|
الجزء الثاني من رسالة جندي شارك في معارك الفلوجة
نشر بتاريخ: 22/10/2005 ( آخر تحديث: 22/10/2005 الساعة: 15:04 )
معا- نشرت وكالة "معا" أمس الجزء الاول من رسالة جندي شارك في معارك الفلوجة وفيما يلي الجزء الثاني والاخير من الرسالة:
في بعض الأحيان كانت المقاتلات تزمجر على علو جد منخفض فوق المدينة, وتطلق لصواريخها الضغيرة العنان وذلك من أجل الإصابة بشكل أكثر دقة. وكما هي العادة، المدفعية تقصف احياناً قذائف شديدة الانفجار, واحياناً قذائف فوسفورية بيضاء قيل انها "نابالم حديث أو مطور". ما بين الفنية والأخرى وعلى أطراف منطقة المواجهة, كنت تسمع الدبابات وهي تقصف من خلال رشاشاتها الثقيلة, وترى لمعان مدافعها، كان من المدهش أن يبقى أي شيء على قيد الحياة أمام هذا الهجوم الضاري المميت، و فجأة، ومن خلال الراديو سمعنا طلباً للسماح باستخدام " بنكر بستر" , وهي عبارة عن صواريخ تخترق التحصينات الأرضية القوية ، من الواضح أنه تم اكتشاف معسكر " للمتمردين" لا يمكن اختراقه من خلال الضربات المدفعية، ولم أكن أعلم متى تم نشر هذا النوع من السلاح " بنكر- بستر" ، إلا أنني اخبرت لاحقاً أن تلك الانفجارات الرهيبة التي كنا نسمعها إنما كانت نتيجة لاستخدام هذا النوع من السلاح " الحل الأخير والنهائي" من أنواع الصواريخ . هذه ليست حرب انها مجزرة بقيت أراقب الهجوم الأخير على الفلوجة من على ظهر الهمفي، وكان من المثير للانتباه أن تراقب السماء من خلال المناظير الليلية، فلقد كانت تدور بدون انقطاع تلك المروحيات الهجومية، وكان النوع الأكثر تدميراً , هو مروحيات الكوبرا والاباتشي , من خلال ما تتميز به من سلسلة الاطلاق الصاروخية، ومن خلال تلك المناظير, كنت ألاحظها تحوم حول الأشلاء، تبحث عن أهدافها على الأرض بكاشفاتها ذات الأشعة تحت الحمراء والتي يبدو أنها تصل الى أميال عدة، وعندما يتم التعرف أو اكتشاف هدف معين، فان سلسلة متتالية من الانفجارات تخترق الأرض والسماء. مزيد من الدبابات، مزيد من المدافع، مزيد من الرشاشات الثقيلة، موت مشؤوم، وطائرات,, هذه كلها تقوم " بتصفية" وانهاء مدينة باكملها في وقت واحد، هذه ليست حرب، إنها مجزرة. عندما استذكر تلك الغارات الجوية التي استمرت حتى صباح اليوم التالي لا يمكنني إلا أن أشعر بالدهشة من التكنولوجيا المتطورة التي وصلت اليها بلادنا (اميريكا ) في ذات الوقت أشعر بالغثيان من طرق استعمالها ونتائجها. سكين مقابل دبابة, عزيمة قل نظيرها لقد حصل هذا معي عدة مرات خلال الحصار، فبينما كان المقاومون في الفلوجة يقاتلوننا بكل جرأة وباسلحة قديمة , منذ أيام الحرب الباردة، كانت طائراتنا تزمجر فوق رؤوسهم وتلقي بقنابلها شديدة التدمير, وتبدو في كثير من الأحيان وكأنها قنابل نووية صغيرة، كان الأمر يبدو وكأن العراقيين آتين وبيدهم سكين مقابل دبابة، وبرغم هذا كله فلقد كانت المقاومة تزداد شراسة، الكثير من المقاتلين قاتل بضراوة حتى الموت، يا لهذه العزيمة ويا لهذا التصميم. بعض من جنودنا كان يصف هؤلاء بالاغبياء لأنهم " المقاتلين" يعتقدون أن لديهم الفرصة لهزيمة أقوى جيش في العالم، إلا أنني أصفهم بالشجعان، نعم انهم شجعان ومقاتلون اشداء، إنهم مقدامون وأصحاب عزيمة قل نظيرها , الموضوع لا علاقة له بالقتال من أجل تحقيق نصر سريع أو آني، لكن ماذا يعني انتصار تقليدي في حرب لا يمكن أن توصف بأنها تقليدية. كانت الأمور تبدو وبشكل كبير انها خرجت من أيدي الولايات المتحدة الاميركية، لقد حولنا الفلوجة الى ركام، وأدعينا الانتصار واخبرنا العالم أننا نسيطر على الفلوجة بشكل كاملاً تماماً، وإدعت قواتنا أن عدد ا قليلا من المدنيين تم قتلهم وأن الآلاف من "المتمردين" تم القضاء عليهم، وعزفت قناتي CNN و Fox لحن البهجة على شاشات التلفزة , وأن التاريخ سوف يسجل معارك الفلوجة على أنها انتصار كامل , وفوز أكيد , وأنها شهادة لاميركا بالتسيد والتفوق في المعارك الحديثة. على أي حال وما أن هدأت الزوبعة وجلس الجنرالات في مكاتبهم المريحة والفخمة يدخنون " سيجار الانتصار, حتى بدات الخطوط الأمامية في الفلوجة بالانفجار من جديد, قصف مدافع المورتر اللامنتهي، والصواريخ والهجمات بالاسلحة الخفيفة على القوات الاميركية وحلفاؤها. التقارير الأخيرة أشارت الى أن العديد من " المتمردين" عادوا للظهور مجدداً في شوارع المدينة المدمرة، لقد أعلنا للتو أن الوضع تحت السيطرة , واننا سوف نتجه لمعالجة المشكلة الأخرى المستعصية في الموصل، وهكذا فجأة، بدون سابق إنذار، كان علينا أن نعيد النظر والاهتمام مجدداً في الفلوجة، ترى هل كذبت وزارة الدفاع وصحافتنا الوطنية مجدداً على الشعب وادعت بانجاز انتصار آخر؟؟ حرب العصابات ليس بالضرورة, فمن ناحية تقليدية لقد فزنا في المعركة، كيف لأحد أن يجادل بذلك؟؟ لقد دمرنا مدينة بأكملها وقتلنا آلافاً من ساكنيها، لكن المسألة الأساسية أن الجيش والعامة نسوا أن يصلوا الى النتيجة القائلة أن هذه الحرب وبعيداً عن أي شكوك هي حرب عصابات احياناً اتساءل اذا ما كان الضباط الخريجون من وست بوينت يتم تدريسهم أي شيء عن حرب العصابات. خلال هذه الحرب سألت احياناً بعض الضباط عما إذا قاموا بقراءة , أو اذا ما تصفح أحدهم كتاب حرب العصابات لتشي جيفارا , وكانت الاجابة على الأغلب ان لا، وقد كنت أشعر بالدهشة عندما اسمع ذلك، فهنا في العراق، سوف يكون أمامنا سنوات عديدة طويلة من حرب العصابات , ومن الظاهر أن قادتنا لا يعيرون الأمر كثيراً من الأهمية. وبعيداً عن ماهية حرب العصابات، فان المهم هو أن خلف هذه " العصابات" المسلحة لا بد من وجود قيادة سياسية توجهها، لقد اثبتت التجارب التاريخية أن العديد من حروب العصابات كانت ناجحة, ولا يمكن استثناء حرب الاستقلال الامريكية من ذلك . كان علينا أن نتعلم من دروس حرب العصابات في فيتنام قبل 30 عاماً من الآن، لكن يبدو أن التاريخ لديه طريقة مضحكة في إعادة نفسه، لقد كانت فيتنام التجربة الأمثل في سرعتها، وهجماتها القاتلة على الجيش التقليدي, وخلال فترة ليست قليلة , وهذا ما يؤدي الى أن تصبح حرباً غير مرغوبٍ فيها , وتتم مناهضتها شعبياً وهكذا تنتهي. يقول جيفارا في كتابه حرب العصابات، أن أهم حقيقة في هذه الحرب هي الدعم الشعبي، وبذلك، فان الانتصار والفوز يصبح شبه مضمون. المتمردون في العراق، لديهم البذرة الأولى والأرضية الجاهزة من الدعم باتجاه العصيان المسلح، ليس فقط أن لديهم ما يكفي ويزيد من الأسلحة والذخائر، فهم كذلك لديهم خاصة الانصهار والاندماج ضمن محيطهم، وقد استفاد هؤلاء من هذه الميزات الى الحد الأقصى الممكن، وأهم ما يمكن الحديث عنه هو هذا الدعم اللامتناهي الذي يلقاه " التمرد" من ابناء الشعب العراقي في مناطق التمرد. إن ما على قيادتنا السياسية منها والعسكرية أن تدركه، هو أن كل خطأ نرتكبه يعتبر ميزة وذو فائدة كبرى " للعصيان المسلح" في العراق، ففي كل مرة يتم قتل أمرأة، رجل، او طفل بريء، في أي عمل عسكري، سواء كان هذا القتل عمداً أو بغير قصد , فان المتمردين يستثمرونه لصالحهم، وتزداد به قوتهم. " التمرد" سينجح في النهاية إن كل ما في هذه الحرب هو سياسي ولا علاقة له بالعسكري، فكل كمين وكل تفجير، وكل عملية قتل، انما تحمل ابعادا سياسية, فعندما يتم قتل موظف أو عسكري من قوى " التحالف" , انما يشجع هذا ويزيد الحماسة ضد قوى الاحتلال. سوف يثبت، إن وسائل اعلامنا هي التي ستتهم في فشلنا المريع، ففي كل مرة يتم فيها الكشف عن وحشيتنا فان قبضتنا على هذا الشعب تفقد جزءاً من قوتها، إن الضربات حتى ولو كانت خفيفة ضد القوات الامركية، اذا ما استمرت، وهي مستمرة بشكل كبير وبدون توقف , ولا يمكن تجنبها انما تأتي من خلال اخطاء الجيش " التقليدي" وهذا يعني أن قوات " التمرد" تحقق النجاحات وهي بالتأكيد ستنجح في النهاية. في الحالة العراقية، لا يمكن تدمير القوات الاميركية , بل من المستحيل تحقيق ذلك، لكن ومن خلال المواظبة والاستمرار فان قوات " التمرد" سوف يلقون بنا الى الخارج , وهذا ما يبدو أنه سيكون النتيجة الحتمية لهذه الحرب. لقد فقدنا الكثير من الجنود في معارك الفلوجة , واكثر من ذلك بكثير أصيبوا بجراح بالغة، ويبدو أنه من الظلم وبعد كل هذا التدمير الذي الحقناه في المدينة أن نستمر في معاقبة المدينة , فقط لاحتواءها , وسوف يموت العديد من الجنود الآخرين , هكذا , وبدون مقابل للاحتفاظ بها. لقد شاهدت النظرات في عيني أحد الجنود العاملين في فرق الاستطلاع , عندما كنت أتحدث اليه بعد المعركة، إن قصصه عن الموت العنيف والدم كانت تبعث على الأحباط , وتثير الشجن، وتفقد الشجاعة، إن التضحيات التي قدمها مع زملاءءه كانت لا متناهية , فقد قاتلوا بشجاعة لا توصف , وبشكل يومي وبدون أن يذوقوا طعماً للنوم احياناً , وبدون استراحة احياناً أخرى، وحتى بدون وجبات ساخنة , ولأسباب واضحة لم يستطيعوا الاتصال بعائلاتهم لطمأنتها، بعض من زملاءه لن يستطيعوا أبداً الاتصال بأمهاتهم لأنهم ببساطة ، قتلوا. بعض من تلك القصص التي حدثني عنها , كانت عميقة جداً , وحزينة وبعض منها كان مشوشاً، لقد وصف بالتفصيل الدقيق بعض المقاتلين الاعداء , وكيف تم تمزيقهم الى قطع متناثرة صغيرة بمدافع " البازوكا"، تم اطلاق النار على رؤوس بعضهم بمدافع رشاشة من العيار الثقيل، آخرين تم سحقهم بجنازير الدبابات وهم يحاولون اطلاق النار في الأزقة من رشاشات خفيفة. لقد حدثني عن الكيفية التي مات بها أعز اصدقاءه أمام عيونه مباشرة, حيث كان يحمي نفسه في أحد الأزقة بجانب الحائط، وبعد أن تدبر أمره باطلاق النار من بندقيته، مباشرة بعد ذلك , أصيب في بطنه بقذيفة R.P.G ، لقد انفجرت القذيفة في بطنه تماماً واصابات بشظاياها ساق محدثي ، حيث شاهدت آثار الاصابة بنفسي. لقد أنهى حديثة معي بأن قال , أنه ليس سوى شاب أخرق من كاليفورنيا , وأنه لم يفكر ابداً أن الانضمام الى الجيش سوف يرسله مباشرة الى الجحيم، وأخبرني أنه يشعر بتعب ليس بعده تعب , وأنه يحتاج جداً الى الاستحمام، وغادر بعيداً ببطء شديد , حاملا بندقيته بين ذراعيه. |