وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

عام على غياب القائد التاريخي... بقلم: وليد ظاهر

نشر بتاريخ: 12/11/2005 ( آخر تحديث: 12/11/2005 الساعة: 13:56 )
معا- روايات وقصص عديدة، وكتب التاريخ وشعراء أجادوا بقصائدهم في وصف وسرد سير القادة والعظماء والرؤساء والأشخاص الذين خلدت سيرهم وأسماؤهم، لإسهاماتهم في بناء صرح الحضارة الإنسانية. وعندما نستحضر سيرة الزعيم والرئيس الخالد ياسر عرفات (أبو عمار)، نجد أنه من الصعوبة أن نختزل ونكتب عنه. فحقه علينا وما يستحقه منا أكبر بكثير من أن تعبر الكلمات عنه.

فأبو عمار الذي عرف بكوفيته الفلسطينية وزيه الزيتي القاتم، ناضل وحقق الكثير للشعب الفلسطيني على كافة المستويات. فقد نقل القضية الفلسطينية من قضية لاجئين إلى قضية شعب له حق في أرضه. وبذكائه وفطنته أضحت القضية الفلسطينية الرقم الصعب في معادلة الشرق الأوسط، الذي لا يمكن القفز من فوقه أو الاستهانة به. وفي شبابه المبكر أعلن أن وجهته فلسطين وحارب وحافظ على أن يكون القرار الفلسطيني قراراً مستقلاً. كانت فلسطين شغله الشاغل، وقضى فترة طويلة من حياته وهو في ترحال من أرض إلى أرض وسفرٍ من بلد إلى أخرى، ليدافع عن قضية شعبه "شعب الجبارين" ويسعى جهده من أجل إيجاد حل عادلٍ لها.

لم يبخل ولم يغلق بابه في وجه أي فرد من شعبه، بل على العكس من ذلك كان دائماً بينهم في السراء والضراء. فكان الأب بكل ما تحمل الكلمة من معنى. كان يعطف على الصغير ويحترم الكبير وضحى من أجل قضية شعبه الكثير الكثير وتحمل الأذى الأكثر والأكثر.

ومن منا لا يذكر خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك عام 1974، حين خاطب المجتمع الدولي باسم الشعب الفلسطيني قائلاً : " جئت إليكم حاملاً غصن الزيتون بيد والبندقية بيد، فلا تدعوا غصن الزيتون يسقط من يدي". فهل هناك أبلغ من هكذا كلام لهكذا زعيم ثوري؟ بالطبع لا.

في أحلك وأصعب الظروف التي صادفتها القضية الفلسطينية وبلغ اليأس والخوف مبلغهما في نفوس الفلسطينيين، كان الزعيم القائد يزرع بحنكته وبراعته الأمل في نفوسهم من جديد، حينما يظهر مبتسماً وبشوشاً برغم كل ألمه ومعاناته. عند ذلك يبعث الاطمئنان والتفاؤل في النفوس ببعض الكلمات والجمل التي ما زالت تتردد حتى الآن على ألسنتنا "يا جبل ما يهزك ريح"، اللي مش عاجبه يشرب من بحر غزة" الخ. فبالنسبة للقائد الخالد أبو عمار، لم تكن المحن والشدائد إلا تحديات تقوي من عضده بحيث تدعم الموقف الفلسطيني، وتمكن الشعب الفلسطيني من تجاوز الظروف الصعبة وعدم الاعتراف بالمستحيل في مشوار نضاله الطويل من أجل إعلاء كلمة الحق. فكما الشعب يكون القائد وكما القائد يكون الشعب.

مكائد ومؤامرات كثيرة حيكت من أجل إقصائه عن الساحة السياسية ومن أجل إضعافه، وآخرها كان فرض الحصار عليه في رام الله. ولكنه بصموده وعدم استسلامه أو تنازله، حول حصاره إلى موقف قوة وتحدي وتصميم، فقال قولته المشهورة "يريدونني إما طريداً أو أسيراً، لا بل شهيداً، شهيداً، شهيداً". فكان هو بحق الطليق والحر الذي رفض حياة الذل والمهانة، وعبر عن تحديه للضغوط الإسرائيلية بقوله "ستمنعون الشمس والهواء عني لن أتنازل, ستحجبون عني الدواء والغذاء, الله خلقني ولن ينساني القدس مطلبي, وركعة في المسجد الأقصى المبارك غايتي التي لا تناظرها غاية, الطريق طويل, لكن النفس أطول والهجمة الشرسة تقابلها إرادة حديدية".

لا أنسى ذلك المشهد المؤلم والمؤثر عندما نقل الرئيس الشهيد بعد اشتداد مرضه إلى الطائرة لنقله للعلاج في فرنسا. يومها لوح بيده مرسلاً لكل فلسطيني قبلة ومحاولا مرة أخرى بعث الأمل من خلال وعده لشعبه بالعودة. لكن من سوء حظ الشعب الفلسطيني أن قائده فارق الحياة وغاب عنه جسداً ليعيش فيه روحاً. فيبقى عرفات حياً بيننا نحتذي به ونسير على دربه، من أجل إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وحق العودة. لقد مر عام على ذهاب الجسد الطاهر ضحية غدر الغادرين وما زلنا ننتظر سر ذلك العشاء الأخير الذي لم يكشف النقاب حتى الآن عن سر ما حصل خلاله وما ترتب عليه من نتائج دفع ثمنها شعبنا الفلسطيني غالياً بفقده "الختيار الغالي". ألم يصدق ذلك الألماني القول عند زيارته ضريح الشهيد والرمز أبو عمار:"لقد غير صورة الفلسطينيين في العالم ولقد رأيناه في الأمم المتحدة وقد قاد شعبه إلى العالم". إننا لا نستطيع أن نذكر مرحلة أو حدثاً يتعلق بمسيرة الشعب الفلسطيني في نضاله، دون أن يقترن اسم قائدنا التاريخي بهما. لقد عاش عرفات رمزاً للشعب الفلسطيني سيبقى كذلك.

ترى كم من الأعوام سننتظر حتى تنكشف الحقيقة؟!!

كاتب فلسطيني-الدانمارك