وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

ليلة القدر في فلسطين-سماء مفتوحة وارض محاصرة- اكثر من ربع مليون مصلِ يحيون الليلة المباركة في رحاب اولى القبلتين

نشر بتاريخ: 29/10/2005 ( آخر تحديث: 29/10/2005 الساعة: 19:27 )
القدس-معا- يحي اكثر من ربع مليون مصلِ الليلة، ليلة القدر في رحاب اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين المسجد الاقصى المبارك.
حيث تدفق عشرات الالاف من كافة انحاء الاراضي الفلسطينية، منذ ساعات فجر اليوم، رغم الحواجز العسكرية المقامة حول المدينة المقدسة، ليشاركوا احياء ليلة القدر في تلك الرحاب الطاهرة التي بارك الله حولها.

في كل عام وفي السابع والعشرين من شهر رمضان يرفع الفلسطينيون ايديهم الى السماء وينقلون احلامهم الصغيرة وامانيهم البسيطة الى رب العالمين املا في ان تتحقق ، فهذه عجوز لا همّ لها سوى ان يخرج ابنها من سجون الاحتلال واخرى تتمنى على الله ان ترى ابنها في حفل زفاف قبل ان تموت ، ورجل اخر تمنى ان يجتمع ابناؤه الاربعة على وجبة طعام واحدة لان كل واحد منهم في سجن او في بلد ، منهم من طلب طعاما ومنهم من طلب دواء ولكن احدا منهم لم ينسى ان يطلب من الله " رفع الغمة عن فلسطين ودحر الاحتلال " .

وتأتي ليلة القدر هذا العام والحصار الصهيوني يخنق جميع الاراضي الفلسطينية فالصلاة في المسجد الاقصى ممنوعة والتنقل من مكان الى اخر ممنوع وترى الناس هنا في حالة اندهاش حيث تبدو السماء مفتوحة والارض مغلقة .

أعربت ليندا زيادة العضو في نقابة المحامين فى غزة عن املها في الحصول على فرصة عمل في النيابة العامة لكي تشعر بالاستقرار النفسي و المادي وذلك بعد سنوات من التخرج مؤكدة انها ستدعو الله في ليلة القدر ان يحقق لهاامنيتها.

اما المواطنة ام محمد صالح و تبلغ من العمر (29) عاما فخصت امنيتها لزوجها وقالت " أتمنى أن يحصل زوجي على فرصة عمل لكي تكون ليلة القدر ليلة خير ان شاء الله و نقطة تحول في حياتي و حياة أبنائي و أتمكن من الانفاق عليهم حتى أراهم خريجي جامعات" كما أعربت عن أملها في أن توقف قوات الاحتلال الإسرائيلي غاراتها الوهمية التي تشنها الطائرات على المواطنين في الليل و النهار .

وقال المواطن مصطفى نصار (40)" عاما على الصعيد الشخصي أتمنى الذرية الصالحة و اتمنى وقف الاعتقالات في الضفة و وقف قصف الطائرات الاسرائيلية في قطاع غزة " .
و أعربت ناريمان شقورة خريجة جامعية عن أمنيتها في الحصول على فرصة عمل و أضافت " أتمنى أن يلتزم الطرف الاسرائيلي و الفصائل الفلسطينية بالتهدئة كل من جانبه لكي ننعم بالاستقرار و الهدوء لأننا لا نشعر أبدا بالانسحاب الاسرائيلي من القطاع في ظل هذا التوتر الذي يشهده القطاع " .

و تمنّت السيدة مريم عاشور (80) عاما والتي كانت تمشى ببطء شديد في الوقت الذي حاورتها فيه مراسلة معا ثم تقف لترتاح قليلا و من ثم تغذ الخطى الى بيتها بأن يتم الافراج عن الأسرى من سجون الاحتلال و الشفاء العاجل للمرضى و جرحى الانتفاضة وأن ينعم الناس بالعيش بسلام ثم تمنت لنفسها العيش الكريم و القدرة على تلبية حاجاتها الأساسية بنفسها .

وتمنى الطفل منصور زويد أن يوفق في دراسته لكي يتمكن من دخول كليه الحقوق ليصبح محاميا لكي يتمكن من الدفاع عن الأسرى و المعتقلين وقال " استشهد عمي في الانتفاضة و أتمنى أن نعيش بسلام و أمان و أن يحفظ الله أبي " .
و تمنى مخلص الشوا (23) عاما التوفيق في حياته الشخصية و أن يرزقه الله الزوجة الصالحة و أن يتم الافراج عن الأسرى والشفاء العاجل للجرحى كما تمنى رضا الله عنه ليكون من أهل الجنة و أن يقبل الله صيام المسلمين و المسلمات أجمعين .

كما أعرب إياد عابد عن أمله في القدرة على الانفاق من أجل الزواج حيث أنه لم يحصل على فرصة عمل تمكنه من التجهيز للزواج وأن يوفقه الله في دراسته و يطيل عمر والدته الحاجة أم محمود و أن يعتكف المسلمون أجمعون في القدس الشريف في رمضان القادم وقد تحرر من الاسرائيليين .

اذ`يحيي الاف المصليين الليلة السابع والعشرين من رمضان ليلة القدر التي انزل فيها القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان حيث وصل الى ساحات الحرم القدسي الشريف عشرات الالاف من المصلين الذين جاؤوا من كافة انحاء الاراضي الفلسطينية متجاوزين الحواجزز العسكرية طمعا في احياء هذه اليلة المباركة التي هي خير من الف شهر .

وتماثل ليلة القدر في وزنها التعبدي عبادة ثمانين سنة وأربعة أشهر كاملة، نؤديها في ليلة واحدة! إنها لفرصة عظيمة، ولكننا نحن المسلمين، هل نحن على قدر هذه المسؤولية ؟! أم أننا حرفنا معاني هذه الليلة المباركة كما حرفنا غيرها عن الفهم القويم والسلوك المستقيم؟ لقد شرف الله تعالى هذه الأمة بحمل رسالة الإسلام إلى العالم حملاً واعياً هادفا، وهذا الأمر يلقي مسؤولية كبيرة على أعناقنا، وأولى خطوات هذه المسؤولية الوعي السليم وتخليص العقل مما علق به من أوهام وخرافات ومبالغات، وقد علق بمفهوم ليلة القدر الكثير من الغبار والضباب الذي يحتاج تجلية وتنقية.

معنى ليلة القدر

قال اللغوي الأزهري: هي ليلة العظمة والشرف، وقال القرطبي: سميت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها، وقيل لأن للطاعات فيها قدراً عظيماً وثوابا جزيلاً، ولأنه أُنزل فيها كتاب ذو قدر على رسول ذي قدر على أمة ذات قدر، ولأنه ينزل فيها الملائكة ذوو قدر، وقيل لأن الله تعالى يُنزل الخير فيها والبركة والمغفرة.

تحديد وقتها

لم يتفق علماء المسلمين في استنباط وقت محدد لليلة القدر، وقد قاربت محاولات تحديد هذه الليلة بعد قراءة الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة الخمسين تفسيراً، فمن قائل أنها ليلة النصف من شعبان، إلى القائل بأنها آخر ليلة من رمضان ، إلى قائل بأنها كانت ليلة واحدة ثم رفعت نهائياً، مروراً بمن قال بأنها أول رمضان أو في وسطه أو أواخره، ومن قائل بأنها في الليالي المنفردة( الوتر) إلى قائل بأنها في الشفع ( المزدوجة) منه، ومن الطبيعي أن يرجح كل صاحب رأي رأيه ويدعمه بالأدلة الشرعية المناسبة حسب فهمه الدليل، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية " وبكل حال ، فلا يجزم بليلة بعينها أنها ليلة القدر على الإطلاق، بل هي في العشر الأواخر، وقد ذهب جمهور المسلمين إلى أنها ليلة السابع والعشرين، فقد قال زر بن حبيش: قلت لأُبيٍِ بن كعب إن أخاك عبد الله بن مسعود يقول: من يقم الحول كله يصب ليلة القدر، فقال أُبي: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، لقد علم أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأنها ليلة سبع وعشرين ولكنه أراد ألا يتكل الناس، ثم حلف ( أُبي ) أنها ليلة سبع وعشرين، فقال زر: قلت : بأي شيء تقول يا أبا المنذر ؟ قال بالعلامة التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهي أن تطلع الشمس يومئذ لا شعاع لها، واستدل بعضهم على ذلك بأن الله تعالى كرر ذكر ليلة القدر في سورة القدر ثلاث مرات وعدد حروف ليلة القدر تسعة أحرف و ناتج ضرب ثلاثة في تسعة يساوي سبعة وعشرين.

واستدلوا أيضاً بأن عدد كلمات السورة إلى قوله تعالى (هي) سبع و عشرون حرفاً, وهذه (إشارات) ظنية و ليست قطعية يمكن أن نستدل بها بشكل قاطع أنها ليلة سبع وعشرين وقال الشيخ عبد العزيز بن باز بأن القطع بأنها ليلة سبع وعشرين هو خطأ، ويمكن التوفيق بين كل الأحاديث التي لوحظ أنها تحدد ليلة القدر بليلة معينة أن ليلة القدر ليست لها ليلة محددة كأن تكون هي الليلة الفلانية في شهر رمضان, بل إن إخبار النبي عليه السلام أنها ليلة سبع وعشرين أو ثلاث وعشرين أو اثنين وعشرين أو أربعة وعشرين أو العشر الأواخر أو السبع الأواخر أو غير ذلك (أنظر فتح الباري ج4ص333) بل هي ليلة متنقلة بين أيام مختلفة في رمضان, وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصف ليلة القدر التي صادف وجودها في ذلك العام, ففي عام كانت ليلة الحادي والعشرين وفي أخر ليلة الثاني والعشرين أو غير ذلك ويشهد على هذا أن الرسول عليه السلام قد أعطى علامات مختلفة لليلة القدر, فمثلاً قال الرسول عليه السلام: اني رأيتها ليلة وتر واني أسجد في صبيحتها في ماء وطين فأصبح من ليلة واحد وعشرين وقد قام الصبح فأمطرت السماء, وحين فرغ الرسول عليه السلام من صلاته كان جبينه وانفه فيهما الماء والطين وفي حديث آخر أن سجود الرسول عليه السلام في ماء وطين كان ليلة الثالث والعشرين.

الدعاء وانتظار الفرج

يحرص المسلمون ولا سيما في رمضان على رفع الأكف والدعاء إلى الله تعالى, والدعاء في حد ذاته من علامات الإيمان والاطمئنان إلى قدرة الله تعالى على تحقيق الأمنيات ورفع الكربات, واستجابة لقوله تعالى (وقال ربكم ادعوني استجب لكم), ولكن الأمر العجيب والمستغرب أن يقف المسلمون عند حدود الدعاء والطلب, وترك العمل والسعي. وكثيرة هي مشاكل المسلمين من فقر وبطالة وجوع وجهل, وتشتت واستقواء للأعداء واهراق لدماء المسلمين وقتل وتشريد في كل زمان ومكان، وأثناء ترقب المسلمين ليلة القدر يلهجون بالدعاء أن يبعث الله تعالى إليهم عمر بن الخطاب جديداً ليفتح بيت المقدس، أو صلاح الدين ليحرر الأقصى من الأعداء المغتصبين ، ولكن الملاحظ أن المسلمين وبشكل عام لم يضعوا مع دعائهم شيئاً من القطران، أي لم يجمعوا بين القول والعمل، ولم يتعرضوا للأخذ بالأسباب، فهم هنا متواكلون، كسالى، ينتظرون الشفاء دون تناول الدواء، والله تعالى يقول :" وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".

ليلة القدر ووحدة المسلمين

الأصل في المسلمين أن يكون ابتداء صومهم وعيدهم واحداً وهذا ما ذهب إليه جل علماء المسلمين، وبالتالي تكون ليلة القدر واحدة في كل أرجاء العالم الإسلامي، ولكن ونظرا للفرقة الواقعة نرى الفروق بين بداية الصيام في البلاد القائمة في العالم الإسلامي قد تصل إلى يومين أو ثلاثة، فأين ليلة القدر من هذا ؟! وهل يمكن أن تتعدد ليلة القدر بتعدد المطالع؟ ما يظهر أن ليلة القدر هي واحدة عند الله تعالى، وأن اعتبارها يكون باعتبار أول المسلمين صياماً لقوله عليه السلام " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " فالأمر بالصيام هنا موجه لعامة المسلمين، فإذا أعلن مسلمون ثبوت رؤية الهلال لديهم فيجب على بقية المسلمين متابعتهم، وتكون ليلة القدر بالتالي هي حسب رؤيتهم، ولا عبرة بمن أصر على اعتبار رؤيته الخاصة ، ومن هنا نرى خطأ من قال :" لكل قوم ليلتهم".

دعاء

سألت السيدة عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إن علمتُ إي ليلة ليلة القدر ماذا أقول فيها ؟ قال: قولي:" اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني".