|
"بيت لحم" نموذج بالاستحضار جدير
نشر بتاريخ: 27/03/2020 ( آخر تحديث: 27/03/2020 الساعة: 18:18 )
الكاتب: صادق الخضور
منذ بدء أزمة كورونا، ونحن نلحظ أن ثمة ما يمكن استحضاره من تجربة بيت لحم، رغم ما اعترى المشهد في بداياته من إرباك ربما أملته حداثة التجربة، لكن سرعان ما استعادت بيت لحم توازنها بجهد مبارك من الحكومة الفلسطينية ومن كل المستويات والأطر رسميا وشعبيا، وقد كان الأداء الفردي لكل مواطن مما عبر عن روح المواطنة.خلال السنوات الأخيرة؛ بات الحديث عن المواطنة الفاعلة والقيم موضة، وجاءت الكورونا بكل إرهاصاتها لتؤكد أن بيت لحم جعلت من تنوعها الاجتماعي والديني والجغرافي؛ فرصة للتعبير عن المعنى الحقيقي للمواطنة، ولتكوين فسيفساء راقية من التناغم بين المكونات كلها في مدينة ضمدت جراحها، وغسلت آهاتها بزيت من شجرة الوطن المباركة.بيت لحم؛ عاشت "الجائحة" لكن لم تقبل أن تتخذ دور باكية نائحة، بل اتخذت وقفة عزّ وفخار، بدءا برجال الصحة والأمن والإعلام، ومرورا بأصحاب الفنادق والمحجورين أنفسهم، وصولا إلى الكل “التلحمي". إعلاميا؛ كانت الإطلالة المقترنة بالمضمون لمراسلي فضائية فلسطين ولطاقم وكالة معا مما أضفى على المشهد مزيدا من التركيز على جوهر الأمور، ومتطلبات الارتقاء لمستوى الحدث.نموذج بيت لحم، والنجاح الذي نسأل الله له أن يتواصل في محاصرة الوباء هو درس من دروس التكامل والتكافل، وبعيدا عن خروج حالات محدودة عن النص، كان أن كتبت بيت لحم بمدنها الثلاثة وقراها ومخيماتها متن النص، وهذا النموذج الأصيل الذي كشف أيضا عن معدن أصيل للمحافظ ولكوادر المحافظة، وللكوادر الصحية والأمنية وكادر حركة فتح؛ يستحق الاستحضار.في بيت لحم؛ شهدنا تدخلات مدروسة، وجهود متكاملة وخطوات نوعية، وأبرز ما يجب أن نستحضره الالتزام العالي من الجميع، فالالتزام بالحجر كان كي لا تكون المحافظة كلها في خبر" كان"، وقدمّت بيت لحم ذاتها من جديدة، وكأنها طائر" فينيق" يعاود انطلاقته، فهي أصل الحكاية ولن تكون يوما ما بإذن الله بقايا رماد.بيت لحم، استوعبت الدرس والتوجيهات، وكان تجاوب أهلها مع توجيهات الحكومة مما يبرهن على أن الحكومة وحين راهنت على النموذج "التلحمي" في الالتزام إنما راهنت على ثقة بما هو كائن في محافظة تتطلع لما يجب أن يكون، بالعمل الجاد، والانضباط، وبالحس العالي من المسؤولية بعيدا عن الركون.هي مدينة الميلاد، ولذا ليس غريبا أن تعاود اكتشاف ذاتها لتكون شاهدا على ميلاد أمل جديد بأن تتجاوز فلسطين وسائر دول المعمورة هذه الأزمة بخير وسلام.النموذج التلحمي بمعطياته كلها حريّ بأن يظل ماثلا دوما في الحديث عن الارتقاء لمستوى الحدث، وبالتوازي مع ذلك كله؛ لا بد من استخلاص العبر، وأول المطلوب توجيه الأمور باتجاه مزيد من التوسع في توقير بنية تحتية صحية، وتوفير المزيد من الكوادر المؤهلة للاضطلاع بدورها في أي أزمة قد تطرأ، فالاستثمار في مجاليْ الصحة والتعليم أولوية بات من الأهميّة بمكان أن تعكس ذاتها على أجندة السياسات الوطنية رسميا وشعبيا.مع تواصل الأزمة– ونتمنى ألا تطول- لا يساورنا الشك في أن الالتزام سيظل حاضرا في محافظة لظلت لعهدها حافظة، فهي نموذج يستحق الإشادة والتقدير والتحية.بيت لحم، نموذج، ولها ولكلّ فلسطين نسأل الله الصحة والعافية، فليس صدفة أن يكون صدفها درّة في جيد مسبحة، كما خاطبها الشاعر المولع بها عز الدين مناصرة ذات يوم من قلب تلمسان: يَجيئُكِ كنعانُ ملتحياً بالثلوجْيطيرُ اليمامُ على كتفيهِ،على فَرَسٍ أشهب، ليلةَ الاجتياحِ،وَسُبْحَتُهُ صَدَفٌ تلحميٌّ… وجُبَّتُه من حريرْقُبيلَ صلاةِ رفيفِ الطيورِ على ساكناتِ المروجْ. يجيئُكِ كنعانُ،كشرتُهُ من زجاجٍ، وعيناهُ غاضبتانِ،وسروالُهُ عَتَبٌ، وابتسامتهُ من قتامْ– يجيئُكِ كنعانُ، فابتهجي يا بلاد الندى وقلاع الغمامْعليكِ السلامُ، عليكِ السلامُ، عليكِ السلامْ.نعم، عليك السلام مدينة السلام، ولك منا كل تحية وسلام، فابتهجي يا بلاد الندى، عليك السلام، فالنفس الكنعاني يستعيد ألقه.
|