وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

العرفاتية بعد عام من رحيل عرفات بقلم ناصر اللحام

نشر بتاريخ: 12/11/2005 ( آخر تحديث: 12/11/2005 الساعة: 13:25 )
معا - يتابع المحللون سيرة عرفات فيشعرون انهم يقرأون ملحمة الالياذة او الاوذيسة ويعيشون مع هوميروس واخيل ، فياسر عرفات لم يترك فراغا في اسطورته واهتم بالتفاصيل مثلما العناوين . يحاول البعض تشبيهه بنلسون مانديلا او بابراهام لانكولن او جورج واشنطن او عبدالله الزبير او الامام ابو حنيفة النعمان او عمر المختار او الثائر الحلاج الا ان عرفات لا يمكن تشبيهه الا بياسر عرفات .
وبدءا من الاهازيج والاغاني والمواويل والاناشيد والهتافات مرورا بالروايات والقصص وانتهاء بالاحلام ، فان الثقافة الفسطينية المعاصرة صارت مبنية على وجود الزعيم ياسر عرفات وضرورة مشاركته وتدخله في كل الامور .
وقد وصل الامر انه البديل الانجح عن المؤسسة وعن الحزب ، وهذا نادر الحدوث في التاريخ وان حدث فانه سيخلق دكتاتورية القوة والقمع وفي حقيقة الامر لا يمكن ابدا اعتبار عرفات دكتاتوريا فهو لم يحكم بالاعدام ولا مرة على اي فلسطيني بسبب افكاره المناهضة له او نشاطه السياسي المختلف .

ولكي يكون الامر اكثر فهما ، فان الفلسطيني يعتبر العرفاتية من البديهيات المسلم بها ، وتماما مثلما يقر بشروق الشمس كل يوم يقر بوجود العرفاتية .ومثل الخمينية في ايران والماوية في الصين واللينينة في روسيا والناصرية في مصر اصبحت العرفاتية في فلسطين .
عضو لجنة حركية في فتح قال ممازحا : لقد خيّرونا في اوسلو بين فلسطين وعرفات فأخترنا عرفات .
وعلى لسان احد قادة المعارضة اليسارية اننا نستطيع ان نعمل وسط الجمهور كما نريد بشرط ان لا نهاجم او نجرح كرامة عرفات .
وفي العام 1993 وبعكس معظم التحليلات السياسية ، فان الجمهور الفلسطيني - المثقف قبل الجاهل ، والقائد قبل العضو - اختاروا موافقة عرفات وهتفوا في الشوارع من اجله وانتخبوه بنسبة 84 % رغم ان اوسلو ترمي من وراء ظهرها حوالي 75 % من فلسطين التاريخية .
وحين امرهم بمحاربة العمليات العنيفة سدوا الطريق في وجه المقاومة الاسلامية وحين شرع التنسيق الامني مع اسرائيل سارع قادة وابطال النضال الفلسطيني ليجلسوا مع قادة الاحتلال وضباط مخابراته وحين اشار الى ضرورة انتفاضة النفق عام 1996 عاد ضباط الارتباط الفلسطيني انفسهم الذين كانت مهمتهم السير بدوريات مشتركة مع الاحتلال واطلقوا بانفسهم الرصاص على جيش الاحتلال .
ولو وافق عرفات في كامب ديفيد ولم يختر انتفاضة الاقصى لهتف الناس له وقبل ان يسألوا عن المسجد الاقصى والمستوطنات والحدود كانوا يسألون عنه - اذا جاز التعبير
اختار الانتفاضة في عام 2000 فخرج الشعب من خلفه ولو وقف عرفات وطلب وقف الانتفاضة كانت ستقف من دون نقاش وسيقف الجمهور في وجه المقاومة وتحت اية مبررات حتى تمنعها من مواصلة عملياتها .
لا يتردد في استخدام المال لاغراضه ويستطيع ان يعرف نقاط ضعف خصومه فيوقعهم بسرعة ... يقول عنه اتباعه " الجبل " ويقول عنه خصومه " عرفاتي " ويقول عنه الصهاينة ( لا يمكن معه ولا يمكن من دونه ) .
ياسر عرفات تاريخ بحد ذاته مسيرته تمتد من ايام ماوتسي تونغ وهو شيه منه وغاندي وتيتو وخروتشوف وغولدا مئير ... دوخ اليسار واوقف الحركات الاسلامية على رؤوس اصابعها ، يعتقد الجميع انه لهم وهو يعتقد ان الجميع له .
يجعلك مستشاره حتى تعتقد انك تتحكم به ثم تكتشف بانك مجرد جندي في جيشه الواسع ... هو صاحب طريقة حل الازمة بأزمة ولكي يحصل على حبة جوز الهند لا يتردد في احراق الغابة بأكملها ...
يجمع من حوله من هب ودب ثم تكتشف ان الرجل مثل القمر ينظر اليه العاشقون بكل رومانسية ولا يهمهم رأي رواد الفضاء الذين اكتشفوا صخوره واسراره .
شخصية كاريزماتية دون منافس داهية من دواهي السياسة المعاصرة ملتزم بالطقوس الدينية ولكن هوامشه اوسع من العلمانيين انفسهم ، يعتمد على المال في معظمم المهام لكنه متقشف في حياته الخاصة .
حائز على جائزة نوبل للسلام وهو يؤمن بالقوة .
استراتيجي من الطراز الاول ويمضي ساعات في مناقشة التفاصيل ، يسافر الى الصين ولا ينسى اسم الموظف الذي تقدم له بشكوى يراهن على الافكار القومية ويعمل بانفراد كأن العرب ليس هنا، يدعو المجتمع الدولي والامم المتحدة ويتصل هاتفيا بمختار قرية صغيرة

قيل عنه

اممي وقومي واقليمي ووطني وعشائري في نفس اللحظة مسلم وعلماني ورأسمالي واشتراكي دون ان يتعارض مع بعضه استطاع ان يحافظ على صورته واسمه في الصفحات الاولى من اشهر صحف العالم منذ خمسين عاما يوميا دون ملل .
تحالف مع الجميع وتقاتل مع الجميع واذا احتضن شخصا فهذا لا يعني انه لن يحاربه في اليوم التالي وهو ما حدث مع الملك حسين وحافظ الاسد والياس سركيس ونبيه بري وحزب الله ومعمر القذافي وغيرهم .
قال عنه المحللون انه يشدّ الحبل حتى ينقطع ويراهن على اللحظات الاخيرة ... يمكن لاعدائه ان يتمنوا له الموت لكن ارواحهم معلقة به فيطلبون من الله ان يمد في عمره ..
ويقول قادة فتح لولا عرفات لتنازل المفاوضون الفلسطينيون والعرب عن القدس لليهود .

وقصف الاحتلال منزله وطائرته ومكتبه وحطم سياراته المصفحة ورمى جدران مقره برام الله بقذائف المدفعية وحاصره ثلاث سنوات ولكنه ظل صامدا كانه عكا في وجه نابليون ، حرموه من رؤية ابنته زهوة ويحرمه من الصلاة والمشي والخروج .
كان رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئيس اللجنة المركزية لفتح ورئيس السلطة ورئيس مجلس الامن القومي وقائد القوات المسلحة ، ولكن هذا رسميا فقط اما من الناحية العملية هو مسؤول عن كل اسرة وكل طائفة وكل فصيلة مسلحة وكل مجموعة من مجموعات الكتائب ، ويتابع بنفسه ادق تفاصيل التفاصيل في جيمع الوزارات ويستقبل الجماهير والموظفين والمدراء وارامل الشهداء والايتام ورجال الدين وأئمة المساجد وقارعي الاجراس والقضاة والمحامين وحتى المتهمين .
ومن كان يعتقد بأن شخصا بعينه يمكن ان يخلف ياسر عرفات فهو غارق في الخطأ ... فعرفات هو وحده الذي استطاع ان يقود سياسيا وامنيا واقتصاديا ودوبلوماسيا وعشائريا وتنظيميا دون ان تقف الامور وجمع بين الثورة وبين الدولة تحت بند " حالة اشتباكية " .
حالة مذهلة لا ينفك دهاقنة السياسة يدرسونها ويتعلمون منها ... هو اذا اراد دعا لاجتماع المجلس الوطني فيصبح لهذا المجلس قيمة وهو اذا اراد جعل فتح هي التي تقرر واذا لا يريد يدعو م.ت.ف وعند اللزوم يسارع لاتحادات الطلبة ولجان المراة والاتحادات الشعبية يستخدم هذه المؤسسات او لا يستخدمها ومهما فعل فالغالبية معه حتى لوكانت المؤسسات ضده وهو ما لايحدث اصلا .

قال عنه الزعيم الاسود نلسون مانديلا :
ان الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات يعد تراثا تاريخيا نضاليا عالميا وشكل رمزا نضاليا ضد الظلم والقهر ومسيرته تشبه اسطورة بكل ما فيها من ابعاد وخيال وافاق ورومانسية فهو البطل الذي يتحدى الطغيان والقوة والبطش باصراره وايمانه بحقه وحق شعبه وهو القادر على الافلات دائما من براثن الموت ويحول الهزيمة الى نصر .

وقال عنه الشاعر محمود درويش :
نهض فينا ابطال الميثولوجيا القديمة في علاقتهم بغضب الالهة ورضاهم ، لم يعد على ياسر عرفات الفلسطيني الاغريقي الدلالة ان يقود سفينة فقط فعليه ان يقود الموج بحفنة من الرجال ، عليه ان يكون وحيدا وعليه ان يكون محاصرا وعليه ان يرد على اسئلة البحر ، نعذّبه كثيرا لاننا وجدناه ولم نجد سواه ، هو شرط الخطوة التالية وهو شرط ذكرياتنا ، لابد من الوفاء لياسر عرفات لانه سيّد الوفاء.

وقال عنه فاروق القدومي :
هو الذي سار في موكب الحق منذ نعومة اظفاره، غادرنا وروحه الحائمة في سماء فلسطين تشكو ظلم الظالمين ، هو القائد المفجّر لاطول ثورات التحرر في العصر الحديث.

وقالت عنه الصحف العبرية :
لا يمكن معه ولا يمكن من دونه .

وقال عنه داعية السلام الاسرائيلي اوري افنيري :
انه اكثر الاشخاص المكروهين في اسرائيل ، اليمينيون واليساريون في اسرائيل يتبارون في التعبير عن كراهيتهم له ، ولكنه اكثر زعيم محبب الى قلوب شعبه والى قلوب الجماهير في العالمين العربي والاسلامي واكثر ما يميزه شجاعته النادرة .

حين كانت ماكينات الاطباء في مستشفى باريسي العسكري تعد نبضاته واحدة تلو الاخرى كانت عيون العالم شاخصة الى تلك اللحظة فحكم المكان والزمان وهو غائب عن الوعي.
عاملته فرنسا كزعيم امة من خلال جنازة مهيبة احرجت اعداء عرفات واعداء الشعب الفلسطيني ومثل فرنسا فعلت مصر من خلال جنازة عسكرية في القاهرة فبدت وكأنها تقرّ له بانه خليفة جمال عبد الناصر في زعامة القومية دون منازع .
وحين حلّقت المروحيات العسكرية في سماء مقاطعة رام الله هبت الجماهير تحمل المروحية بأكفها فبكى الشيخ والطفل واجهش الرجال والمقاتلون بالبكاء والدموع تبلل البنادق .
حمل الفقراء نعشه ، وفي مخيلتهم صورته بالقبعة العسكرية وهو ينظر نظرة الوداع الاخيرة في طريقه الى مطار ماركا العسكري الاردني ، وعن رواة ثقاة انه طلب من الاطباء ان يلقي كلمة اخيرة لشعبه لكن الاطباء منعوه من ذلك ، ترى ماذا كان سيقول لنا ؟؟

سامح الله الاطباء- سامح الله الهيلوكبتر - سامح الله مستشفى باريسي