|
مطبخ وحمّام! بقلم - صالح حساسنة
نشر بتاريخ: 24/04/2008 ( آخر تحديث: 24/04/2008 الساعة: 19:37 )
بيت لحم - معا - عندما يشتد الصراع أو بالعامية "الطوش" بين طرفين في بلدنا فلسطين المحروسة، ويلجأ الطرفين للتحكيم - ليس عن طريق استدعاء حكام دوليين بالطبع من صبغة (كولينا) وصحبه - ولكن يكون التحكيم غالباً عن طريق المجالس العرفية، أو بوجود أقارب الطرفيين أو أصدقائهما ، ممن يهمهم مصلحة الطرفين، أو على الأقل يهمهم إنهاء الصراع حامي الوطيس بين طرفي المشكلة، والعمل على عدم تطوره !
وغالباً ما تجد رغبة المحكمين في إنهاء الصراع ، تتلخص في أن أبسط الحلول هو " أن نقسم البلد نصين" بمعنى أنه يتعين الوصول إلى صيغة اتفاق تشتمل على رأي الطرفين، أي رأياً وسطاً بينهما، ولنفرض على سبيل المثال، أن هذين الطرفين شقيقان يتنازعان على شقة تركها لهما والدهما المتوفى منذ اثنتين وسبعين ساعة فقط لا غير، ويرى كلٌ من الطرفين الشقيقين أن الشقة من حقه، حيث يسوق كلُ منهما مبرراته التي يراها مقنعة جداً بالنسبة له، في حين يرى أن مبررات الطرف الآخر ـ شقيقه ـ واهية وغير مقنعة لطفل، حيث تجد الأول يقول أنه هو الأخ الأكبر، وأنه يرغب في أن يتزوج وبالتالي هو يحتاج للشقة بشدة لإتمام زواجه على الفتاة التي قام بخطبتها منذ ستة أعوام ونيف، كان ينتظر خلالها الفرج، عن طريق شقة يقيم فيها مع زوجته! بينما يرى الطرف الآخر ـ شقيقه ـ أنه هو الأولى بالشقة، لأنه لم يكمل تعليمه بعد، وأن أخاه الأكبر قد نال قسطاً وافراً من رعاية الأبوين قبل وفاتهما، وقد خطبا له "بنت الحلال" وابتاعا له شبكة قيمة، وسددا له مقدم غرفة نوم وصالون، بينما الأصغر لا زال يتطلع لبداية الطريق، وبالتالي يحق له الشقة! في تلك الأحوال يعرض أولاد الحلال على الطرفين أن "يقسما البلد نصين" وبما أنه ليس هناك أي مجال للوصول لصيغة تفاهم تجعلهما يعيشان مسالمين في مكان واحد، وبما أن كلاً منهما يرفض وجود الآخر في نفس المكان لأنه يرى أن وجود هذا الآخر ليس له ما يبرره وليس من حقه مطلقاً، فلا يتبقى هناك من حل إلا التقسيم، وعندما يقترح أحد المحكمين (أولاد الحلال) على الشقيقين أن يشتري منهما الشقة، ثم يقتسما ثمنها بينهما لينصرف كلٌ منهما إلى طريقه، بعد أخذ نصيبه، ستجد أنهما يرفضان هذا رفضاً قاطعاً لأن الوالد والوالدة قد عاشا حياتهما هنا، وأن الشقة لا تزال تحمل عبق الأيام الحلوة التي لم يراعيها أي منهما عندما فكر في طرد شقيقه منها، وأن كلاً منهما يحمل "كروزات"من الذكريات لهذا المكان لذا فهو يرغب في الحفاظ عليه لنفسه، ليس من أجل امتلاكه فحسب، بل من أجل حماية التاريخ والجغرافيا أيضاً! ولا يتبقى من حلول إلا تقسيم الشقة (نصفين كما يقول أولاد الحلال) فليس هناك إلا هذا الحل، وبالتأكيد سيقابل الطرفين الكثير من المشاكل، فمَن منهما سيمتلك المطبخ؟ ومَن سيستطيع الاستغناء عن الحمام؟ وهل من الممكن عقد ميثاق شرف بحيث يضمن كل طرف للطرف الآخر استعمال المرافق التي تقع داخل نطاق سيطرته بدون التعرض له بمكروه؟ بمعنى أنه عندما يمتلك أحدهما الحمام ويمتلك الآخر المطبخ، فهل يقبل كلاً منهما بميثاق الشرف الذي يقضي بعدم منع الآخر من استعمال الحمام في أي وقت يشاء؟ وبالتالي يضمن هذا الآخر ألا يمنعه الأول من استعمال المطبخ وأدواته في أي وقتٍ يرغب؟ وما هي الضمانات لعدم قيام أي طرف بالإخلال ببنود الاتفاق؟ وهل من الممكن هندسياً (وعلى الرغم من حالة المنزل المتهالكة) أن يقوم كلٌ منهما وبعد إقامة السور العنصري الفاصل في الشقة وتقسيمها، ببناء حمام خاص به بالنسبة لصاحب المطبخ، وبناء مطبخ خاص به بالنسبة لصاحب الحمام؟! ومن أين يحصل أي منهما على التكاليف الخاصة بذلك وهما مفلسان لا حول لهما ولا قوة !! طيب .. أعتقد أن المقدمة قد "أكلت" الموضوع بالكامل ، لكن الموضوع باختصار للذي لم ينتبه لمقصدي ، خاص بانتخابات اتحاد الكرة الفلسطيني ، ورغبة كل مرشح ، في أن يلازم منصب الكرسي العدمان لحقبة طويلة تمتد لما بعد الموت ، فكل ساعة- الله وكيلكم- يخرج علينا قرار خاص ، بأن هذا المرشح ، يرى في نفسه الكفاءة والمهنية للحصول على هذا الكرسي ، وذاك البني آدم ، يرى هو الآخر أنه الأحق بما أنه أتم شهادة الثانوية العامة بمعدل 50.4 بالعشرة ، وهذا هو الدستور الخاص للذي ينوي ترشيح نفسه في انتخابات اتحادنا المبجل ! لكن الغريب في الأمر - مع رجال فلسطين مش حتئدر تغمض عينيك طبعاً - ، أن كل مرشح " ملزق" لا يريد التنازل للآخر عن هذا المنصب ،فكل شخص يمتلك الأدلة والبراهين والمساندين والمؤيدين ما يكفيه للحصول على نصف كرسي أو ثلث كرسي ، وبهذا فيمكننا اختصاراً للوقت والجهد والصراع والتفكير أن " نقسم البلد نصين " ، فيتم تقسيم المرشحين لقسمين ، قسم برئاسة " الكابتن رابح" ، وأخر برئاسة " الكابتن ماجد" ، وعلى من يرغب من المرشحين في الانضمام لهذا القسم فأهلاً وسهلا به ، وعلى من يرغب في الانضمام للقسم الأخر ، فهي حريته التي لا ينازعه فيها أحد أصلاً ! ثم يتم تقسيم مرافق الاتحاد ، إلى قسمين ، ولنحمد الله - من فوق - على أن الاتحاد فيه الكثير من الحمامات والمطابخ ، حتى لا تحدث نفس المشكلة التي حدثت للشقيقين المتنازعين على ميراثهما من شقة المحروس والدهما ! أما الفرق الرياضية ، بعد إفراز الفائزين في الانتخابات طبعاً ، فيتم تقسيمها أيضاً بالعدل وبالتساوي ، ففرق الدرجة الممتازة مثلاً ، تذهب نصفها لل"الكابتن ماجد" ، ونصفها الآخر يشرب البيبسي بعد انتهاء المباريات ، أما فرق الدرجة الأولى ، فتذهب نصفها لل"الكابتن رابح" ، ونصفها الآخر يذهب إلى استقبال المحروسين زين الدين زيدان ورونالدينهو ، عندما يأتون إلى فلسطين ، لافتتاح "إستيد الضاحية " على حد تعبيرهم . وبالنسبة لملابس المنتخب الوطني ، فلن يكون هنالك أي مشاكل إطلاقاً ، لأن هذا الأمر حسم منذ عدة أشهر ، فالمنتخب الوطني برئاسة " الكابتن رابح" سيرتدي الفانيلة البيضاء بخطين أحمرين بالعرض ، ووطني " كابتن ماجد" سيرتدي الفانيلة الخضراء بخطين أبيضين بالطول !! قد يقول قائل أننا نرغب في هدم الاتحاد ومرشحيه بهذه الأفكار "التقسيمية" ونرغب أيضاً في القضاء على الاتحاد عن طريق تقسيمه كما كان يفعل الاستعمار في الماضي، ولكننا لا نرغب لا في هذا ولا ذاك، فنحن لم نقتحم الاتحاد الفلسطيني " للفوتبول" ، ولم نرفع عليه الدعاوى، ولم نسب الأعضاء المرشحين أو الأعضاء السابقين، وإنما كل هذه الأحداث قد تمت من داخل المرشحين أنفسهم وبدون أي تدخل منا! على أية حال قد يقول بعض المرشحين المتفائلين، أننا لسنا بأفضل حالاً من ألمانيا وكوريا مثلاً.. على الأقل ألمانيا قد فازت بكأس العالم وهى مقسمة، فهل يفعلها الأعضاء الجدد بعد نجاحهم في انتخابات الكونجرس الكروي! |