وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

مشاركة حماس في الأنتخابات هل ستغير المعادلات في الواقع الفلسطيني ؟ بقلم رشيد شاهين

نشر بتاريخ: 30/10/2005 ( آخر تحديث: 30/10/2005 الساعة: 14:55 )
معا - بعيداً عن التصعيد الذي حصل في الأراضي الفلسطينية مؤخراً, والأفعال وردود الأفعال, يبدو من الواضح أن هناك معركة أخرى تدور رحاها بهدوء، هذه المعركة أطرافها عدة، فهناك الأطراف المحلية وهناك الاقليمية ولا نبالغ إن قلنا أن هناك أطرافاً دولية تشارك من بعيد في هذه المعركة، المعركة المقصودة هي معركة الانتخابات الفلسطينية القادمة، والتي تنقسم الى قسمين، انتخابات للمجالس البلدية الكبرى في العديد من المدن سواء في الضفة أو في القطاع، المرحلة الرابعة والأخيرة من الانتخابات ستشمل في الضفة كلاً من نابلس، جنين في الشمال، رام الله في الوسط والخليل في جنوب الضفة، أما في قطاع غزة، فإن هذه المرحلة سوف تشمل مدينتي غزة ورفح.

شتاء المناطق الفلسطينية سوف يكون لاهباً، حيث سيكون هناك إضافة الى الانتخابات البلدية , انتخابات اكثر أهمية ألا وهي الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي وكما صرح رئيس السلطة الفلسطينية, السيد محمود عباس، اكثر من مرة انها لا بد ستجري في شهر كانون الثاني 2006، بعد الانتخابات المحلية التي ستجري في شهر كانون الأول هذا العام.

من الواضح أن كلا الانتخابات تعتبر بالغة الأهمية، فالمحلية سوف تكون الأولى في هذه المدن منذ ثلاثة عقود، وقد عمدت السلطة الى تعيين مجالس البلديات منذ قدومها الى الأراضي الفلسطينية قبل أكثر من عقد، وهي كذلك من الأهمية, لأنها ستكون معياراًَ لما بعدها أي الانتخابات التشريعية، وسوف تسلط إن لم يكن الكثير من الضوء , فعلى الأقل بعضا منه على تلك الانتخابات.

إن الكثير من اللغط ابتدأ مبكرا حول الانتخابات التشريعية , التي كان من المفترض أن تجري في شهر تموز من هذه السنة , وثارت ثائرة الكثير من الفصائل عندما تم تأجيلها، وكانت حركة حماس من أكثر الناقدين قسوة واكثرهم هجوما واحيانا تهجما على السلطة بسبب ذلك التأجيل.

المراقبون والمحللون ارتأوا أن ذلك التأجيل انما جاء على خلفية خوف حركة فتح من أن تخسر الكثير في تلك الانتخابات وذلك على أرضية فشل الحركة, التي تمثل عملياً الحزب الحاكم , في لملمة اوضاعها الداخلية والأصطفافات والصراعات بين الرموز التقليدية منها وغير التقليدية, وكذلك الفشل الواضح في تحسين الأوضاع في الأراضي الفلسطينية , ومعالجة قضايا أساسية مثل, الإصلاحات الديمقراطية, ومحاربة الفساد, والبطالة, وكذلك فرض سيادة القانون, ووضع حد لحالة الفلتان الأمني, الذي اصبح ظاهرة ممجوجة وغير مقبولة على كل المستويات, الشعبية والرسمية, هذا بالأضافة الى عجزها عن احداث اي اختراق في العملية السلمية , هذا الاختراق الذي لا يمكن ان يتم تحميل كامل المسؤولية فيه على عاتق السلطة , حيث ان اسرائيل تعتبر لاعبًا رئيسيًا فيه , وفي هذا السياق لا يمكن اغفال الدور الذي تسهم فيه بعض الفصائل لمنع حدوث مثل هذا الاختراق وذلك من خلال عدم الالتزام باتفاق القاهرة وغير ذلك من الممارسات.

الانتخابات التشريعية سوف تجري للمرة الأولى على الطريقة التي يصطلح الفلسطينيون عليها النظام المختلط، هذا النظام الذي ينص على أن يقوم الناخب باختيار نصف اعضاء المجلس التشريعي من خلال الأختيار المناطقي, اما النصف الآخر فيتم اعتماداً على اختيار اللوائح أو القوائم الحزبية .

لقد كانت عملية الانتخابات في فترة سابقة مطلباً اسرائيلياً كما كانت مطلباً اميركياً، الا أن إعلان حركة حماس الدخول في هذه المنافسة لم يكن ابداً في حسبان تلك الأطراف (اميريكا واسرائيل) وقد قلب الطاولة على رؤوس الكثيرين, بما فيها اطراف دولية، وحتى ضمن السلطة الفلسطينية، وبدت السلطة متمثلة في الحزب الحاكم "فتح" قلقة ومترددة, وهذا ربما كان احد اسباب التأجيل كما أسلفنا، كذلك فان اسرائيل مانعت الفكرة بشكل كامل وهددت باتخاذ كل الاجراءات والسبل اللازمة لافشال الانتخابات, وكذلك فعلت اميركا التي انجرت الى الموقف الاسرائيلي بشكل اوتوماتيكي تقريبا والتي قيل أن ابو مازن عاد في زيارته الأخيرة منها حاملاً وعوداً بعدم الاعتراض على هذه المشاركة، هذه المشاركة التي يرى فيها الفلسطينيون بشكل عام حقا طبيعياً لحماس وغير حماس بدخولها والمشاركة فيها، وأن هذا انما هو شأن فلسطيني داخلي ليس من حق أحد من يكون التدخل فيه, ويتساءلون عن هذه الضجة الاسرائيلية الصاخبة حول دخول حماس في الانتخابات, خاصة وإنهم الذين كانوا دعوا باستمرار الى ان تتحول حماس الى حزب سياسي يدخل ضمن اللعبة السياسية في الساحة الفلسطينية.

من المعروف أن حركة حماس كانت تعارض المشاركة في العملية السياسية لأنها كانت تعتقد أن هذه ليس سوى نتاجا ربما بائسا لاتفاقات أوسلو التي تعارضها حركة حماس أصلاً، إلا أنه يبدو أن وجهة نظر القوى المعتدلة ضمن الحركة تغلبت في النهاية وقررت الحركة الدخول في العملية السياسية.

حركة حماس وتحت تصورات يبدو أنها تعود الى الاحساس بالنصر خاصة بعد الإنسحاب من غزة, لا تزال تسير احياناً ضد التيار، فمن المعروف ان الفصائل الرئيسية وغير الرئيسية في المناطق الفلسطينية وقعت على ما سمي وثيقة الشرف والتي حدد من خلالها اماكن الترويج للحملات الدعائية، حركة حماس، الوحيدة التي لم توقع على هذه الاتفاقية (حتى تاريخه) وذلك احتجاجاً على منع الدعاية في المساجد والأماكن الدينية، ويعتقد المراقبون أن رفض حماس التوقيع على ذلك إنما يأتي على خلفية النية المبيته والمسبقة لاستغلال الدين وأماكن العبادة للترويج لمرشحيها برغم أن الحوارات لا زالت مستمرة في هذا السياق مع قيادات الحركة.

حركة الجهاد الاسلامي من جهتها, هي الوحيدة التي لا زالت تعلن وباصرار, أنها لن تشارك في الانتخابات, وأنها تعتبر أن هذه العملية عملية غير مجدية في ظل استمرار الأحتلال الأسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ولا تزال تصر على أن لا مفاوضات ولا اعتراف بالدولة العبرية.

حماس، التي تعتبر امتداداً لحركة الأخوان المسلمين التي تأسست في مصر، تعتقد أن بإمكانها الفوز بالانتخابات بشكل كبير، إلا أن المتابعين لشؤون الحركة يعتقدون أن حماس تبالغ في تقييم وزنها، وأنها قد لا تحصل على اكثر من 30 في المئة في غزة التي هي المعقل الرئيسي للحركة, وعلى نسبة قد لا تزيد عن 25 في المئة في الضفة الغربية، وإن ذلك يعود الى فشل الحركه الوطنية الفلسطينية أصلاً والى تفتتها وتشرذمها, وليس الى قوة حماس وشعبيتها، كذلك فشل السلطة الفلسطينية في القيام بمهامها كما ينبغي, وهذا ما أتاح لحماس تقديم الخدمات في كثير من الأوجه الحياتية لبعض المواطنين او ربما الكثير منهم,, وهذا ما جعلها بمثابة سلطة موازية في بعض المناطق الأكثر فقراً في غزة تحديداً.

التقارير الواردة أفادت الى أن الحكومة المصرية تقوم باتصالات مكثفة لضبط ايقاع حركة حماس كما الجهاد الاسلامي، وأشارت التقارير الاستخبارية الاسرائيلية التي نشرت مؤخراً الى وجود خلافات وقد تكون عميقة بين تيار المعتدلين والذي يمثله السيد اسماعيل هنية في غزة، والتيار المتشدد الذي صار سائدا انه يمثله السيد محمود الزهار في غزة ايضًا.

ضمن هذا الواقع الذي يضرب بكل قوة على حياة الانسان الفلسطيني ودخول حماس في العملية الانتخابية الذي يعني بالضرورة دخولها العملية السياسية، يتساءل الكثيرون، هل ينتصر التيار المعتدل في حركة حماس ويساعد في توفير ارضية قد تكون اكثر قوة وصلابة لايجاد حل سياسي واستمرار العملية السلمية في المنطقة ؟،ام ان التعنت الأسرائيلي سيثبت انه السبب الرئيس في تعثر العملية ؟, نتيجة الانتخابات التشريعية القادمة ربما قد تساعد في اثبات ذلك.