|
بعد مرور شهرين على انتهاء وباء الكورونا..
نشر بتاريخ: 24/03/2020 ( آخر تحديث: 24/03/2020 الساعة: 17:08 )
الكاتب: مازن حساسنة
التاريخ 15 حزيران 2020. الساعه 7,30 صباحا...ارتشف فنجان قهوتي وأنا اتصفح جرائد اليوم من خلال الجوال الذكي، وكلما ازدادُ قراءة تتسلل من بين شفتاي ابتسامةُ صفراء على شكل علامة استغراب بحجم النافذة التي أرى منها سماء الكوكب الذي كان منكوباً قبل قليل. تنتقل عيناي من عنوان إلى عنوان وتحذقان حيناً من الوقت على حدث ما وتتجمدان أمام خبر ما. فمن استشهاد فتى فلسطيني أعزل على حاجز حوارة بعد أن اطلق جنود الاحتلال النار عليه إلى مشروع قرار اسرائيلي احادي الجانب بتنفيذ بنود صفقة القرن ، ثم مقتل أربعون عراقياً خلال مظاهرات للمطالبة بتحسين الظروف المعيشية ، وألف قتيل في اشتباكات داخل سوريا أغلبهم من المدنيين ، إلى غرق مئات اللاجئين قبالة السواحل اليونانية ، فسقوط طائرة وتحطمها فوق الأراضي الافريقية ، ثم الملف الإيراني النووي يواجه بسلسلة عقوبات أميركية جديدة ، روسيا تستمر في تطوير قدراتها الصاروخية بعيدة المدى ، فرنسا وبريطانيا توقعان على البدء بمشروع ردع نووي مشترك ، إحصائية لليونسيف تؤكد أن الجوع يتسبب بمقتل ملايين الأطفال سنوياً ، السعودية تفرض مزيداً من العقوبات على قطر ، مصر والإمارات تعلنان عن خطة أمنية مشتركة لملاحقة الارهاب . تثور داخلي مناطق الرصد العصبي و تتحول ابتسامتي إلى قهقهة مرتبكة وغاضبة لأطرح سؤالاً استنكارياً وبصوتٍ مرتفع كيف لنا ذلك ونحن كنا نسير فوق خيط رفيع ؟ كيف تحولت مشاعرنا وتبدلت تضاريسنا وتاهت أحاسيسنا ؟ أُقلب شاشة العرض في الهاتف وتجول في رأسي مقارنة عجيبة بين آذار الذي مضى وحزيران الحالي و تلك الفجوة اللامنطقية والواسعة بين الهلع و والاطمئنان بين الخوف والراحة بين الأدمية المتواضعة والإنسانية الشرسة ، بين الأمس الموبوء بالفيروسات واليوم الموبوء بالسلوكيات ، بين بكاء مريض على سرير الشفاء ، وامتعاض متعافي من أبسط الأشياء ، بين التضرع إلى الله واللجوء إليه وبين الإمساك بتعاليم الشيطان ، بين الخير والمعونة والرضا والحب والتعاون وبين الحقد والغل والتنافس والسطوة والسلطة والكسر والقتل . أغلقت هاتفي الذكي ، ووضعته في جيبي وهرولت نحو عربتي متوجهاً إلى مقر شركتي ، غير منسجم مع التبدلات التي جرت ولا متلائماً مع تدوير الزوايا الذي جرى خلال وقت وجيز ، جلست خلف المقود وسرت في رحلة قصيرة وما لبثت حتى لاح يميناً شخصاً متوتراً يتفوه بألفاظ نابيه مع محدثه عبر الهاتف ، وأمامي سيارة مخالفة لقوانين الحركة والطبيعة تنفث عادمها دون احتساب لأي شيء ، و على يساري مشادة كلامية بين سائق وجاره في المقعد الأمامي ، وفي ذروة المشاهد هناك رصيف مكتظُ بالمارة فتارةً يبدو لك شجار بين شابين في ربيع العمر وتارةً شرطي يقبض على لص ، يقابلهما في الجهة الاخرى فتاة تستغيث من تحرش وقح ، وأحد المتاجر يغلق بالشمع الأحمر لتجاوزاته التسعيرية ، ورجل مسن يصرخ بعد اختطاف محفظته ، وهنالك رجل يصفع ابنه الصغير النحيل لأنه يريد شيئا ما ، وحافلة البلدية تقف لتحميل عشرات الأشخاص كانهم في يوم الحشر يتدافعون . استكملت مساري وما زالت الصور تتعدد : هي ضوضاء الإنسان الذي تجاوز الضروريات والأولويات وانزلق مباشرةً إلى مستنقع النمطية السائدة ، كم كنا نحلم ربما بضرورة توجيه الجهود والكفاءات نحو النزاعات الإنسانية الحقيقية المتمثلة بالفقر والبطالة والجوع والجهل والتخلف ، وليس الإنشغال بتفعيل الوصايا المادية المجردة من التفاصيل الأخلاقية والمحبوسة داخل أطر ضيقة . كنا نمني الأنفس بفكفكة شيفرة السطوة والاستكساب الأُحادي المادي والسلطوي والجغرافي والديني والعرقي والطبقي ، كنا نتوق إلى استمرارية عدم إباحة النيل من كرامات الجنس البشري وإلى تكاثر مناصري اعتناق التآخي المرتكز على قيمة التشاركية و الذي واجه جائحة الكورونا . وصلت محطتي وترجلت كأنني انهيت لتوي مشاهدة فيلماً محبوكاً بمستوى درامي عظيم ، و صعدت نحو مكتبي مكفهر الوجه محبوس الانفاس ، جلست ألملم اوراقي واستعرض خططي وأتابع الأسواق انخفاضاً وارتفاعاً ، واستسلمت أنا أيضاً لفرضيات الربح والخسارة والصدام مع أي شيء يحول دون التراكم والاستزادة ، وبدأ الخيال يرسم أمامي أدوات الأعمال الناظمة ومسالكها وكيف نستمر في صناعة ما يحصن قيمنا في دائرة العمل وعدت أنا كما عادوا هم. طرق باب مكتبي أحدهم واستأذن الدخول ، لم أره من ذي قبل , شيخ بهي الطلة دون مقدمات قال لي وباختصار ؛ ما رأيته اليوم أنت مساحة متوفرة ينافسها ويزاحمها أدبيات المحبة والسلام والأمان والعبادة والطاعة والإخلاص ، ونحن جنود نحارب من أجل تطويق التضاد ، هنالك من يحرس الخير من الشر وهنالك من يدافع بكل قواه عن الحق في وجه الباطل ، إن عظمة الحياة تكمن بوجود الخيارين في كل شيء ، لن يكسب الظالم ولن يسقط المظلوم . عدت إلى نومي بعد شرب كوب ماء اراح جزعي حيث استفقت من حلم طويل ، و أيقنت حينئذ أنني ما زلت أعيش بتاريخ 24/03/2020 الساعه الرابعه فجراً ، وما زالت جائحة الكورونا.
|