورونا.

في كل الاحوال، وفي اي سيناريو مقبل سيبقى نتنياهو على رأس الهرم السياسي في اسرائيل بفضل فايروس كورونا الذي استطاع باقتدار ان يجيره لصالح بقاءه السياسي.

[email protected]