وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الأجنده الخفيه للمشروع الصهيوني (القدر المتدحرج)/بقلم: أوري أفنيري ترجمة وتعليق د. جمال نزال

نشر بتاريخ: 13/05/2008 ( آخر تحديث: 13/05/2008 الساعة: 19:34 )
كتب أوري أفنيري في نيسان:

ستحتفل إسرائيل الشهر القادم بذكرى تأسيسها الستين. الحكومة تعمل بشكل محموم لتجعل من هذه المناسبة يوما للفرحة والإبتهاج. وبينما تستصرخ مشاريع خيرية بصوت باك ضمائر أهل الإحسان والمتبرعين تبذر الحكومة زهاء 40 مليون دولار باتت الآن مرصودة للإحتفالات. لكن الأمة وللحق ليست في مزاج الإحتفال وإنما في مزاج العبوس الكظيم. الحكومة تتلقى طعونا من كل الجهات بخصوص مسؤليتها عن هذا الغم. وثمة من يقول: "الحكومة لا تملك إجندة عمل" , وأن: "شاغلها الوحيد هو البقاء".. الخ. ونلاحظ أن كلمة (أجنده) بملفوظها الإنجليزي قد باتت أكثر شيوعا في استعمال المستوى السياسي هنا وكأنها نجحت في إزاحة كلمة عبرية فصلت بالأصل لأداء نفس المعنى على القد.

وعلى كل من الصعب نعفي الحكومة من اللوم. أولمرت يتكلم كثيرا ولكنه لا يكاد يقول شيئا. لا يوجد اليوم أجنده قوميه ولا أجنده إقتصاديه ولا أجنده إجتماعيه ولا أجنده ثقافيه. لا شيئ. ولكن عندما جاء أولمرت للحكم طرح شيئا له شكل "الأجنده". إنه "هيتكانسوت" وهي كلمة غير قابلة للترجمة وتؤدي معنى "التجميع" أو التحويش" أو "الدمج". كان يفترض بهذا المفهوم أن يجسد عملية تاريخيه تقوم إسرائيل في إطارها بالتنازل عن أجزاء كبيره من الأراضي المحتله فتتفكك المستوطنات شرق جدار الفصل وتضم لسيادتها المستوطنات الواقعه بين الخط الأخضر والجدار. واليوم وبعد سنتين على هذا وحرب تخللتهما لم يبق من هذا شيئ نراه. وحتى تعبير التجميع (الإنسحاب الأحادي من الضفة) قد نسي وراح.

واللعبة الوحيدة في القرية هي المفاوضات مع السلطة الفلسطينيه (المقصود م.ت.ف) وهي عمليه أشبه بالتميثليه الساخره حتى لا نطيل. ومثلهم في ذلك مثل الممثلين إذ يشربون من كؤس فارغه نرى أن أطراف التفاوض معنية بإذكاء الإنطباع وكأن التفاوض مستمر بالفعل.

فهم يتقابلون وتصافحون (...) ويقفون أمام المصورين وتلتئم طواقم المفاوضات المشتركة ويعقدون مؤتمرات صحافيه ويطلقون اعلانات ولكن ... لا شيئ.. أي لا شيئ يحدث على الإطلاق.

إذا لم هذه المسرحيه كلها؟ والحق أن لكل مشارك فيها اسباب خاصة به. أولمرت يحتاج إلى أجندة تعبئ الفراغ. وجورج بوش البطة العرجاء يترك وراءه لا شيئ غير الدمار في كل مجال لمسه ويود لو يبقي على إنجاز ضئيل ولو حتى صوري بلا مضمون. الرئيس محمود عباس يعتمد أيضا في بقائه على مقدرته في انتزاع أي مكاسب سياسية لشعبه. ولذلك يتمسك بأهداب الأمل (وإمكانية) تقدم عملية السلام بما بقي عنده من قوة. وهكذا تستمر المسرحيه.

لكن في الحقيقة يخطئ كل من يظن أن الحكومة والدولة الإسرائيلية تتحرك بلا أجنده. وبكل تأكيد هناك أجنده. ولكنها خفيه. مبطنه وغير علنيه. ويقول أناس أن الإيديولوجيات قد ماتت زمانا. وذلك خطأ شاسع آخر. فلا يوجد مجتمع بلا أيديولوجيا ولا يوجد فرد بلا ايديولوجيا. وحينما تغيب الأيديولوجيات المستجده يتواصل سريان مفعول الإيديولوجيات القديمه. وحينما تغيب الإيديولوجيه المدركه (المعلنه) تحضر الإيديولوجيه الخفيه بقوة أكبر وبخطورة أشد.

لماذا يقال المخفي أعظم؟ إن الايديولوجيه المعلنة قابلة للتحليل والنقد والإعتراض. ولكن في المقابل يصعب محاربة الأيديولوجيه المخفيه المبطنة التي تملي برنامج العمل (الأجنده) دون أن تكشف ظهرها للخصوم. ولهذا فإن من الضروري تحديد موضعها واكتشافها وتحليلها.

وإذا سألتم أولمرت فسينكر بشدة أنه يفتقر إلى أجنده. فهو لديه اجنده تصل حد الكمال: يريد صنع السلام على اساس تسوية قضايا الحل الدائم. وليس سلام أي كلام بل سلام يستند على دولتين لشعبين. وقد اعلن أولمرت أنه بدون هكذا سلام فإن الدولة تنتهي. ...

طالما أن الوضع كذلك, لماذا لا يوجد مفاوضات بل مجرد ثمثيليه؟ ولماذا تتواصل فعاليات البناء (الإستيطاني) حتى في ما هو شرق الجدار ومن ضمنه أراضي يقول متحدثو الحكومة انها كجزء من أراضي الدولة الفلسطينيه؟ ما الذي يدفع الحكومة للقيام بالعشرات من العمليات العسكريه والمدنيه ضد الفلسطينيين بطريقة تدفع السلام بعيدا عن متناول اليد؟ والحقيقة أنه على عكس ما تقوله الحكومة وكذلك ما تقدم ذكره أعلاه لا يوجد نيه لدى الحكومة في الصول لأي سلام في عام 2008. وفي أحسن الحالات ربما يتم التوصل إلى "اتفاقية رف". وهذه نية إسرائيليه متأصله وتعني الوصول إلى اتفاقيه توضع على الرف إلى حين "نضوج الظروف ". أي بمعنى آخر: مفاوضات بلا معنى لأجل اتفاقيه بلا معنى. والأدهى أنهم باتوا الآن يقولون باستحالة الوصول حتى لهذا الشيئ في هذا العام أو المستقبل المنظور.

وهنا لا مفر لنا من الإستنتاج الحتمي: الحكومة لا تعمل من أجل السلام. إنها لا تريد السلام. ولا يوجد في مقاعد المعارضة أي ضغط فعال لأجل الوصول إلى السلام كما لا يوجد ضغط بهذا الإتجاه من جانب الإعلام. فما معنى كل ذلك؟ هل معناه أنه لا يوجد أجنده بالمطلق؟ كلا. بل معناه أن ثمة أجنده مخبأه خلف الأجنده المعلنه في الإعلام (بخصوص عملية السلام) وهي أجنده لا ترى بالعين المجرده.

الإجنده الخفيه موجهه ضد السلام. لماذا؟

المعهود في سياستنا هو أن الحكومة لا تسعى للسلام بسبب من خشيتها المستوطنين ومؤيديهم. فالسلام الذي يتحدثون عنه باتجاه دولتين لشعبين يتطلب تفكيك العشرات من المستوطنات التي يعيش فيها القياده السياسيه والأيديولوجيه للحركة الإستيطانيه. وهذا يعني إعلان حرب على 250 ألف مستوطن لا يستثنى منهم إلا من هم مرشحين للمغادرة الطوعيه مقابل التعويض السخي. والرأي السائد حاليا هو أن الحكومة أضعف من أن تقوم بمواجهة كهذه. وهناك رأي موازي وعلى الموضة كذلك الآن: كلا الحكومتين الإسرائيليه والفلسطينيه هم أضعف من إبرام اتفاق... وعلى الموضة كذلك أنه يتوجب تأجيل أي اتفاق إلى حين بروز قيادات قويه في الجانبين". والبعض يضيف عاملا آخر إلى هذه المعادلة فيضيف إدارة بوش بوصفها بطة عرجاء غير قادرة على فرض السلام.

لكن المستوطنات ليست العارض الرئيسي وليست كل المشكله. وإلا لم لا تقوم الحكومة بتجميدها كما فعلت في أوقات سابقه؟ وإذا كانت المستوطنات هي العائق الأساسي فلماذا يتم توسيعها الآن؟ ولماذا يقومون ببناء مستوطنات جديده ومقنعه "بجوار مستجد" لمستوطنات قائمه؟

وبوضوح نستطيع القول ان المستوطنات هي مجرد ذريعه. وهناك شيئ معين متجذر آخر يدفع الحكومة ونظامنا السياسي بأسره إلى رفض السلام. هذا الشيئ هو الأجنده المخفيه.

ما هو قلب السلام؟ الحدود. وعندما يقوم شعبان متجاوران بصنع السلام فإن تعيين الحدود وتثبيتها هو أول خطوة يقومون بها. وهذا ما ترفضه "الإستابلشمنت" الإسرائيليه لأنه يتناقض مع المنطلقات الابجديه للمشروع الصهيوني. وبالفعل قامت الحركة الصهيونيه في محطات مختلفه برسم الخرائط. وبعد الحرب العالميه الأولى قدمت لمؤتمر السلام خرائط للدوله اليهوديه ممتدة من نهر الليطاني بلبنان إلى العريش في صحراء سيناء. وقد نسخت خارطة فلاديمير زئيف جابوتنسكي (التي أصبحت فيما بعد شعار الإيرغون) حدود الإنتداب البريطاني (على فلسطين) بكلا ضفتي نهر الأردن. وكان في خارطة وزعها أحد قادة منظمة شتيرن هو إسرائيل إيلداد تمثيلا للإمبراطوريه الإسرائيليه ممتدة من البحر المتوسط إلى الفرات وتشمل كل فلسطين وكل الأردن ولبنان وقطاعات من سوريا ويصل إلى الفرات وأجزءا من مصر.

وقد تمسك إبنه آرييه إيلداد العضو اليميني المتطرف للكنيست الإسرائيليه بهذه الخارطه من بعده. وفي أعقاب 1967 كانت الخارطه الأكثر رواجا في أوساط الجناح اليميني الأراضي المفتوحه حديثا ومنها مرتفعات الجولان وشبه جزيرة سيناء.
لكن هذه الخرائط لم تكن إلا ألعاب مجرده. فالرؤية الصهيونيه الحقة لا تعترف بأي خرائط. إنها رؤية لدولة بلا حدود, دولة تتوسع وفق طاقتها السكانيه والعسكريه والسياسيه. الإستراتيجيه الصهيونيه تمثل نهرا يسير باتجاه بحر. ويتلوى النهر في البقاع والتضاريس, ويتجاوز عقبة هنا أو هناك, فينعطف يمينا أو يسارا, ويسير احيانا فوق السطح وتحت الأرض في بعض حين. وفي طريقه يأخذ ماء المزيد من الينابيع. وفي النهاية يصل إلى طريقه المقدور.

هذه هي الأجنده الحقيقيه. ثابته, خفيه, مدركه وغير مدركه (بفتح الراء). لا تحتاج إلى قرارات أوصياغات أو خرائط لأنها معجونة في الجينات الوراثية للحركة (الصهيونيه). بهذا نعلل ظاهرة وصفتها المحاميه تاليا ساسون بخصوص المستوطنات: جميع أركان الإستابلشمنت الإسرائيليه وهيئاتها, وكذلك الحكومه والجيش قد عملوا على إقامة البؤر الإستيطانيه غير الشرعيه دونما أي تنسيق مشهود ولكن بتعاون فعال وإن غير مرئي. فقد عرف كل واحد من آلاف الموظفين والمسؤلين أو العسكريين الذين عملوا لعشرات السنين في المشروع الإستيطاني إياه ما يتوجب عليهم عمله بدقة حتى من دون تلقي قصاصة ورق واحده ترى. وهذا هو سبب رفض بن غوريون أن يتضمن إعلان الإستقلال لدولة إسرائيل الجديدة أي ذكر للحدود.

وهو لم يفكر للحظه بالقنوع بالحدود المعينه في قرار الجمعيه العموميه للأمم المتحده يوم 29 تشرين ثاني 1947. وقد تبنى نهجه كل ما تلاه من خلفاء. وحتى اتفاق اسلو عرف "المناطق" ( ألف وباء وجيم) ولكن بدون تحديد الحدود. والرئيس بوش بدوره قبل بهذا النهج (التقسيط) عندما اقترح فكرة "الدوله الفلسطينيه المؤقته", وهي اكتشاف جديد في القانون الدولي.

وفي هذه الناحيه ايضا ثمة وجه شبه بين إسرائيل والولايات المتحده التي تأسست في السواحل الشرقيه ولم يهدأ لها بال حتى وسعت حدودها لتصل إلى الشواطئ الغربيه من الناحيه الأخرى للقاره. وقد انساب سيل الوافدين من أوروبا حدب الغرب مخلا بجميع الحدود والإتفاقيات ماسحا عن وجه الأرض سكان القارة الأصليين مشعلا حربا ضد المكسيك ليحتل تكساس ويغزو مركز القارة ومن ثم كوبا. وأما الشعار الذي رفعه ورفعوه وبرروا به جميع أفعالهم فكان ما اخترعه جون أوو سوليفان "Manifest Destiny". أي القدر المفتوح.

وقد رفع ديان شعارا إسرائيليا مشابها " نحن مقدورون" we are fated. وفي حياته قدم ديان بوصفه ممثل نمطي للجيل الثاني خطابين اثنين ذوا شأن. الأول والأكثر شهرة كان في عام 1956 ألقاه على قبر روي روبين شتاين في ناحال عوز وهو كيبوتس قبالة غزه. وفيه: "أمام أعينهم (الفلسطينيين في غزه) نؤوب إلى وطننا في قرى وأراضي عاشوا فيها هم وأجدادهم من قبل. هذا هو قدر جيلنا وهو خيارنا في هذه الحياه أن نكون جاهزين ومسلحين أقوياء شديدي البأس, وإلا فإن السيف سيبتر قبضتنا وتزهق أرواحنا". وهو لم يقصد أبناء جليه فقط. وأما الخطاب الآخر الأقل شهرة والأبلغ أهميه فقد كان في آب 1968 بعد احتلال مرتفعات الجولان وأمام حشد من الكبوتسيين الشبان. وعندما سألته عنه في الكنيست قام بإدخال الخطاب كاملا في سجل الكنيست وهو إجراء نادر للغايه في برلماننا.

وهذا ما قاله للشبان:"لقد قدر علينا أ نعيش في حاله دائمة من الحرب ضد العرب ولأجل مئة عام من العودة لصهيون سنظل نعمل لشيئين: بناء الدولة وبناء الشعب. هذا هو صلب عمليه التوسع وأساسها المزيد من اليهود والمزيد من المستوطنات. هذه العملية لم تصل إلى مداها النهائي. لقد ولدنا هنا ووجدنا آباءنا الذين جاؤوا هنا قبلنا. وليس من واجبكم أن نصل إلى نهايه (العمل). من واجبكم أن تضيفوا على ما عندكم وأن توسعوا المستوطنات إلى أقصى ما تستطيعون خلال حياتكم. وليس من واجبكم أن تقولوا: هذه هنا النهاية الآن. وإنا ها هنا فرغنا قاعدون".

ديان كان ضليعا في النصوص القديمه (المقدسه) وربما كان في خاطره تلك الآيه من فصل الآباء (هو جزء من المشناه التي انتهت قبل 1800 عام وشكلت اساسا للتلمود) ونصها: "ما من مهماتك أن تنهي المهمه وليس من صلاحياتك أن تقعد عنها".

هذه هي الأجنده المخفيه. وعلينا أن ننتشلها من غياهب الجب في اللاوعي من عقولنا فنغرسها في صدارة الوعي عندنا كي نتمكن من مواجهتها وفضح الأخطار الكامنة فيها وهي مخاطر الحرب الأبديه اللامنتهيه. وهي حرب إذا استمرت إلى كامل دورة الزمان فقد تسوق هذه الدوله إلى الكارثه.


ومع اقترابنا من الذكرى الستين لتاسيس الدوله يجب علينا أن نضع نقطة الختام تحت هذا الفصل من تاريخنا فنطرد الشيطان ونقول بوضوح: نعم لقد انتهينا من فصل التوسعيه والإستيطان.

ومن شأن هذا عندئذ أن يحبونا بالقدرة على تغيير وجهة النهر. فنسحب ورقة النهاية للإحتلال. ونفكك المستوطنات ونصنع السلام ونفعل المصالحة مع الشعب المجاور. ونحويل إسرائيل لدولة مسالمة وديمقراطيه وعلمانيه ليبراليه قادره على تحويل مصادرها إلى خلق مجتمع حديث مزدهر. وقبل كل شيئ أن نتفق على حدود.

أوري أفنيري مؤلف إسرائيلي وناشط. وهو رئيس حركة السلام الآن غوش شالوم. والعنوان الأصلي هو minifest destiny أي القدر المفتوح أو المتدحرج

تعليق من جمال نزال:

الفقرة الأخيره من مقالة أوري افنيري رسمت صورة الدولة التي يريدها اليسار. ويجب أن نضع هذه الرسمة في مرآة اليمين الإسرائيلي لنرى بصمة بعض الفلسطينيين على صورة إسرائيل كما يريد إتمامها اليمين. وبالمقلوب هذه هي فقرة أوري افنيري الأخيره بلغة اليمين المتطرف الذي هامت له حماس في كل واد.

"من شأن الإستيطان والإحتلال أن يحبونا بالقدرة على مواصلة الوضع الراهن كما هو. فنسحب ورقة النهاية لعملية السلام وندمر السلطة الفلسطينيه. ونبقى على حالة العداء مع الشعب المجاور ونحتفظ بإسرائيل كدولة حربجيه توسعيه غير ديمقراطيه (لغير العرب) دينيه محافظه (لليمين قط) قادرة على تسخير مصادرها للتسلح والحروب وخلق مجتمع عسكري مدجج. وقبل كل شيئ: تمييع الحدود (على حساب الجيران)".

اليمين يعتقد أن الزمن هو حليفه في عملية التهويد التي جعلت من يافا تل أبيب ومن الناصره الناصرة العليا ومن بيت لحم حار هوما ومن القدس أورشاليم ومن فلسطين العتيقة إسرائيل . وهو العامل الذي يحتاجونه لتحويل الضفة إلى يهودا والسامره فتصبح رام الله بسغات زئيف ونابلس كريات اربع وهكذا دواليك بينما يتولى الجدار خنقنا وتهجيرنا طواهية ويتكاثر أهل المستوطنات والوافدون. الزمن كفيل حقا بجهل هذا الهدف اليميني قربا من التحقيق. لقد أدركت الجهاد الإسلامي كون أوسلو خطوة للوراء في مسيرة اليمين الاسرائيلي وحلم إسرائيل الكامله بينما يغط قادة حماس في سبات عميق وطرح عقيم.

لقد رأيت حماس طوال التسعينيات تسخر طاقتها لترجيح كفة اليمين الإسرائيلي وهي تأمل أن يكون اليمين حليفا لها في تطبيق البند 13 من ميثاقها وهو الذي شخص مهمتها الربانيه في تعطيل أي سلام إلى يوم الدين. وأخطأت عندما تعامت عن الفرق بين اليمين التوسعي واليسار الذي يريد التخلص من السكان الفلسطينيين في دولة خاليه من الإستيطان. وكان لحماس ما ارادت فأنجحت نتانياهو وسهلت صعود شارون مرتين للسلطة في أربع سنوات قتل فيها المتطرف ما لا يقل عن 4000 فلسطيني كان معظمهم اليوم سيكون بين أحضان أهليهم لو شاءت قدرة الرحمن أن تهتدي حماس إلى رؤية الفرق بين من يريد الإستيطان ومن يحارب الإستيطان من داخل الكنيست الإسرائيلي. الجهل السياسي لحماس جعلها تجهل أهمية عنصر الزمن الذي يراهن عليه اليمين لتهويد كل فلسطين وشطب شعبها. وأهمية عنصر الزمن هي في قلب ساعة الرمل بحيث يتناقص الإستيطان مع استجابة إسرائيل لمتطلبات السلام بدل قلبها على راس الفلسطينيين فيتكاثر الإستيطان استجابة لمتطلبات الحرب. إسرائيل لم تكن جادة في أي لحظة في موضوع قبول دولة فلسطينيه. ولكن لو امتنعت حماس عن رد الجميل لليمين الإسرائيلي لتمكنت منظمة التحرير الفلسطينيه من إبعاده عن السلطة التي استغلها لطحن جمجمة الوجود الفلسطيني وحرق الهواء دون رئتينا ومصادرة أرضنا وقتل أهلنا لعبا ولهوا.

ليس لنا أصدقاء في إسرائيل اليهوديه ولكن فيها قوى تريد إنهاء الإستيطان. وقد فعلت حماس كل شيئ مستطاع عبر حقبة التسعينيات لتجريد هذه القوى من مصداقيتها فقطف اليمين ثمرة هذا وجلس على صدرنا كل هذه السنين. اليسار ليس حليفا ولا صديقا. وهو انتهازي حيثما حل وراح. ولكن من يريد إنهاء الإستيطان يستحق منا إعادة تقييم.