وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

كلمـة رئيـس الوزراء سـلام فيـاض أمـام مؤتمـر المانحيـن لمخيم نهـر البـارد

نشر بتاريخ: 23/06/2008 ( آخر تحديث: 23/06/2008 الساعة: 14:34 )
كلمـة رئيـس وزراء السلطة الوطنية الفلسطينية
سـلام فيـاض
أمـام مؤتمـر المانحيـن لمخيم نهـر البـارد
فيينـا 23 حزيـران 2008
السيدة: أورسولا بلاسنك وزيرة خارجية النمسا
السيد: فؤاد السنيورة رئيس وزراء لبنان
السيد: عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية
السيدة: بنيتا فيريرو فالندر مفوضة العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي
السيدة: كارين ابو زيد المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين- اونروا

السيدات والسادة:
اسمحوا لي بداية أن أنقل لكم تحيات الاخ الرئيس محمود عباس ( أبو مازن )، وتحيات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكافة مؤسسات المنظمة والسلطة الوطنية الفلسطينية، وكذلك تحيات عموم أبناء الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، وأن أتوجه بجزيل الشكر والتقدير للحكومة النمساوية على رعايتها، واستضافتها لهذا المؤتمر، وكذلك لجامعة الدولة العربية، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وكافة الدول والمنظمات والمؤسسات الدولية على دورها ومشاركتها في الإعداد لعقد هذا المؤتمر، وضمان تحقيق أهدافه في الالتزام بتوفير الدعم المطلوب لإعادة إعمار مخيم نهر البارد وتقديم الإغاثة والمساعدة لعائلاته.

السيدات والسادة:
قبل حوالي شهر أحيا الشعب الفلسطيني، ومعه كافة شعوب ودول العالم المُحبة للعدل والسلام، الذكرى الستين للنكبة، وما حملته هذه المناسبة من ثقل سنين المعاناة والتشرد، من ناحية، ونافذة أمل يتطلع إليها شعبنا لوضع حد لهذه المأساة الإنسانية، من ناحية أخرى. وفي خضم واقع ومشاعر هذه الذكرى على شعبنا الفلسطيني، بشكل عام، واللاجئين منهم بصورة خاصة، حملت هذه الذكرى الإصرار على حماية الذاكرة والموروث الثقافي والإنساني لشعبنا وروايته من أجل الحياة، وكذلك تصميمه على مواصلة نضاله المشروع لضمان استعادة حقوقه الوطنية كما أقرها القانون الدولي، وكما عرفتها قرارات الشرعية الدولية، وخاصة القرار 194، إضافة الى المبادرة العربية للسلام، لوضع حد لهذا الواقع الصعب الذي يعيشه اللاجئون من أبناء شعبنا في كل مكان، وخاصة في مخيمات لبنان.
إن ما لحق بمخيم نهر البارد أعاد فتح الجرح النازف منذ ستين عاماً. وأعاد للواجهة كم هو عاجل وضروري التوصل لحل عادل لقضية اللاجئين. فجماهير اللاجئين التي كانت تأمل وتسعى من أجل إنتصار المجتمع الدولي لقيمه الإنسانية، وقواعد القانون الدولي، وتأمين حقها في العودة لإنهاء الشقاء والمعاناة الممتدة على مدار ستين عاماً، استفاقت فجأة على أشلاء ودمار مخيم نهر البارد، واضطرار سكانه للنزوح واللجوء مجدداً في خيام ومدارس وبيوت المخيمات والمناطق المجاورة التي استضافتهم.
حدث ذلك بفعل استغلال مجموعات وعناصر إرهابية لواقع المعاناة، والبؤس والإحباط الذي كان يلف واقع مخيم نهر البارد، وتسللها عبر ثغرات الفقر والحزن، والبطالة، والتهميش الذي ملأ أركانه، ومخططات تلك المجموعة لزعزعة استقرار لبنان الشقيق، ومحاولتها الإضرار بعلاقات الإخوة اللبنانية الفلسطينية، لا بل والإساءة للكفاح العادل والمشروع لشعبنا الفلسطيني ولمعاناة وتطلعات اللاجئين في العودة.

السيدات والسادة:
لقد أعلن السيد الرئيس-- والذي أكد مراراَ على الطبيعة المؤقتة للوجود الفلسطيني في لبنان وعلى رفضنا المطلق لأي مشاريع للتوطين في لبنان أو غيره من دول الشتات --ومنذ اللحظة الأولى لإنفجار أحداث مخيم نهر البارد، أن تلك المجموعات الإرهابية التي حاولت أن تتغطى بفلسطين ومعاناة شعبها لا تمت لفلسطين بصلة، أو لأي من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وأن المنظمة تقف بكل قوة إلى جانب لبنان لاجتثاث تلك الزمرة الإرهابية. كما أعلنت القوى السياسية والشعبية الفلسطينية المتواجدة على الأراضي اللبنانية، موقفاً واضحاً وحكيماً إزاء ما يجري، وأظهرت تعاوناً كاملاً مع الحكومة والجيش اللبنانيين، الأمر الذي فوت على تلك الزمرة ومن يقف وراءها محاولة ضرب وحدة الموقف الفلسطيني اللبناني المشترك. وهنا فإننا نؤكد على وقوفنا إلى جانب لبنان الشقيق وحرصنا على ضمان استقراره وسلامته. ونؤكد أيضا أن أمن واستقرار لبنان هو جزء لا يتجزأ من عناصر إستقرار الوضع الفلسطيني، وأن التواجد المؤقت لأبناء شعبنا في لبنان لن يكون إلا عنصراً إيجابياً في دعم مسيرة الإستقرار والوفاق والوحدة للشعب اللبناني، ومؤسساته الدستورية. وهذا موقف ثابت ودائم لا يمكن القفز عنه، أوالسماح بالإخلال به في أي حال من الأحوال. وفي هذا المجال أيضاً، فاننا نعبّر عن ارتياحنا الشديد للتوافق الوطني الذي تمكن الاخوة في لبنان من تحقيقه بمساعدة الاشقاء العرب، ونأمل أن يساهم هذا الامر في تحقيق المزيد من الاستقرار والازدهار لاشقائنا في لبنان، ويساهم في تعزيز دور لبنان الفاعل في دعم القضايا العربية، وخاصة دعم نضال شعبنا العادل لانجاز حقوقه في العودة والحرية والاستقلال.




السيدات والسادة:
إن المعاناة الهائلة التي عاشها ولا زال يعيشها أبناء مخيم نهر البارد، تتطلب من المجتمع الدولي ومؤسساته المزيد من تحمل المسؤولية لوضع حد عاجل لهذه المعاناة. حيث لا يزال أكثر من 23 ألف لاجئ مشتتين بدون مأوى، ويعيشون في ظروف غير إنسانية.
وان هذا المؤتمر، إذ يعكس روح تلك المسؤولية إزاء هذا الامر، فإنه يعطي الأمل لأبناء المخيم، ويوفر أساساً جدياً لجهد عربي ودولي يمكن من المساهمة الفاعلة في إعادة إعماره، وتوفير سبل الحياة الكريمة لأبنائه، وضمان أمنهم الإقتصادي، والإجتماعي، وحقوقهم المدنية حتى تحقيق عودتهم.

السيدات والسادة:
إن منظمة التحرير الفلسطينية تنظر بكل التقدير لدور الحكومة اللبنانية ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" على الإهتمام والرعاية التي يقدمانها لشعبنا في مخيمات لبنان، وتعاونهما مع منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بإعتبارها كذلك المرجعية السياسية والشريك الاساس للحكومة اللبنانية والأنروا في كل الشؤون المتعلقة بإعادة إعمار المخيم والقرارات المتصلة بذلك. كما وأن اللجنة الشعبية للمخيم، كامتداد لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، على جاهزية كاملة للتعاون فيما يتعلق بإدارة الشؤون المدنية للمخيم.

السيدات والسادة:
نقدر لكم حرصكم ومشاركتكم في هذا المؤتمر الحيوي بل والمصيري لأهالي مخيم نهر البارد والذين يتطلعون إليه باهتمام، ويترقبون بكل الأمل إتخاذ كل ما هو ضروري من قرارات لاستعجال عملية إعادة الإعمار، وتقصير أمد معاناتهم. وهم يأملون من مؤتمركم هذا أن يأخذ بالحسبان الآثار الأخرى التي ترتبت على دمار المخيم، ونزوح أهله سواء لجهة إرتفاع نسبة البطالة وما يستدعيه ذلك من مساعدات طارئة شهرية لما يزيد عن ستة الآف أسرة، لديها المئات من أبنائها الطلبة الذين يدرسون في الجامعات اللبنانية وفي الخارج ومصيرهم التعليمي مهدد إن لم تقدم لهم المساعدة العاجلة، أو لجهة ما لحق بأهالي المخيم من تدمير لأثاثهم وممتلكاتهم وسياراتهم، ومصادر رزقهم سيما التجار وأصحاب الورش والمحلات، وما خلفه ذلك كله من إلتزامات وديون، ناهيك عن التدمير الشامل للبنية التحتية ومرافق الخدمات بما فيها التعليمية والصحية والبيئية. إن ذلك كله يلقي علينا مسؤولية النظرة الشاملة لهذا الواقع ووضع الإجابات الملموسة له.

وفي هذا المجال فإنني أتوجه بالتحية إلى موظفي القطاع العام في السلطة الوطنية الفلسطينية الذين تبرعوا بقيمة ستة ملايين دولار من رواتبهم رغم الضائقة المالية التي كانوا يمرون بها، وقساوة ظروفهم الاجتماعية بسبب انقطاع رواتبهم لأكثر من عام ونصف حتى منتصف 2007، وكذلك الحملات الشعبية الفلسطينية التي حاولت توفير ما أمكن من مساعدات. كما أتوجه بالشكر للأشقاء في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت والاتحاد الأوروبي واليابان، وكافة المؤسسات الرسمية والأهلية اللبنانية والعربية والدولية على دعمها المباشر او من خلال الحكومة اللبنانية أو الاونروا، ومساعدتهم العاجلة لأهالي المخيم من اجل تجاوز محنتهم، وكذلك لإغاثة عائلات مخيمي نهر البارد والبداوي والمناطق المجاورة التي تضررت..
كما لا يفوتني أن أتوجه بالشكر لكل الجهات الرسمية والمؤسسات الأهلية والشعبية التي ساهمت في تقديم المساعدات العينية، وإيصال الإغاثة والدعم والمساندة للأسر والطلاب والجرحى وذوي الشهداء، الأمر الذي يدعو الجميع للثقة بتعزيز العلاقات الطيبة بين منظمة التحرير الفلسطينية والدولة اللبنانية.



السيدات والسادة:
ينعقد هذا المؤتمر في ظل ظروف صعبة تعيشها القضية الفلسطينية، يعاني فيها الشعب الفلسطيني من ممارسات الإحتلال القاسية في ظل حصار مشدد وخانق، خاصة على قطاع غزة، وإرتفاع وتيرة الأنشطة الاستيطانية بصورة تتناقض مع الجهود الدولية المبذولة لإنجاز تسوية سياسية. والأهم أنها تتناقض مع القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، وإلتزامات عملية السلام كما حددتها مبادرة السلام العربية وخارطة الطريق وتفاهمات أنابولس.
إن إعتبار نهاية عام 2008 فرصة لإجمال تسوية سياسية تفضي الى دولة فلسطينية مستقلة يتطلب من المجتمع الدولي ممارسة أقصى درجات المسؤولية، كي توقف اسرائيل ممارساتها الاستيطانية وترفع الحصار المفروض على قطاع غزة، وتتوقف عن وضع العراقيل أمام جهود السلطة الوطنية لفرض الأمن والنظام والنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة على شعبنا .


السيدات والسادة
دوماً كانت هنالك إمكانية للوصول الى تسوية، وإن م.ت.ف التي أكدت تمسكها الاستراتيجي بخيار السلام، وعبرت عن التزامها الكامل بقرارات الشرعية الدولية، ومرجعيات عملية السلام، ورؤية الرئيس بوش، وخطة خارطة الطريق، وتفاهمات انابولس، فإنها ترى أن الطريق لانجاز التسوية يتطلب إلتزام إسرائيل بهذه المرجعيات والتفاهمات بما في ذلك مبادرة السلام العربية التي وفرت فرصة تاريخية للوصول إلى سلام عادل ودائم وشامل تحتاج إليه شعوب المنطقة، وبما يوفر لشعبنا فرصة الخلاص من الإحتلال والإستيطان، ويمكنه من إستكمال بناء دولته المستقلة ذات السيادة على كافة الأراضي الفلسطينية التي احتلت منذ عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وكذلك الوصول إلى حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين، وفقاً للقرار 194، وكما تضمنته مبادرة السلام العربية.

السيدات والسادة:
لقد آن الآوان لمعالجة جذرية لقضية الشعب الفلسطيني وتشرد لاجئيه، وبما يضع حداً لمحاولات البعض إستغلال هذه المعاناة، ليس لحلها، بل للمتاجرة بها لصالح أجندات لا يقبلها شعبنا.
إن درس نهر البارد والعديد من الدروس الاخرى تؤكد أن مرتكزاً اساسياً لمعالجة قضايا التطرف والإرهاب على الصعيدين الإقليمي والدولي يتطلب معالجة فورية وعادلة للقضية الفلسطينية، وبما يضمن لشعبنا حقه في العودة والحرية وتقرير المصير . وأن منظمة التحرير الفلسطينية ستواصل بذل كل جهد مخلص من أجل الوصول الى سلام حقيقي عادل ودائم يوفر لشعبنا الحرية والاستقلال ولشعوب المنطقة الأمن والاستقرار، ويمكن شعبنا من بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وكي يساهم كذلك في ممارسة دوره المطلوب في مساعدة ومساندة الشعوب الأخرى، بل والإنسانية جمعاء.

السيدات والسادة:
وقبل أن أختتم حديثي، أود إعلامكم أن منظمة التحرير الفلسطينية سترعى وتنظم حملة لجمع التبرعات الشعبية للمساهمة في إعادة إعمار المخيم، نأمل من خلالها أن نتمكن من جمع عشرة ملايين دولار كمساهمة شعبية. وهنا ولأغراض تسجيل الالتزام، فإنني أؤكد أن السلطة الوطنية ملتزمة بتوفير هذا المبلغ.
وفي الختام إسمحوا لي أن أكرر شكري للنمسا على رعاية هذا المؤتمر، وكذلك للبنان والأونروا على تعاونهما مع منظمة التحرير الفلسطينية، في إيجاد حلول تضمن إعادة الإعمار العاجلة للمخيم، وكذلك لكافة الدول والمؤسسات التي أبدت إلتزامها بتقديم الدعم والمساندة المطلوبين لإنجاز ذلك.